بما يعرف المشرق والمغرب
الشرق والغرب هما قطبي العالم، والصراع بينهما دائم، ليس الصراع السلبي المدمر مع وجوده في بعض الأحيان ولكنه أيضاً الصراع الإيجابي والتنافس على رقي البشرية والنهوض بها، و منه انطلقت الدعوة إلى الإيمان المطلق بضرورة وحدة الجنس البشري، سعياً وراء الإنسانية المفقودة، فما يواجهه العالم اليوم من تحديات كلها قائمة على مبادئ جعلت الإنسان مادياً بحتاً وأفقدته هويته، التي تعتمد على الجانب النفسي والروحاني والغيبي، فالمادية البحتة تعمل على دمار الإنسان وخراب معيشته وفراغها من محتواها، حيث دعت بعض الأفكار المادية البحتة إلى التركيز على الجوانب الجوانب المادية وكنز الأموال ضاربة بالقيم والاخلاق والمبادئ والروحانيات عرض الحائط، مما جعل الإنسان فقيراً محتاجاً على الرغم من الظاهر الذي يقول بالتقدم والإبداع واكتشاف المجهول والوصول إلى القمر وربما أبعد من ذلك. هذا الصراع الدائم بين المادة والروح يتجسد واقعياً بالصراع بين الشرق والغرب.
يتميز الشرق بروحانياته الفياضة وجماله الساحر، فمن الشرق ظهرت الأديان كلها، وجاب الإنسان سعياً وراء خالقه ووراء الكمال الذي يطمح إليه، فهنا قد وقف إبراهيم باحثاً عن ربه الذي يستحق السجود، وهنا ركض خرج يوسف من الأرض المقدسة أسس لمرحلة في مصر، وهنا هرب موسى بقومه محرراً إياه من العبودية والذل بسبب طغيان الفرعون الذي وضع نفسه بمكانة الإله، وهنا خرج يحيى صارخاً في البرية قاصداً وجه الله تعالى، وهنا عُمِّد المسيح وأعلى من شأن الإنسان وهنا أيضاً ختم أعظم البشر الرسول المحمد الرسالات السماوية والتشريعات الإلهية برسالة أضاءت الأرض والسماوات معاً. كما أن الشرق شهد حركات أخرى وعظماء غير الأنبياء والرسل، فمن هنا ظهر كونفوشيوس وأرسطو وفورش الأكبر وعمر بن الخطاب وغاندي الغزالي وابن رشد وأفلاطون ابن سينا والإمام علي بن أبي طالب، ومن هنا ظهرت الموسيقى والغناء والفنون والعلوم، فالشرق هو الأصل وهو الروح الممتزجة مع المادة في خلطة تسلب الألباب.
أما الغرب فهو النهضة التي أضاءت البشرية وهو منبع الأفكار والقوانين البشرية التي أصلت لحقوق الإنسان وحرية السود ومساواة الجنسين وحقوق المهمشين، فالغرب يمتاز بالعقل والمادية، ولكن فيه أيضاً جمال ، فمنه صدح بيتهوفن بسيمفونيته التي وحدت العالم، ومن هنا تطورت الفلسفة والرواية والفنون ومن الغرب كان انطلاق الإنسان نحو الكونية، ومنه اكتشف الإنسان أن كل شئ في هذا الكون خاضع للنسبية، فنبذ الخلافات وأصر على أن يطوي الصفحات المظلمة في تاريخه، معلناً وحدة البشر على تعدد الملل والجنسيات والقوميات والأعراق والأديان وغيرها، ولكنه لم يكمل ما بدأه إذ إن هناك نقاطاً سوداء أهمها أنه أوقف شلالات الدم عبر عملية جراحية استمرت لفترات طويلة، في حين أصر على أن تتدفق هذه الشلالات في أماكن أخرى، في الشرق الجميل تحديداً. بدلاً من أن تتكامل روحانية الشرق وسحره الخلاب مع مادية الغرب حتى يحيى الإنسان ويسعد.