أول من تكلم باللغة العربية

اللغة

يُعَدُّ عِلم اللغة من أقدم العُلوم، وأدومها، وأكثرها انتشاراً، وتشعُّباً، فمن الطبيعيّ أن يتكلَّم كلُّ أصحاب لُغة عن اللغة بعُمومها، وعن لُغتهم، وخصائصها، وما يُميِّزها، والتحدِّيات التي تُهدِّد بقاءها؛ وذلك ممّا أثرى هذا العِلم، ونمَّى موارده، ومُحبّيه، فلا يُعقَل أن يتكلَّم الفرد بلُغة لا يعرف عنها سوى حروفها الأبجديّة، والقليل من فنونها، وقواعدها.

ومن الجدير بالذكر أنّ تعريفات اللغة تتفاوت عند العُلماء العرب، وسواهم؛ وذلك يرجع لاختلاف زوايا النظر للغة بذاتها، ولصعوبة مهمّة الإحاطة بتعريف جامع؛ للارتباط الوثيق الذي لا ينفكُّ بين اللغة، والإنسان، فالإجابة عن سؤال (ما هي اللغة؟) هو أشبه ما يكون بأُحجية تغوص فيها رموز تاريخيّة عتيقة يصعب فهمها، وأخرى مُستحدَثة، ومُتجدِّدة، وثالثة مُستقبَليّة مُتوقَّعة، ومُنتظَرة، والحلُّ مع هذا السؤال كحال السؤال عن (ما هو الإنسان؟)، وقد اجتهد العُلماء قديماً، وحديثاً في صياغة تعريف اللغة، ومن تلك التعاريف:[١]

  • عرَّف فرديناند دو سوسور اللغة على أنَّها: نظام مُتناسق من العلامات المُتمايِزة فيما بينها، وهي موجودة في أذهان أبناء الجماعة جميعهم، حيث يكتسبها الفرد عشوائيّاً، وتتجلَّى من خلال النشاط الفعليِّ للفرد (المُتكلِّم).
  • عرَّف ليونارد بلومفيلد اللغة على أنَّها: مجموعة من العادات الصوتيّة يُكيِّفها حافز البيئة، فلا تتعدَّى كونها شكلاً من أشكال الحافز، ثمّ استجابة لذلك الحافز.
  • عرَّف رومان ياكوبسون اللغة على أنَّها: نظام تواصُليّ اجتماعيّ مُكوَّن من رموز صوتيّة مُكتسَبة عشوائيّاً.

وممّا لا بُدّ ذِكره أنّ اللغات تنشأ، وتتمايز عن بعضها باختلاف أنظمة الاتّصال بين البشر، وحتى الآن لم تُوضَّح درجة التبايُن اللازمة لإنشاء لُغة جديدة؛ فالإنسان عادةً ما يُولَد بلُغة واحدة تلك التي يُطلَق عليها (اللغة الأم)، وبحسب بيئته، ولُغة والديه، ومدرسته، ومُحيطه، فقد ينشأ في بيئة أُحاديّة اللغة، فلا يتعامل إلّا بلُغة واحدة، وقد ينشأ في منزل، أو في بيئة ثُنائيّة اللغة، فيتعلَّم لُغة ثانية إضافة إلى لُغته الأم، فاللغة هي: أداة تعبيريّة تُستخدَم للتواصل، والتعبير عن الأفكار، والمعاني، والأشياء، وهي أيضاً تُعتبَر أداة تُميِّز الهويّة الوطنيّة لحاملها في المُجتمعات مُتعدِّدة الثقافات، واللغات، ممّا يجعل اللغة مُكوِّناً لا يُمكن عَزْله عن مُجتمعه، ولا عن البيئة المُحيطة به من مكان، وزمان، وأشخاص، فلكلِّ لُغة مُجتمعها، ولكلِّ مُجتمع لُغته.[٢]

أوّل من تكلَّم باللغة العربيّة وكتبها

تتبايَن أقوال العُلماء في مسألة أوّل منشأ للغة؛ فمنهم من يقول إنَّها توقيفيّة من الله -تعالى-، حيث ألهمَ بها الوحي، ومنهم من يقول إنَّها اصطلاحيّة؛ لأنَّها تسبقُ إرسال الرُّسل، والأديان، وهناك من يجمع بين هذين القولَين، بأنَّها توقيفيّة، واصطلاحيّة، وبالرغم من أنَّ اللغات اللاتينيّة، والعبريّة، واليونانيّة قد سبقت في نشأتها نشأة اللغة العربيّة، إلّا أنَّه سُرعان ما اندثرت أجزاء من مُفرداتها، وتراكيبها اللغويّة، فاللغة اللاتينيّة مثلاً مُقتصِرة على بعض المواعظ الدينيّة اليوم، ومن الجدير بالذكر أنَّ اللغة العربيّة دبَّت فيها الحياة منذ القرن الخامس الميلاديّ، وهو أقدم ما يُعرَف عنها على أبعد تقدير.[٣]

تُعتبَر اللغة العربيّة إحدى اللغات السامية، حيث تُعَدُّ هي الأقرب إلى أصل اللغة السامية، وهي اللغة الوحيدة التي لا تزال تتمتَّع برونقها الأصيل؛ فقد حافظ العرب على لُغتهم بوجودهم الدائم في الجزيرة العربيّة، وقِلّة الوافدين من الأعاجم بينهم إلى أن انتشرت اللغة العربيّة أينما انتشر الإسلام، ومن الجدير بالذكر أنَّه يصعب تحديد أوّل من تكلَّم باللغة العربيّة بشكلٍ دقيق؛ وذلك بسبب قِدم تاريخها، وتنوُّع الروايات عنها، فمن العُلماء من يقول إنَّ آدم -عليه السلام- هو أوّل من تكلَّم باللغة العربيّة، وآخرون يَرون أنَّ جبريل قد علَّم اللغة العربيّة لنبيّ الله نوح، ومن ثمّ تعلَّمها سام ابن سيِّدنا نوح؛ ولذلك سُمِّي أصل اللغة ب(السامية)؛ نسبة له، وقِيل أيضاً إنَّ (يعرب بن قحطان) هو أوّل من تكلَّم بالعربيّة؛ ولذلك نُسِبت له اللغة العربيّة، كما قِيل إنَّ إدريس -عليه السلام- هو أوّل من كتب اللغة العربيّة.[٤]

اللهجات العربيّة القديمة

للعربيّة لهجات شتَّى؛ فقد كانت هناك قديماً لهجة قبيلة ثقيف، ولهجة قبيلة طيء، ولهجة قبيلة هُذيل، وأشهر تلك اللهجات، وأفصحها هي لهجة قبيلة قُرَيش؛ وذلك بسبب تَوافُد الحُجّاج للبيت العتيق كلّ عام، فكان أهل قُرَيش يسمعون حديثهم، ويأخذون منه ما استحسنوه، ويُهملون ما سواه، وقد بَقِيت لهجتهم نقيّة، وأصيلة، دون فظاظة في اللفظ، أو ثِقَل فيه؛ بسبب بُعد جزيرة العرب، وقُرَيش تحديداً عن بلاد العجم، فلم يُخالِطوهم، ولم يتأثَّروا بلُغة الفُرس، والروم، وأهل الحبشة.[٣]

خصائص اللغة العربيّة

تحظى اللغة العربيّة بخصائص فريدة ميَّزتها عن كلِّ اللغات، وألبستها حُلَّة من الجمال، والجلال، والكمال، وتسيَّدت بها سائر اللغات، ففاقتهم قَدراً، ومكانة، ورفعة، ومن تلك الخصائص:[٥]

  • اللغة العربيّة هي لُغة القرآن الكريم؛ فهو كتاب الله، وكلامه المُتعبَّد بتلاوته، والمحفوظ على مرِّ الأزمنة، ويُضاف إلى ذلك أنَّ صلاة المُسلمين لا تصحُّ إلا بتلاوة القرآن الكريم بلُغته العربيّة؛ ولذلك انتشرت اللغة مع انتشار دعوة الإسلام قديماً، وحديثاً.
  • اللغة العربيّة من أفصح اللغات، وأكملها، وهي أقدم اللغات التي فيها من الألفاظ، والتراكيب، والفنون ما يجعل قاموسها تامّاً بحيث يمتلك المقدرة الدائمة على التعبير عن أدقِّ تفاصيل مُصطلحات، ومفاهيم العِلم، والفنّ، والفلسفة، وغيرها.

إحصائيّات وأرقام عن اللغة العربيّة

تحتلُّ اللغة العربيّة المرتبة الرابعة من حيث عدد المُتحدِّثين بها؛ نسبة لعدد سُكّان العالَم، وقد تفوَّقت بذلك على اللغة الإسبانيّة، والألمانيّة، والفرنسيّة، والروسيّة، ويتحدَّث اللغة العربيّة اليوم أكثر من 400 مليون شخص حول العالَم بصفتها لُغتهم الأم، أو باعتبارها لُغتهم الثانية،
كما تُعتبَر اللغة العربيّة من أغنى، وأدقِّ اللغات في العالَم؛ إذ يحتوي قاموس مفرداتها على 12 مليون كلمة بحسب قاموس المعاني الإلكترونيّ، وتُعَدُّ العربيّة ثاني الأبجديّات من حيث انتشارها العالَميّ؛ حيث يبلغ عدد حروفها 28 حرفاً، وتجدُر الإشارة إلى أنَّ حروفها تُستخدَم لكتابة لُغات أخرى، كالفارسيّة، والأفغانيّة، والكُرديّة، حيث كانت بدايات كتابة أحرف اللغة بلا نقاط، إلى أن تمّ اعتماد نظام تنقيط الحروف في القرن الثامن الميلاديّ.[٦]

المراجع

  1. حيدر الجبوري (15-6-2011)، “أهمُّ تعريفاتِ اللّغةِ عندَ علماءِ اللّغةِ الغربيّينَ”، uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.
  2. Robert Robins,David Crystal ، “Language”، britannica.com, Retrieved 5-11-2018. Edited.
  3. ^ أ ب عبد العزيز الدغيثر (8-8-2016)، “نشأة اللغة العربية وتطورها وثباتها أمام التحديات”، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.
  4. “History of the Arabic language “, islamweb.net,21-9-2002، Retrieved 5-11-2018. Edited.
  5. راغب السرجاني (6-8-2008)، “اللغة العربية”، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.
  6. “في يومها العالمي.. حقائق مثيرة عن اللغة العربية “، alhurra.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.