محمد الفاتح وحديث الرسول
القسطنطينية
لم يكن حديث النّبي عليه الصّلاة والسّلام عن فتح القسطنطينيّة مجرد نبوءات بشريّة، وتوقعات تعكسها خبرة الرّجال بأمور الحياة وسننها، بل هي بشارةٌ نبويّة، وحقيقة غيبيّة، أطلع الله سبحانه وتعالى نبيّه عليها، فوقف بين أصحابه يُبشّرهم بها لرفع معنويّاتهم، وشحذ عزائمهم حتّى تظلّ روح القتال والجهاد في نفوسهم للدّفاع عن دينهم، وإعلاء كلمة الله على الأرض.
من البشارات النّبويّة التي تحدّث عنها النّبي عليه الصّلاة والسّلام فتح القسطنطينيّة، ففي الحديث النّبوي الشّريف الذي صحّحه الإمام الألباني قوله (كنّا عند عبدِ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ، وسُئِلَ أيُّ المدينتيْنِ تُفتحُ أولاً القسطنطينيةُ أو روميَّةُ؟ فدعا عبدُ اللهِ بصندوقٍ له حِلَقٌ، قال: فأخرج منه كتاباً قال: فقال عبدُ اللهِ: بينما نحنُ حولَ رسولِ اللهِ نكتبُ، إذ سُئِلَ رسولُ اللهِ أيّ المدينتيْنِ تُفتحُ أولاً القسطنطينيةُ أو روميَّةُ؟ فقال رسولُ اللهِ: مدينةُ هرقلَ تُفتحُ أولاً: يعني قسطنطينيةَ.) [صحيح] فمن هو فاتح تلك المدينة ؟ وكيف كان إعداده لهذا الفتح العظيم؟
مولد ونشأة فاتح القسطنطينيّة
ولد محمّد بن مراد الثّاني سنة 1432م، ونشأ في بيت الخلافة، حيث حرص والده على تربيته على الأخلاق الكريمة، وتنشئته على تعاليم الدّين القويمة، وخصّص الخليفة لابنه عدداً من المربّين والعلماء، من بينهم آق شمس الدين الذين بذلوا جهوداً في تربية وتعليم ابنه حتّى أتمّ حفظ القرآن الكريم، وحفظ الكثير من الأحاديث، وتعلّم الفقه الإسلاميّ، وأظهر محمّد بن مراد الثّاني كثيراً من الفطنة والنّبوغ حملت والده على تعيينه أميراً على مقاطعة صغيرة حتّى يتعلّم أسلوب الحكم والإدارة.
تولّي محمد الفاتح الخلافة
بعد وفاة الخليفة مراد الثّاني تولّى الخلافة ابنه محمّد وهو ما يزال في سنّ العشرين، وبعد تولّيه الخلافة أظهر محمّد براعة في الحكم، وسارع إلى تقوية جيشه، وإسناده بالآلات والمعدات الحديثة، فقد صمّم له أحد المهندسين مدفعاً عملاقاً لم يعرف له مثيل حينئذٍ في الضّخامة والكفاءة، كما حرص الخليفة على السّيطرة على حركة الملاحة في مضيق البسفور من خلال بناء قلعة الرّوم على الشّاطئ الأوروبيّ من المضيق، والتي تقابل قلعة الأناضول على الجهة المُقابلة، وبالتّالي استطاع الجيش العثمانيُّ إحكام السّيطرة على المضيق ليكون نقطة انطلاق لحصار القسطنطينيّة، ومنع الإمداد عنها.
فتح القسطنطينيّة
بعد أن حشد الخليفة محمّد الفاتح ما يقارب من مئتين وخمسين ألفاً من المقاتلين توجّه لحصار القسطنطينيّة، حيث ضرب حصونها وأسوارها بالمدافع حتّى تمكّن الجيش من اقتحامها، ثمّ دخلها الخليفة محمّد الفاتح ممتطياً جواده ليكون أوّل خليفةٍ مسلم يستطيع بحنكته وتدبيره العسكري فتح مدينةٍ عظيمة استعصت على المسلمين قروناً طويلة.