وقوفك في أطلالهم وسؤالها – الشاعر البحتري

وُقُوفُكَ في أطْلاَلِهِمْ، وَسُؤالُهَا،
يُرِيكَ غُرُوبَ الدّمعِ كيفَ انهمالُها
وَما أعرِفُ الأطْلالَ في جَنبِ تُوضَحٍ
لطُولِ تَعَفّيها، وَلَكِنْ إخالُها
أوَدُّ لَها سُقْيَا السّحابِ، وَمَحوَها
بسُقْيا السّحابِ حينَ يَصْدُقُ خالُهَا
مَحَلّتَنَا، والعَيْشُ غَضٌّ نَباتُهُ،
وأفْنِيَةُ الأيّامِ خُضْرٌ ظِلاَلُها
وَلَيْلَى على العَهْدِ الذي كانَ لمْ تَغُلْ
نَوَاهَا، وَلا حَالَتْ إلى الصّدّ حالُها
فَقَدْ أُولِعَتْ بالعَوْقِ، دونَ لقائِها،
تَنَائِفُ من بَيْدَاءَ يَلْمَعُ آلُهَا
وَكُنْتُ أُرَجّي وَصْلَها عِندَ هَجرِها،
فقَدْ بانَ منّي هَجرُها، وَوِصَالُها
فلا قُرْبَ، إلاّ أنْ يُعَاوِدَ ذِكْرُها،
وَلاَ وَصْلَ، إلاّ أنْ يُطِيفَ خَيَالُهَا
بَلَى إنّ في وَخْدِ المَطيّ لبُلْغَةً
إلَيها، إذا شُدّتْ لشَوْقٍ رِحَالُها
سَيَحْمِلُ أثقَالي تَبَرُّعُ مُنْعِمٍ
بأنْعُمِهِ، آدَتْ رِكَابي ثِقَالُها
وأيْسَرُ مِنْ بَذْلِ الرّغَائِبِ حَملُها
لمُستَكثِرٍ، أعْيَا عَلَيْهِ احتِمَالُها
فَتًى كانَتِ الأعبَاءُ منْ سَيْبِ كَفّه،
ثَنَى مُنْعِمِ، فاستَحْقَبَتها بِغَالُها
وَكنتُ إذا لمْ يكفني القَوْمُ حاجَتي،
كَفَتني يَدٌ، أيْدي الرّجالِ عِيَالُها
وَوَجْهٌ ضَمانُ البِشْرِ منهُ مُوَقَّفٌ
على النُّجحِ، والحاجاتُ تَترَى عِجَالُها
بهِ مِنْ صَفيحِ الهِندِ وَسْمٌ تُبينُهُ
صَفيحَةُ وَضّاحٍ، يَرُوقُ جَمالُها
مَتى رَبَدَتْها عِزّةٌ، أوْ حَفِيظةٌ،
أُعِيدَ إلَيْهَا بالسّؤالِ صِقَالُها
مَتى تَرَهَا يَوْماً عَلَيْها دَليلُها،
تُعجّبْكَ من شَمْسٍ عَلَيها هِلالُها
وَقَدْ عَجمَتْ تلْكَ الخُطوبُ قَنَاتَهُ،
فَزَادَ عَلَى عَجْمِ الخُطُوبِ اعتِدالُها
وَمَا كَانَ مَحْرُوماً من النّصْرِ في الوَغَى،
وَلَكِنّها الحَرْبُ اغتَدَتْ وَسِجالُها
وَلَوْ شَاءَ، إذْ تَرْكُ المَشيئَةِ سُؤدَدٌ
لأشْوَتْهُ، يَوْمَ الهِنْدُوَانِ، نِبَالُها
غَداةَ يُجَارِيهِ التّقَدّمَ، في الوَغَى،
أبو غالبٍ، والخيلُ تَترَى رِعَالُها
كأنّهمَا،في نُصرَةٍ وَتَرَافُدٍ،
يَمينُكَ أعْطَتْهَا الوَفَاءَ شِمَالُها
فَمَا أُسِرَا، إنّ المَذاهبَ، لمْ تَكُنْ
مُحيطاً بكَيدِ الآسرِينَ، مَجالُها
وَلاَ نَجَوَا، إنّ النّجَاةَ يَسيرَةٌ،
وَلَكِنْ سُيُوفٌ أكْرَهَتْها رِجَالُها
وَمَا ارْتَبْتُ في آلِ المُدَبِّرِ، إنّهُمْ،
إذا انْتَسَبَتْ غُرُّ المَكارِمِ، آلُها
وَلا ظَلَمَتْ إِذْ لَمْ تُمَيٍّلْ رَوِيَّةً
بُغَاةُ النَّدَى فِي أَنَّ مالَكَ مالُها
فِداكَ، أبا إِسْْحاقَ، غادٍ على العُلاَ،
يُقَصِّرُ عَنْ غَايَاتِهَا وَتَنَالُها
وَرَاجِيَةٌ أنْ يَسْتَطيعَكَ سَعْيُها،
وَقَدْ سَافَرَتْ بينَ الرّجالِ خِلاَلُها
وكَمْ شَرَفٍ قد قُمتَ دونَ سَبِيلِهِ،
وَفُرْصَةِ مَجْدٍ لمْ يفتُكَ اهْتِبَالُها
وَنُبَيّتُكَ استَبطأتَ شُكرِي لأنْعُمٍ
تَتَابَعَ عِنْدي، سَيْبُها وَنَوَالُهَا
وكَيْفَ، وَقد سارَتْ غَرَائِبُ لمْ يَزَلْ
يَفُوتُ، فَعَالَ المُنْعِمِينَ، مَقَالُها
ضَوَارِبُ في الآفَاقِ لَيْسَ ببارِحٍ
بها مِنْ مَحَلٍ أوْطَنَتْهُ ارْتِحَالُها
قَصَائِرُهَا رَهْنٌ بتَجْزِيَةِ اللَّهى،
وَتَبقى ديوناً، في الكرامِ، طِوَالُها
تَرَكْتُ سَوَادَ الشّكّ وانحَزْتُ طالِبَاً
بَيَاضَ الثّرَيّا، حيثُ مالَ ذُبَالُها
وَلمْ أرْضَ مِنْ لَيْلَى حَبيباً، ولا من الـ
ـشّآمِ بِلاداً يَطّبيني احتِلالُهَا
أرِحْنا بتَيْسِيرِ المَطَايَا، فإنّها
صَرِيمَةُ عَزْمٍ حُلّ عَنْهَا عِقَالُها
وَقَد يُبلِغُ المُشتاقَ مَوْقعَ شَوْقِهِ
سُرَى الأَرْحَبِيَّّاتِ، البَعيدِ كَلالُها