كيف مات ابن المقفع

نبذة عن ابن المقفع

عبد الله بن المقفع –المقفع بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء وفتحها-[١] هو فارسيّ الأصل واسمه بالفارسية روزبه، وقد نشأ في العراق، وكان أبوه مجوسيّاً، ويُقال إن أعداءه وحسّاده اتهموه بالزندقة. ولما أراد ابن المقفع أن يعتنق الإسلام، جاء إلى الخليفة العباسي عيسى بن علي فقال له: قد دخل الإسلام إلى قلبي وأريد أن أسلم، فقال له عيسى بن علي: ليكن ذلك أمام وجوه الناس، فإذا كان الغد فاحضُر. ثم جاء عشية ذلك اليوم وقد حضر طعام عيسى بن علي، وجلس ابن المقفع يأكل وهو يزمزم -أي يصدر صوتاً في أثناء أكله وهي عادة مجوسية- فقال له عيسى بن علي: أتزمزم وأنت قريب من الإسلام؟ فقال ابن المقفع: أكره أن أبيت على غير دين. فأصبح مسلماً. وكان يُكنى قبل إسلامه أبا عمرو، فلما أسلم سمى نفسه بعبد الله وكنّى نفسه بأبي محمد. ويُذكر عن سبب تسمية والده بالمُقَفَّع أن الحجاج بن يوسف ضربه على يده لأخذه أموالاً فتفقّعت يده، أي تشنّجت.[٢][٣]

آثار ابن المقفّع

لعبد الله بن المقفّع أعمال عديدة، إلا أن أشهرها كتاب كليلة ودمنة، وفيما يلي لمحة عن بعض هذه الأعمال:

  • كتاب كليلة ودمنة: يُعدّ كتاب كليلة ودمنة من أبرز الآثار العربية والعالمية التي انتشرت انتشاراً واسعاً، وهو أشهر أعمال ابن المقفّع، وهو كتاب هادف يحتوي على الكثير من الحكمة، وكان له الأثر الكبير في الأدب العربي وسائر الآداب منذ أن ترجمه عبد الله بن المقفّع من اللغة الفارسية إلى اللغة العربية، وسبب شهرة هذا الكتاب احتواؤه على قصص وحكايات خرافية وردت على ألسنة الطير والحيوان، فكان ظاهر الحكايات المتعة واللهو لعامة الناس، وجوهر الحكاية خاصّاً للملوك والحكام، بهدف تقديم النصح والدعوة إلى الفضيلة عن طريق ما يجري على ألسنة الحيوانات والطيور.[٤] وفي هذا الكتاب ابتُدعَت شخصية الملك دبشليم وشخصية الفيلسوف بيدبا، إذ يروي الفيلسوف بيدبا للملك دبشليم الحكايات، لإقناع الملك بتغيير سياسته في الحكم علماً أن الملك لا يقبل رأياً من أحد، فلمّا رأى الملك وما عليه من الظلم فكّر في حيلة لصرفه عما هو عليه من الظلم، وردّه إلى العدل والإنصاف، فابتدع الفيلسوف بيدبا حكايات على ألسنة الحيوانات.[٥] ففي باب الناسك وابن عِرس مثلاً أراد الفيلسوف بيدبا تنبيه الملك دبشليم إلى ضرورة التريّث وتدبّر الأمور.[٦] إذ يذكر أن امرأة الناسك ولدت غلاماً جميلاً ففرح به أبوه، ثم تركت الغلام عند زوجها، فجاء رسول الملك يستدعيه، فخرج وترك الغلام عند ابن عرس كان عنده قد ربّاه صغيراً كولد له وأغلق عليهما الباب، فخرجت من جُحر في البيت حيّة فدَنت من الغلام، فضربها ابن عرس فوثبت عليه فقتلها، ثم قطّعها وامتلأ فمه من دمها، فلمّا جاء الناسك رأى الدم على فم ابن عرس فظنّ أنه قد قتل الغلام فقتله، وعندما رأى ابنه سليماً عرف القصة وندم أشد الندم لعدم تأنيه في الحكم.[٧] ومن خصائص هذا الكتاب:[٨]
    • الإمتاع: لما في الكتاب من قصص وخيال فني قصصي.
    • التمويه: وذلك من خلال التخفي وراء شخصيات الحيوانات في القصة للبعد عن الرقابة.
    • الحجة: إذ يأتي بالحجج لإقناع المتلقي والتأثير فيه لتغيير بعض معتقداته.
    • النقد والإصلاح: عن طريق نشر الفضيلة وتحقيق العدالة، ونقد السياسة وواقع المجتمع بالاعتماد على العبر المستفادة من الحكايات.
  • كتاب الأدب الصغير: وفيه يدعو إلى تهذيب الأخلاق لأنها أساس نجاح الأمم. ومما ورد فيه قول ابن المقفّع: “أما المحبة فإنما يبلغ المرء مبلغ الفضل في كل شيء من أمر الدنيا والآخرة حين يؤثر بمحبته فلا يكون شيء أحلى عنده منه”.[٩]
  • كتاب الأدب الكبير: وهو كتاب يتضمن أبواباً من الأصول والآداب، والأخلاق اللطيفة واجتناب الكبائر، كطلب الحلال والتفقه في الدين والعبادة، فهو يقول مثلاً: “فأصل الأمر في الدين أن تعتقد الإيمان على الصواب وتجتنب الكبائر”.[١٠]
  • الدرة اليتيمة: ويختص الكتاب بعلم السياسة، وذكر لواجبات الحاكم وما ينبغي أن يكون عليه الحاكم من صفات.[١١] ومثال قوله في اليتيمة: “ليس للملك أن يغضب لأن القدرة من وراء حاجته، وليس له أن يبخل لأنه أقل الناس عذراً في تخوّف الفقر”.[١٢]
  • رسالة ابن المقفع في الصحابة: وهو كتاب اتخذه وسيلة ليعرض فيه النصح للخليفة وحاشيته.[١٣][٢] وله رسائل كثيرة في التعزية أو التهنئة وغيرها كرسالته في التعزية: “أعظم الله أجرك في كل مصيبة، وأوزعك الشكر على كل نعمة، اعرف لله حقه واعتصم بما أمر به من الصبر تظفر بما وعد من عظيم الأجر”.[١٤]

رأي الأدباء في ابن المقفع

أبدى الكثير من الأدباء إعجاباً كبيراً في ابن المقفع وأبدوا آراء عديدة في مؤلفاته، ومن ذلك قول محمد بن سلام: “سمعت مشايخنا يقولون: لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد -الفراهيدي- ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع.”
وسمع أبو العيناء بعض كلام ابن المقفع فقال: “كلامه صريح، ولسانه فصيح، وطبعه صحيح، كأن بيانه لؤلؤ منثور”[٢]

أقوال ابن المقفع

لابن المقفّع أقوال وحِكم عديدة منها:[١٥]
  • عمل البر خير صاحب.
  • المصيبة الكبرى الرزيّة في الدين.
  • من ألزم نفسه ذكر الآخرة اشتغل بالعمل.
  • الاعتراف يؤدي إلى التوبة.
  • ابذل لصديقك دمك ومالك، وإن سمعت من صاحبك كلاماً أو رأياً يعجبك فلا تنتحله تزيّناً به عند الناس.[١٦]

وفاة ابن المقفع

عاش ابن المقفّع ستّاً وثلاثين سنة، وتوفي عام 142 للهجرة. ونُقِل أنّه مات مقتولاً. وقد تشابهت الروايات في كيفية موته، ومن ذلك نُقل أن ابن المقفّع كتب أماناً للخليفة المنصور وقد أساء اختيار الألفاظ والتعبير، فاشتد ذلك على المنصور وأمر سفيان المهلي بقتله، وكان سفيان غاضباً من ابن المقفّع لأنه كان يستخفّ به فقتله سرّاً في داره. وقيل إن المنصور أمر بتنور وقطع أطرافه عضواً عضواً وألقاها في التنور وهو ينظر إليها. وقيل إنه أدخل ابن المقفع إلى الحمام وأغلق عليه الباب فاختنق ومات.[١][٢]

المراجع

  1. ^ أ ب الأمير شكيب أرسلان، الدرة اليتيمة، مصر: المكتبة العربية، صفحة12، 13. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث محمد علي (1913)، رسائل البلغاء (الطبعة الثانية)، مصر: دار الكتب العربية الكبرى، صفحة 6-14. بتصرّف.
  3. “تعريف ومعنى زمزم في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، almaany، اطّلع عليه بتاريخ 7-3-2018. بتصرّف.
  4. د. صلاح كزارة (2010)، “كليلة ودمنة في الترجمتين السريانية القديمة والعربية”، مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد 54، صفحة 181-183. بتصرّف.
  5. حمدي جودي (2015-2015)، بنية الخطاب الحجاجي في كليلة ودمنة لابن المقفع، بسكرة: جامعة محمد خيضر، صفحة 138-139. بتصرّف.
  6. حمدي جودي (2015-2016)، بنية الخطاب الحجاجي في كليلة ودمنة لابن المقفع، بسكرة: جامعة محمد خيضر، صفحة 169. بتصرّف.
  7. عبد الله بن المقفع (1989)، آثار ابن المقفع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 188. بتصرّف.
  8. حمدي جودي (2015-2016)، بنية الخطاب الحجاجي في كليلة ودمنة لابن المقفع، بسكرة: جامعة محمد خيضر، صفحة 134. بتصرّف.
  9. عبد الله بن المقفع (1989)، آثار ابن المقفع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 281،284. بتصرّف.
  10. عبد الله بن المقفع (1989)، آثار ابن المقفع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 245-246.
  11. أ. بشير الشريقي (14-10-1935)، “كتب ابن المقفع”، wikisource، اطّلع عليه بتاريخ 8-3-2018. بتصرّف.
  12. الأمير شكيب أرسلان، الدرة اليتيمة، مصر: المكتبة العربية، صفحة 23-24. بتصرّف.
  13. عبد الله بن المقفع (1989)، آثار ابن المقفع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 309-310. بتصرّف.
  14. محمد علي (1913)، رسائل البلغاء، مصر: دار الكتب العربية الكبرى، صفحة 133. بتصرّف.
  15. عبد الله بن المقفع (1989)، آثار ابن المقفع (الطبعة الأولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 341. بتصرّف.
  16. الأمير شكيب أرسلان، الدرة اليتيمة، مصر: المكتبة العربية، صفحة 42. بتصرّف.