مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية
الثقافة
لقد تعدّدت تعريفات مفهوم الثقافة، فتضاربت وتناقضت أحياناً، ولكن باختصار يمكن تعريفها على أنّها مجموعة من الصفات والقِيَم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته باعتبارها مُشترك مُجتمعيّ يُشارك جميع أفراد المجتمع في صُنعها عن طريق مجموعة من النُّظم العقائديّة والسلوكيّة للمجتمع، من هنا فإنّ للثقافة دور طليعيّ في تحديد مفاهيم الانسان ومداركه العقلية وأسلوب ونمط حياته.
ارتباط الثقافة في العلوم الاجتماعية
ترتبط الثقافة ارتباطاً وثيقاً في العلوم الاجتماعية ومجالات بحوثها ودراساتها، فإذا أدركنا معنى الثقافة في مفهومه الواسع وارتباطه الوثيق بأساليب الفكر، والحياة، والمجتمع، فسنلاحظ ذلك الارتباط الكبير بين الثقافة والمجتمع الذي يُعدّ من صُلب اهتمامات العلوم الاجتماعيّة، وعند دراسة الثقافة في العلوم الاجتماعيّة يجب أن نعلم أنّه قد تعدّدت دلالات، ومجالات، وحدود، ومفارقات الثقافة، حيث إنّ مفهوم الثقافة تأثّر بمراحل قَطَعَها الفكر وخاصّة في مجال العلوم الاجتماعية، فإنّه ومع تعدّد التعريفات لهذا المفهوم أصبح من الضروريّ إعادة النظر فيه في مرحلة معيّنة، حيث إنّ العديد من المفاهيم في مجال العلوم الاجتماعيّة والتي تحدّد ركائز مجتمع معيّن مثل اللغة، والدين، تختلف من بيئة إلى بيئة، وبذلك تختلف الثقافات، وعليه اختلفت تعريفات الثقافة في العديد من السياقات وخصوصاً في السياق الغربيّ وهو المصدر لكلمة ثقافة.
مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعيّة
تعريف تايلور
وُضعت العديد من النماذج في تعريف الثقافة وخصوصاً في النموذج الغربيّ، إلا أنّ تايلور في كتابه “الثقافة البدائيّة” وضع تعريفاً شاملاً ومرجعياً للثقافة لكلّ المختصّين في العلوم الاجتماعيّة، عندما عرفها على أنّها الكُل المُركب الذي يشمل المعرفة، والعقائد، والفنّ، والأخلاق، والقانون، والعُرف، وكلّ القدرات، والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في مجتمع.
تعريف دوركهايم
عرّف دوركهايم وهو أحد أبرز روّاد العلوم الاجتماعيّة الغربيّة الثقافة في نموذجه باعتبارها ظاهرة اجتماعيّة وواقع إجماعيّ كشيء لا حياة له ولا حركة داخله، فالثقافة بتصوّره هذا ظاهرة اجتماعيّة لها مجموعة من الخصائص، ووصفها بأنّها خارجة عن شعور الفرد، وظاهرة مشيئة، ولها صفة الإلزام والقهر.
تعريف علماء العرب
من ناحية أخرى عرّف العديد من علماء العرب الثقافة وربطوها بواقعنا العربيّ، فالثقافة عند مالك بن نبيّ مجموعة من الصفات والقيم الاجتماعية تربط الفرد لا شعورياً وسلوكه بأسلوب حياة الوسط الذي وُجد فيه، أي بمعنى أنّها الجو العام الذي يطبع أسلوب الحياة في جو مُعيّن بطابع خاص يختلف عن الطابع الذي نجده في مجتمع آخر، من هذه النقطة فلقد رأوا أنّ اللغة، والمعتقدات، والفنّ، والدين، وغيرها، هي معالم واضحة لتحديد نمط ثقافة معيّنة، وهذا الأسلوب يخصّ كلّ ثقافة ويؤثر على سلوك الأفراد، ويميّز ثقافة معيّنة عن أخرى، ولهذا فإنّ مفهوم الثقافة يدلّ على مفهوم الحياة في كلّ مجتمع، ويعكس مصادر تماسكه، وهويته، وإدراكه، وشخصيّته، فتعبّر بذلك الثقافة في المجتمع عن نفسها من خلال منتجات حضاريّة سواء كانت في الطعام، أو في الغذاء، أو في الرقص، أو الدواء.