مفهوم البيئة في المنظور الجغرافي
مفهوم البيئة
تُعرّف البيئة على أنّها نسيجٌ من التفاعلات المعقدة التي تحدث بين مكوّنات المحيط الطبيعي، من كائنات حيّة (الإنسان، والحيوان، والنبات)، وعناصر غير حيّة، والتي تكوّن ما يسمّى بالمحيط (التضاريس، والمناخ، والماء، والهواء، والتربة).
مفهوم البيئة في المنظور الجغرافي
مفهومٌ يشير إلى علاقة التأثير المتبادل بين الإنسان ومحيطه البيئيّ، ولا يُعنى بدراسة البيئة الطبيعيّة بحد ذاتها، فهو مفهومٌ ذو عمقٍ كبير، يحتل مكانةً كبيرة في علم الجغرافيا، فالجغرافيا تتأثّر بالعلوم الطبيعيّة.
استخدم هذا المفهوم في القرن التاسع عشر، بفعل تأثّر الجغرافيين بنظرية “دارون” حول النشوء والتطوّر، والتي تنص على أنّ العلاقة بين الكائنات الحيّة والوسط البيئي علاقة متبادلة، فقد حاولوا تطبيق هذه النظرية، من خلال دراسة العلاقة بين الإنسان والوسط الطبيعي، وظهر في ذلك الوقت مفهوم الإيكولوجيا في العلوم الطبيعية، فكان مفهوم البيئة في الجغرافيا يدرس الأرض باعتبارها موطن الإنسان.
ازدهر مفهوم البيئة في الجغرافيا خلال القرن العشرين، فلم يقتصر على دراسة تأثير البيئة الطبيعيّة على الإنسان، بل شمل دراسة العلاقة بين الإنسان وبيئته البشريّة، ثم ظهر مفهوم أزمة البيئة وهي دراسة تأثير الإنسان على البيئة، وأصبحت جغرافيّة البيئة تعالج مظاهر اختلال التوازن البيئيّ، ودور الإنسان وانعكاسته على هذه الأنشطة، لذلك أصبح للبيئة فكر جغرافي معاصر أكثر اتساعاً وشموليّة.
دور الجغرافيا في حماية البيئة
- تضم الجغرافيا كلّ ما يتعلق بالطبيعة، بما فيها حماية الطبيعة، وحماية الوسط المعيشيّ للإنسان، وتأثير نشاطات الإنسان المختلفة على هذا الوسط، إلا أنّ الجغرافيا ستبقى في طليعة العلوم القادرة على المساهمة في حل المشكلات التي تعاني منها البشريّة، بما فيها مشكلات حماية البيئة من التلوث، والاستخدام العقلاني للموارد الطبيعيّة، ووقف سباق التسلح والحروب والفقر والانفجار السكاني وغيرها.
- يهتم علم الجغرافيا في العلاقة بين المجتمع البشري والطبيعة، وتعد مشكلة نفاذ الموارد الطبيعية من المشكلات المستعصية أمام البشريّة، حيث يزداد خطرها يوماً بعد يوم، وذلك مع تزايد استهلاك المواد الخلم الطبيعيّة واستنزافها، بتزايد عدد السكان بصورةٍ ملحوظة، وما يرافقها من مشكلاتٍ بيئيّة مختلفة، تهدّد البيئة وتدمّرها.
البيئة والمدارس الجغرافيّة الكبرى
قد أثار موضوع البيئة جدلاً كبيراً وساخناً في أوساط الجغرافيين من القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، وأدى ذلك إلى فرز مدارس جغرافيّة بيئيّة مختلفة، وهي:
- مدرسة الحتميّة الطبيعيّة: تسعى إلى ضرورة تكيّف الإنسان مع محيطه الطبيعيّ، حتى يُكتب له البقاء، فالبقاء للأصلح، إلا أنّ هذه الفكرة تتجاهل القدرات التقنيّة والعلميّة.
- مدرسة الحتميّة الحضاريّة: تهدف إلى أنّ الأرض وما بها من موارد تعدّ ملكاً للإنسان، من خلال تحديد قيمتها وفق حاجته لها، بما يعني الحريّة الكاملة للإنسان.
- مدرسة التفاعل المتبادل: ترى أنّ الفصل بين ما هو طبيعيّ، وما هو بشريّ هو تشويهٌ للحقائق، لأنه يمكن الفصل بين الأسباب والنتائج، فكلّ ما هو نتيجةً يمكن أن يصبح سبباً، والعكس صحيح.