قف العيس قد أدنى خطاها كلالها – الشاعر البحتري
قِفِ العِيسَ قد أدنَى خُطَاها كَلالُها،
وَسَلْ دارَ سُعدى، إن شَفاكَ سُؤَالُها
وَمَا أعرِفُ الأطلالَ من بَطنِ تُوضَحٍ،
لطُولِ تَعَفّيها، وَلَكِنْ إخَالُهَا
إذا قُلتُ أنْسَى دارَ لَيْلَى على النّوَى،
تَصَوّرَ، في أقصَى ضَمِيري، مِثَالُها
وَقد كُنتُ أرْجُو وَصْلَها قَبْلَ هجرِها،
فقَد بانَ منّي هَجرُها، وَوِصَالُها
فَلَمْ يَبْقَ إلاّ لَوْعَةٌ تُلْهِبُ الحَشَا،
وَإلاّ أكاذِيبُ المُنَى، وَضَلالُها
فَلاَ عَهْدَ إلاّ أنْ يُعَاوِدَ ذِكْرُها،
وَلاَ وَصْلَ إلاّ أنْ يَزُورََ خَيَالُها
تَمَنّيْتُ لَيْلَى بَعْدَ فَوْتٍ، وإنّما
تَمَنّيْتُ مِنْهَا خِطّةً لا أنَالُها
زَهَتْ سرّ مَنْ رَابَا لخَلِيفَةِ جَعْفَرٍ،
وَعَادَ إلَيْهَا حُسْنُها، وَجَمَالُها
صَفَا جَوُّهَا لَمّا أتَاهَا، وَكُشّفَتْ
ضَبَابَتُهَا عَنْها، وَهَبَّتْ شَمَالُها
وَكانَتْ قدِ اغبَرّتْ رُباها وأظلَمَتْ
جَوَانِبُ قُطْرَيْهَا، وَبَانَ اختِلاَلُها
إذا غِبْتَ عن أرْضٍ، وَيَمّمتَ غَيرَها،
فقَد غَابَ عَنها شَمسُها، وَهِلالُها
غَدَتْ بكَ آفاقُ البِلادِ خَصِيبَةً،
وَهل تُمحِلُ الدّنيا، وأنتَ ثِمالُها
وأيّةُ نُعْمَى ساقَها الله نَحْوَنَا،
فكانَ لناَ استِئْنَافُها، واقتِبَالُها
فَمِنْ وَجْهِكَ الضّاحي إلَينا بِبِشْرِهِ،
وَمِنْ يَدِكَ الجارِي عَلَيْنا نَوَالُهَا
لَكُمْ كُلّ بَطْحَاءٍ بمَكّةَ، إذْ غدا
لغَيْرِكُمُ ظُهْرَانُهَا، وَجِبَالُها
وأنْتُمْ، بَنِي العَبّاسِ، عَمِّ محَمّد،
يَمِينُ قُرَيشٍ، إذْ سِوَاكُمْ شِمَالُها
وَقَدْ سَرّني أنّ الخِلاَفَةَ فيكُمُ
مُخَيّمَةٌ، ما إنْ يُخَافُ انْتِقَالُهَا
لَكُمْ إرْثُهَا، والحقُّ منها، وَلَم يكنْ
لغَيْرِكُمْ إلاّ اسْمُها وانتِحَالُها
وإنّ بني حَرْبٍ وَمَرْوَانَ أصْبَحُوا
بِدارِ هَوَانٍ، قَدْ عَرَاهُمْ نَكَالُها
يَغَضّونَ أبصَاراً مَغيظاً ضَمِيرُها،
وَيبْدُون ألحَاظاً مَبيناً كَلاَلُها
وإنّ الذي يُهْدي عَداوَتَهُ لَكُمْ
لَمُرْتَكِضٌ في عَثْرَةٍ، ما يُقَالُها
مَتَى ما ثَنَوا أَعْنَاقَهُمُ نَحْوَ فِتْنَةٍ
يَكُنْ بالسُّيوفِ المَاضِياتِ أعْتِدَالُهَا
ودُونَ الَّتِي مَنَّى الأَعادِي نُفُوسهُمْ
مَنَاياهُمُ في العَالَمِينَ نَكَالُهَا
مُثَقَّفَةٌ سُمْرٌ لِدَانٌ صُدُورهَا
وهِنْدِيَّةٌ بيضٌ حَدِيثٌ صِقَالُهَا