كيف تكونت اللغات

اللُّغة

يكتسبُ الإنسان اللُّغة في مرحلة الطفولة؛ فيستخدمها للتعبير عن أفكاره، واحتياجاته، وعواطفه، وغيرها من الأمور التي يحتاج الإنسان إلى طريقةٍ ما للتعبير عنها، وقد يكون التعبير بالإيماءات، وحركات اليد، والجسد، واللُّغة هي: التعبيرُ عن طريق الأصواتِ، والكتابة، ومن الجدير بالذكر أنَّ اللُّغات المُختلِفة تتشكَّل باختلاف أنظمة الاتّصال بين الناس في المُجتمع الواحد؛ حيث يمتلك الإنسان لُغةً يبدأ باكتسابها مُنذ طفولته تُدعَى اللُّغة الأُمّ، ثمّ يستطيع الإنسان لاحقاً تعلُّم لُغاتٍ أُخرى جديدة تتفاوَت قُدراته، ومهاراته فيها، كما أنَّ اللُّغة تُعرَّف بأنَّها: نظام من الرموز المنطوقة، أو المكتوبة، والتي تُعبِّر عن الأفكار المُختلفة عن طريق الأصوات الكلاميّة، والتي تنشأ من تركيب الكلمات، والمُفرَدات معاً لتصبح جُمَلاً ذات معنى، فاللُّغة: هي وسيلة اتّصال بين البشر، وطريقة لنقل المعلومات فيما بينهم؛ حيث يستطيع الإنسان استخدامها صوتيّاً من خلال حركات أعضاء مُعيّنة داخل الحلق، والفم، ويَنتُج عنها أصوات مُعيّنة، ومن الجدير بالذكر أنَّ للُّغة أهمّية كبيرة في حياة الإنسان؛ إذ يُوجَد عِلمٌ مُختصٌ بدراسةِ اللُّغة يُطلَق عليه اسم “عِلم اللُّغويات”، أو اللسانيّات (بالإنجليزيّة: Linguistics)، حيث إنَّها لا تقتصر فقط على كونها وسيلةً للتواصل، ونَقْل المعلومات، بل تُعَدُّ أيضاً هويّة وطنيّة، ونوعاً من الثقافة للشعب، كما أنَّها وسيلة للتعبير عن الخيال، وصِياغة الشِّعر، وصُنع الدراما، والتعبير الدينيّ، وغيرها.[١]

نظريّات تفسير نشأة اللُّغات

وَضَع عُلَماء اللُّغة نظريّات لنشأة اللُّغة في تاريخ البشريّة؛ إذ توصَّلوا لوجود فريضيَّتين تُفسِّران أصل اللُّغة، وهذه الفرضيّات هي:[٢]

  • فرضيّة الخَلْق الإلهيّ: يُعتَقد بأنَّ اللُّغة نشأت مُنذ ظهور الإنسان على الأرض؛ فحسب الكُتب الدينيّة فإنّ سيّدنا آدم كانَ أوّل البشر، وقد أعطى أسماءً لجميع الكائنات الحيّة، إلّا أنَّه لم يَستطِع عُلَماء اللُّغة إثبات أنَّ اللُّغة قديمة بقِدَم الإنسان، ومن الجدير بالذكر أنَّ التاريخ قد أظهر الإنسان الحجريّ على أنَّه لا يمتلك لُغةً مَنطوقة يتواصل بها، إلّا أنَّ هذه النظريّة غير مُثبَتة؛ فاللُّغة مُرتبِطة بالمُجتمَعات البشريّة، ولا يُمكن فَصْلها عن القبائل البشريّة القديمة، وبالرَّغم من ذلك فلا يُمكن تحديد اللُّغات البدائيّة، والتي تحدَّث بها الإنسان الحجريّ.
  • فرضيّة التطوُّر الطبيعيّ: تَنظُر هذه الفرضيّة للتطورُّ الفطريّ الذي حصلَ للإنسان خلال تَعايُشه البشريّ، إذ إنَّ مَلَكةَ اللُّغة تطوَّرت نتيجةً لتطوُّر القُدرات البيولوجيّة، أو العصبيّة لديه، ونتيجةً لزيادة مهاراته التعلُّمية؛ حيث إنَّه مع مُرور الوقت استطاع الإنسان تشكيل نظام مُبتكَر للُغة مُطوَّرة أصلاً عن الأصوات، والإشارات البديهيّة الموروثة عن الأجيال السابقة، عِلماً بأنَّ هذه الفرضيّة لا يُمكن إثباتها؛ وذلك لأنَّ الأدلَّة الأثريّة للبشر تُثبِت أنَّ الإنسان العاقل، والمُكتمِل الإدراك يعود لتاريخ الإنسان الحجريّ الأقدم في تاريخ البشريّة.

ومن الجدير بالذكر أنَّ عُلَماء اللُّغويّات قد وضعوا عِدَّة فرضيّات لكيفيّة تكوُّن اللُّغة الأولى لدى الإنسان، ومن أهمّها:[٢]

  • فرضيّة مُحاكاة الأصوات (بالإنجليزيّة: ding-dong hypothesis): تنصُّ هذه الفرضيّة على أنَّ اللُّغة تكوَّنت من تقليد أصوات الطبيعة، وأصواتٍ لأشياء حقيقيّة موجودة في حياة الإنسان، أي أنَّ المُفرَدات تشكَّلت من مُحاكاة أصواتٍ كان الإنسان يَسمعُها، إلّا أنَّ هذه النظريّة لا تُفسِّر من أين جاءت مُصطَلحات لأشياء لا تُصدِر صوتاً، كالحبّ، والسماء، والشمس، وغيرها.
  • فرضيّة الأصوات التعجُّبيّة (بالإنجليزيّة: pooh-pooh hypothesis): تُبيِّن هذه الفرضيّة أنَّ الكلمات بدأت تتشكَّل من التعابير العاطفية اللاإراديّة، كالجوع، والكراهية، والألم، والمُتعة، والضحك، وغيرها من الأحاسيس التي أخذَ الإنسان يُطوِّرها حتى أصبحت كلمات ذات طابع لُغويّ، إلّا أنَّ هذه النظريّة تَقتصِر على تفسير تَشكُّل الكلمات التي لها خلفيّة عاطفيّة؛ حيث إنَّها لا تُفسِّر تَشكُّل الكلمات غير العاطفيّة.
  • فرضيّة تقليد أصوات الحيوانات (بالإنجليزيّة: bow-wow hypothesis): تُقدِّم هذه النظريّة أصلاً للمُفرَدات، ويعود هذا الأصل لأصوات الحيوانات، كالنُّباح، والمواء، وهي النظريّة الأكثر شُهرَة، وسُخرية.
  • فرضيّة ترجمة حركات اليد (بالإنجليزيّة: ta-ta hypothesis): هي فرضيّة وَضَعها (تشارلز داروين)، وقد افترض فيها أنَّ المُفرَدات تشكَّلت من مُحاوَلة أجهزة الكلام لدى الإنسان بتقليد إيماءات اليد.

نظريّات تفسير اختلاف اللُّغات

تتعدَّد اللُّغات في العالَم اليوم؛ إذ وَصَل عددها إلى 5000 لُغة يتحدَّث بها البشر على الأرض، والسبب الحقيقيّ وراء تنوُّع اللُّغات التي يستخدمها البشر يعود إلى مجموعة من النظريّات التي وَضَعها العُلَماء، ومن أهمّها:[٢]

  • لُغة أصليّة واحدة: وهي المُعتقَد الأقدم الذي افترضه الإنسان القديم؛ حيث اعتقد بأنَّ أَصَل اللُّغات المُختلِفة في العالم هيَ لُغة واحدة أصليّة، ثمّ انقسمت إلى لُغات أُخرى؛ بسبب غَضَب الإله الذي تسبَّب بتشتُّت اللُّغة، إلّا أنَّه تمّ الاختلاف في تصنيف هذه اللُّغة الأصليّة؛ إذ يَزعم البعض بأنَّها لُغة الباسك، والبعض الآخر يزعم بأنَّها اللُّغة الألمانيّة، ويدَّعي آخرون بأنَّها الدنماركيّة التي تحدَّث بها آدم في الجنة.
  • الأصل المُتنوِّع للبشر: تنصُّ هذه الفرضيّة على أنَّ البشر لهم أُصول مُختلِفة؛ وذلك لأنَّهم نشؤوا في مَواقِع مُختلِفة تركت طابعاً مُتميِّزاً لكلّ مجموعة من البشر، وعندما تطوَّر الإنسان، واكتسبَ اللُّغة، وعاش في قُطر مُعيّن، وعاش غيره في قُطر آخر، تكوَّنت لُغات مُختلِفة النشأة في أماكن مُختلِفة من الكُرة الأرضيّة.
  • نظريّة اللسان الأُمّ (بالإنجليزيّة: Monogenesis): تنصُّ هذه النظريّة على أنَّ هناك لُغة واحدة كوَّنها الإنسان البدائيّ، والذي يَعتقِد العُلَماء بأنَّ أصله يعود إلى قارَّة أفريقيا، وعند استقرار البشر في أماكن مُختلِفة من العالَم، واستيطانهم في القارَّات المُختلِفة، أخذت هذه اللُّغة تتغيَّر، وتتشكَّل بأشكالٍ مُختلِفة، تسبَّبت بظهور لُغات مُتنوِّعة يتحدَّث بها البشر اليوم.

عَدَد اللُّغات في العالَم

لا يُوجَد عَدَد مُحدَّد للُّغات التي يتحدَّث بها سُكَّان الأرض، إلّا أنَّ آخر عَدَد توصَّلت إليه (موسوعة بريتانيكا) هو 1000 لُغة، ولاحقاً تُرجِمَ الإنجيل إلى 2508 لُغات، ولذلك فإنّ أعداد اللُّغات في العالَم تتغيَّر باطّراد، إلّا أنَّ هذا الأمر لا يعني بأنّ هناك لُغات تُولَد من جديد، بل إنَّه يَدلُّ على اكتشاف لُغات مُستخدَمة لم تُعرَف من قبل، أو لم تَكُن مفهومة لدى دارسي اللُّغات، ومن الجدير بالذكر أنَّ اللُّغات لا تُشكِّل نظامها الخاصّ بها؛ حيث تكونُ وليدةَ لُغةٍ موجودةٍ أصلاً، فاللُّغات المُختلِفة في العالَم يُمكن وَصْفها بأنَّها عائلات تنتمي لبعضها البعض، وأنَّ أكبر عائلةٍ من اللُّغات هي الهنديّة الأوروبيّة، والتي تندرج تحتها اللُّغة الإنجليزيّة، وتجدر الإشارة إلى أنَّه تُوجَد في أوروبا 230 لُغة يتحدَّث بها السكّان، وفي آسيا يَصِل عَدَد اللُّغات المُتَحدَّث بها إلى 2197 لُغة، وفي غينيا الجديدة التي لا يتجاوز عَدَد سُكّانها 3.9 مليون نسمة، يَصِل عَدَد اللُّغات إلى 832 لُغة، عِلماً بأنَّه في نفس الوقتِ الذي يزداد فيه عَدَد اللُّغات المُكتشَفة، فإنَّ كثيراً من اللُّغات تختفي حاليّاً؛ وذلكَ لأنَّ بعضها لا يتحدَّث بها إلّا كبار السنّ، وعلى هذا فإنَّها ستختفي بمَوتِهم؛ ويُقدَّر عَدَد اللُّغات التي لديها أقلّ من ألف مُتكلِّم مُتبقٍّ برُبع اللُّغات المَعروفة حاليّاً في العالَم.[٣]

المراجع

  1. Robert Robins, David Crystal (5-1-2018)، “Language”، www.britannica.com, Retrieved 20-10-2018. Edited.
  2. ^ أ ب ت Edward Vajda, “The Origin of Language”، www.pandora.cii.wwu.edu, Retrieved 27-10-2018. Edited.
  3. Stephen R. Anderson, “How many languages are there in the world?”، www.linguisticsociety.org, Retrieved 20-10-2018. Edited.