البحث عن السعادة

السعادة المفقودة

السعادة هي تلك الوصفة التي تضمن استقرار النفس الإنسانيّة المضطربة التائهة التي لا تعرف قدرها، ولا غايتها، ولا طبيعة العلاقة التي تربطها بمحيطها، كما أنّها نقطة البداية للإنتاج والعمل، وعلاج لأشدّ أنواع الأسقام والاعتلالات، وهي كنز الإنسان المفقود الذي يبحث الناس عنه باستمرار، فيجده البعض، في حين يضيع البعض الآخر أعمارهم في البحث عنه دون جدوى.

البحث عن السعادة

جوهر البحث عن السعادة المفقودة يكمن في تحرّر الإنسان من فكرة البحث عنها أصلاً، فأصل السعادة لحظة تُعاش، وكلمة تُقال، وعندما تستحوذ فكرة البحث عن السعادة على الإنسان فإنّه لن يستطيع أن يعيش لحظات حياته بالشكل المطلوب الذي يحقّق له السعادة، وهذه نقطة لا ينتبه لها أكثر الناس الذين يردّدون باستمرار أنهم يفتقدون السعادة ويبحثون عنها، فلو أنّهم تحرروا من هذه الأفكار التي هي أصل السواد في العقل والنفس لوجدوا الخير الكثير الذي يكفي ليس فقط لجعلهم سعداء، بل لجعل سكان الأرض كلهم كذلك.

السعادة الدائمة

أصل السعادة هو الارتباط الدائم والوثيق بشيء خارج الذات الإنسانيّة، لا يشترك معها في صفاتها، وماهيتها، ومحدداتها؛ شيء يمكن اللجوء إليه في أوقات الرخاء والشدة، شيء يستلذّ الإنسان لمجرد الركون إلى جانبه، من هنا ظهرت الأديان، وخاصة الأديان السماويّة التي تحقّق أسمى معاني السعادة لمعتنقيها إن هم عرفوا كيف يستفيدون منها، وإن هم أعطوها كلهم؛ فالدين السماويّ لا يستوفي غاياته في النفس الإنسانية إلا عندما يهب الإنسان له ذاته كاملة.

تكمن السعادة في رؤية سعادة إنسان ضاقت عليه الدنيا، وتكالبت عليه شياطين الإنس، فصار كالتائه الحيران، فإسعاد الآخرين يساعد على زيادة سعادة الإنسان نفسه، وهذه الميزة التي لا يُلتفت إليها في هذا الكنز؛ فأولئك الأشخاص الذين يأكلون حقوق الآخرين، ولا يكترثون لما قد يخرج من أفواههم من كلمات، وربما يقتلون ويرتكبون الجرائم الشنيعة، ويحققون مصالحهم الشخصيّة ويشبعون أنانيّتهم على حساب الآخرين، لا يدركون أبداً أنهم مصدر تعاسة وشقاء إخوانهم في الإنسانيّة، وأنهم قد سلبوا منهم فرحتهم بأنفسهم.

السعادة المؤقتة

مصادر السعادة المؤقتة عديدة ومتنوّعة، وتختلف من شخص إلى شخص آخر، غير أن هناك العديد من الأمور التي يشترك فيها أبناء آدم كلهم، فتناول الطعام اللذيذ، وإشباع الغرائز البشريّة، وقضاء وقت ممتع في أجمل بقاع العالم، وغير ذلك، كلّ هذه الأمور تُعتبر من أسباب السعادة المؤقّتة، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال الاستغناء عن هذا النوع من السعادة؛ فهي ملح الحياة، وهي التي تضفي عليها نكهة خاصّة، غير أن هذا النوع من السعادة لن يحقق إنسانية الإنسان التي يصبو إليها كل ذي عقل رشيد.