الفرق بين الحضارة والثقافة

تعريف الحضارة

تطوَّر مفهوم الحضارة تطوُّراً واسعاً، وتعدّدت التعاريف التي تُوضِّح معنى الحضارة، وقد اعتمدت هذه التعريفات التي توضح معنى الحضارة على شواهد من القرآن الكريم، ومن تعريف الحضارة ما يلي:[١]

  • عرّف ابن خلدون الحضارة، فبيّن أنّها تفنُّن بالترف، وإتقان الصنائع التي تم استعمالها في وجوه هذا الترف، وقد ذكر ابن خلدون أنّ البناء وما يُحدِثُه الإنسان على المنازل من تغييرات هو من الحضارة التي دعا إليها الترف.
  • عرّف ديورانت الحضارة بأنّها نظام اجتماعي يُساعد الإنسان على زيادة إنتاجه الثقافي.
  • عرّف عمر فَرّوخ الحضارة بأنّها العادة التي يستعملها الناس في حياتهم على جميع المستويات العامة والخاصة في بلدٍ معينٍ وفي زمن محدّد.
  • عرّف شوقي أبو خليل الحضارة فقال أنّها محاولات يقوم بها الإنسان؛ كالاستكشاف والاختراع، وإجراء التفكير والتنظيم، كلّ ذلك من أجل استغلال ما لديه من موارد طبيعية ليصل إلى مستوى أفضل من الحياة، وقال أيضاً أنّ الحضارة تُعدّ حصيلة جهود الأمم كلِّها.
  • عرّف إبراهيم زيد الكيلاني الحضارة بأنّها النظام الاجتماعي الذي يجمع بين مجموعة من العناصر المعنوية والمادية؛ فالمعنوية تكون كالأفكار والأعراف، والعادات والقيم والمشاعر والأذواق والمفاهيم، أمّا العناصر المادية فهي المُتمثّلة في الحِرَف والمكاسب والصناعات العديدة، ومجموعة الوسائل والأساليب.
  • أما عبد الرحمن الميداني، فقد صنّف الحضارة وحلّلها إلى ثلاثة أصناف، وهي:
    • الأول: الذي به يتم خدمة الجسد ومتاعهِ من وسائل العيش.
    • الثاني: الذي يتم خدمة الإنسان به.
    • الثالث: الذي يأخذ الإنسان إلى سعادته في الآخرة، وتبدأ من لحظة معرفة وإدراك الإنسان لذاتهِ والكون المحيط به.

تعريف الثقافة

شَهِد مفهوم الثقافة تغيُّراً في تفسير مدلول الكلمةِ؛ حيثُ بدأ تفسير اللفظ والبيان مع ما يتماشى وروح العصر القائم فيه، ففي فرنسا وألمانيا أُخِذَ المعنى المعياري، ثم أخذ يتحوّل بعد ذلك إلى المعنى الوصفي للفظ الثقافة، وقد ظهر مفهوم الثقافة بدرجاتٍ مختلفة من النجاح في بلدانٍ مختلفة، ومن الأشخاص الذين عرّفوا الثقافة:[٢]

  • أول من عرّف مفهوم الثقافة ومدلولها تايلور عالِم الأنثروبلوجيا البريطاني، وقد جعل تايلور الثقافة أو الحضارة في معنىً واحدٍ مُتّسع، فبيّن أنّها تشمل المعرفة والمعتقدات ككلّ، والفن والأخلاق والعادات، وجميع الأمور والقدرات التي يكتسبها الإنسان كونه عضواً في المجتمع، وهذا هو التعريف الوصفي للثقافة، وبمعناه الواضح والبسيط فهو يُعبّر عن حياة الإنسان الاجتماعية؛ لأنّه يؤمن أنّ الإنسان قادرٌ على التقدُّم.

الفرق بين الحضارة والثقافة

يرى بوعليان أنّ طبيعة العلاقة التي تربط بين الثقافة والحضارة تتحدّد من خلال النظر إلى كل منهما بالجذر والفرع، فالثقافة جذرٌ والحضارةُ فرعٌ لها، وقد مثّل بوعليان على ذلك، فقال: (… فجذرٌ من الثقافة الإسلامية، كتعظيم الهجرة النبوية مثلاً، تخدمه عدة فروع حضارية؛ كدراسةٍ علمية، وبرنامج وثائقي، وتطبيق استخدام التقويم الهجري، وهذا يؤدي الدور الحضاري تجاه الأصل خاصة وتجاه الثقافة عامة)،[٣] ويرى حسين مؤنس أنّ الثقافة هي ما تُميّز كل بلدٍ عن آخر، فهم مثلاً يجتمعون في العلم، وهذه العلوم لا تختلف من بلدٍ إلى آخر، فالطب مثلاً في فرنسا هو نفسه في إنجلترا وكذلك الدول العربية، فصميم العلوم وقواعده واحدة، ولا تختلف من بلدٍ إلى آخر رغم اختلاف اللغة بينهم، أما لو نظر الإنسان إلى ناحية أخرى، فيجد الإنسان الأدب في بلدٍ يختلف من ناحية الموضوعات واللغة المُستعمَلَة من الأدب في دولةٍ أخرى، فالأدب يختلف باختلاف البلد والأديب نفسه، وذوق البلد وأهله، وهكذا الحضارة والثقافة هي الأمر نفسه؛ ذلك أنّ العلوم تُعبّر عن الحضارة وليس عن الثقافة، أما الأدب الذي يختص به بلدٌ عن آخر ويختلف من شعبٍ لآخر، فهو الذي يُحدّد ثقافة بلدٍ معين أو أمة مُعيّنة من الأمم.[٤]

ولأنّ العلوم عالمية، فهي تُعتبَر من النطاق الذي يدخل فيه مفهوم الحضارة؛ فالحضارة عالمية لأنّ جميع القواعد النظرية والعملية واحدةٌ فيها، وتقوم الحضارة في هذا الزمن على أسس واحدة، فالأساس الاقتصاديُّ الذي يعتمد على مبدأ الكسب والخسارة واحد، فهو قائمٌ على المشاعر الإنسانية، وعلى هذا المثال يتبيّن أنّ الثقافة هي أي نشاطٍ إنساني محلي ناتج عن البيئة التي يعيش فيها الفرد، وهو معبُّرٌ عنها أو واصفٌ لتقاليدها في ميدانٍ ما من الميادين العديدة.[٤]

الحضارة الإسلامية

قامت الحضارات المختلفة ونشأت شيئاً فشيئاً من التُراث الماضي للأمم بكلّ ما يحويه ذلك التراث من آراء مختلفة وأفكار وتيّارات أخذت الشكل الخاص بها، وكوّنت لنفسها كيانها المُحدَّد بعد أن أخذت وقتاً زمنياً طويلاً حتى وصلت إلى ذلك الحال، أما حضارة الإسلام كما يقول عنها المسلم النمساوي (ليوبو لدفابس): أنّ الحضارة الإسلامية انفردت وتميزت بأنّها ظهرت وأشرق نورها دون سابق عهدٍ لها أو انتظار، وهذه الحضارة الإسلامية قد جمعت بجميعها كل المقومات الضرورية والأساسية للحضارة المكتملة والشاملة؛ ذلك أنّها قامت في مجتمع وبيئة واضحة المعالم، وللمجتمع نظرته الخاصة إلى الحياة، ونظامه التشريعي المكتمل وعلاقة الأفراد بعضهم ببعض له نهجه المحدد، فقيام الحضارة الإسلامية لم يكن ثمرة تقاليد ماضية أو وليدة تيارات فكرية متوارثة، إنّما هي وليدة أعظم حدث تاريخي، وهو نزول القرآن الكريم على رجل فذٍّ في تاريخ البشرية محمد صلّى الله عليه وسلم.[٥]

المراجع

  1. عمار توفيق أحمد بدوي (2005م)، مقومات الحضارة (الطبعة الأولى)، فلسطين: جامعة النجاح الوطنية، صفحة 11- 13، جزء 1. بتصرّف.
  2. دنيس كوش (2007م)، مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية (الطبعة الأولى)، بيروت – لبنان: المنظمة العربية للترجمة، صفحة 29 – 32، جزء 1. بتصرّف.
  3. مصعب الخالد البوعليان (15 – 10 – 2011م)، “نظرة في تعريف الثقافة والحضارة والمدنية”، http://www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7 – 12 – 2017م. بتصرّف.
  4. ^ أ ب حسين مؤنس (1978م)، الحضارة – دراسة في أصول وعوامل قيامها وتطورها (الطبعة الأولى)، الكويت: عالم المعرفة، صفحة 317 – 318، جزء 1. بتصرّف.
  5. أنور الجندي، الحضارة في مفهوم الإسلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الأنصار، صفحة 3، جزء 1. بتصرّف.