أول من قال أما بعد

أما بعد

أمَّا هو حرف شرط وتفصيل وتوكيد، وبَعْدُ هو ظَرْف مُبْهم يُفهم معناه بالإضافة لما بعْده، وهو نقيض قبلُ، أما عبارة أمَّا بَعْدُ فهي صيغة تُستخدم في بداية الرسائل بعد التحية، وتأتي بمعنى الآن، أو هي عبارة عادةً ما تُستخدم لتكملة الكلام والاستئناف، وعادة ما تُستعمل في مقدمات الكتب، والخطب والرسائل، كما أنها عبارة ينتقل بها المرء من موضوع لآخر، وقد كان العرب يستخدمونها بعد تبادل الرأي في خطاباتهم، كما كانت عبارة أما بعد دليلاً على البت بحكم ما، لذلك سموها فصل الخطاب.[١]

وقد أجمع المحققون من أهل البيان على أنها فصل الخطاب في قولهم إن المتحدث يبدأ كلامه عادة بذكر الله وحمده، فإذا أراد الخروج والانتقال إلى غرض آخر فإنه يفصل بين الأمر الجديد وذكر الله بعبارة أما بعد، وقيل أيضاً هي الفصل في الخطاب الذي يتتبعه المُخاطب ويبت في الخطاب ولا يلبس عليه بأمر آخر أو خطاب آخر،[٢] وقد ورد عن سيبويه أن أما بعد تأتي في معنى مهما يكن من أمر بعد، كما ورد عن أبي إسحاق أنه إذا أراد المرء أن ينتقل من حديث لآخر فإنه يقول أما بعد.[٣]

أول من قال أما بعد

لم يتم الاتفاق على أول قائل لعبارة أما بعد، فقد وصل عدد من يُعتقد أنه قائلها لأول مرة إلى سبعة أشخاص؛ وهم آدم، وداود، ويعقوب عليهم السلام، بالإضافة إلى قس بن ساعدة، وكعب بن لؤي، ويعرب بن قحطان، وسحبان بن وائل، أما عن كون أول من نطق بها آدم عليه السلام فيمكن تعليل ذلك بقوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)،[٤] حيث إن الله سبحانه وتعالى علم آدم الأسماء كلها والتي ثبت نطقه بها، من جملة هذه الأسماء أما بعد والله أعلم،[٢] أما عن كون داود عليه السلام أول من نطق بها فيمكن تعليل ذلك بقوله تعالى: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)،[٥] وأما بعد هي العبارة التي يقصد بها فصل الخطاب كما ذُكر سابقاً.[٦]

وبالتطرق إلى يعقوب عليه سلام فقد ورد أنه أول من قال أما بعد عندما جاءه ملك الموت وقال حينها: أما بعد، فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء، وقيل أول من قالها هو قس بن ساعدة،[٢] ويقال ايضاً إنه أول من قالها في الخطبة من العرب،[٧] ويقال أيضاً إن أول من قالها هو كعب بن لؤي،[٢] حيث كان يجمع الناس ويقول: (أما بعد، فاسمعوا وافهموا واعلموا وتعلموا)،[٨] ويقال أيضاً إن أول من قالها يعرب بن قحطان، وقيل أيضاً سحبان بن وائل، فجملة الأقوال جُمعت في القول الآتي:[٢]

فهاك خلافاً في الذي قد تقدما

بنطـق أما بعـد فاحفـظ لتــغنمـا

فــداود، يـعـقـــوب، وآدم أقـــــرب

فقس، فسحبان، فكعب، فيعرب

وقد ورد عن العلّامة السَّفاريني أنه قال: (فقِيل داود – عليه السلام – وعن الشعبي أنها فصل الخِطاب الذي، أوتيه داود وقيل يعقوب – عليه السلام – وقيل يعرب بن قحطان، وقيل كعب بن لؤي، وقيل قسّ بن ساعدة، وقيل سَحبان بن وائل؛ والأول أشبه كما قالهُ الحافظ ابن حجر، والجمع ممكن)، وقد نظم شمس الميداني أبياتاً من الشعر في ذلك وقال:[٩]

جرى الخُلف أما بعد من كأن بادئاً

بهــا عُدّ أقــوالا وداود أقـــربُ

ويــعــقـــوب أيــوب الــصـبـور وآدم

وقس وسحبان وكعب ويعربُ

روى الطبراني حديثاً عن أبي موسى الأشعري مفاده أن أول من قالها داود عليه السلام إلّا أن إسناد الحديث صُنف بأنه ضعيف، كما روى الطبراني وعبد بن حميد حديثاً عن الشعبي أن أما بعد هي فصل الخطاب الذي منحه الله لداود عليه السلام، وقد أخرج ذلك سعيد بن منصور عن طريق الشعبي وزاد في روايته عن زياد بن سمية، وفي سند غرائب مالك ورد عن الدارقطني أن أول من قالها هو يعقوب عليه السلام، وقد أخرج القاضي أبو أحمد الغساني من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن أن أول من قال أما بعد هو كعب بن لؤي، وقد تصنيف سند الحديث بأنه ضعيف أيضاً.[٣]

حكم الإتيان بأما بعد والغرض منها

إن حكم قول أما بعد هو من الأمور المسنونة اقتداء بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد كان يقولها في خطبه وكتبه إذا ما استدعى الأمر ذلك، حيث ذكرها في كتابه إلى هرقل ملك الروم عندما دعاه إلى الإسلام، كما ذكرها في خبر بريرة المشهور عندما تساءل الرسول عليه الصلاة والسلام عن اشتراط الرجال شروطاً لم ترد في كتاب الله عز وجل، وإنه من غير المستساغ أن يقول المرء أما بعد أول كلامه أو في آخره، أو بين كلامين متحدين، أو بعد الانتهاء من الكتاب.[٢]

أما الغرض من الإتيان بأما بعد، فتكون عند الانتقال من أمر لآخر يختلف اختلافاً تاماً عن الأول، سواء كان الاختلاف بالنوع أو الاختلاف في الجنس، كأن يقول المرء: عمرو مقيم، أما بعد، فزيد ذاهب، وهنا اختلف الجنسان في الكلام، فجملة عمرو ميم تفيد بإقامة عمرو، وجملة زيد ذاهب تفيد بذهاب زيد وعدم إقامته، وفي اختلاف النوع كأن يقول المرء: عمرو ذاهب، أما بعد، فزيد ذاهب، وهنا يجدر ذكر أن الاختلاف نوعاً فالجملة الأولى أفادت بذهاب عمرو، أما الأخرى فقد أفادت بذهاب زيد.[٢]

المراجع

  1. “تعريف ومعنى أما بعد في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-21. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ إسماعيل بن غنيم الجوهري، إحراز السعد بإنجاز الوعد بمسائل أما بعد، صفحة 29-34. بتصرّف.
  3. ^ أ ب “فتح الباري شرح صحيح البخاري”، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-21. بتصرّف.
  4. سورة البقرة، آية: 31.
  5. سورة ص، آية: 20.
  6. الإمام محمد بن مكرم الشهير بابن منظور، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر الفهارس الجزء الثاني، صفحة 691. بتصرّف.
  7. د. محمد البشر (2013-11-22)، “قس بن ساعدة”، www.al-jazirah.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-21. بتصرّف.
  8. أ.د. علي جمعة، اعرف نبيك: صلى الله عليه وسلم، صفحة 53. بتصرّف.
  9. “مجموعة الفوائد الثالثة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-21. بتصرّف.