بحث عن أهمية الوقت

الوقت

هو ذلك الشيء الذي نتعامل معه بشكلٍ يوميّ، ورغم أنّه يرافق الإنسان كظلِّه، إلّا أنّ ماهيَّته مجهولة بالنّسبة إليه؛ فهو شيء أصعب من أن يفكّر به الإنسان؛ حيث لا يمكن ادّخاره أو توظيفه كالمال، إلّا أنّه يُعتَبَر الشيء الوحيد المشترك بين جميع البشر على اختلاف أعراقهم، وأجناسهم، وأعمارهم في هذا الوجود، فجميع البشر لديهم 24 ساعة يوميّاً، ولكلِّ شخصٍ الحريّة في التصرُّف بوقته المُتاح له، فإمّا أن يهدره عن طريق القيام بالأعمال والأنشطة التي لا أهميّة لها، وإما أن ينظّمه؛ للقيام بأعمال مفيدة، وهذا ما يُسمَّى بتنظيم الوقت.[١]

حدّدَ الله عزَّ وجل الوقت للإنسان بجعله تلك الفترة التي يعيشها في هذا العالم، وهي الفترة التي يجب على الإنسان أن يستغلَّها؛ للقيام بجميع الأعمال الصالحة؛ وبالتالي تحقيق الغاية والمقصد من خلقه، ألا وهي عمارة الأرض؛ إذ إنَّ كلَّ يوم يمضي على الإنسان يُنقِص من عمره، وعند موت الإنسان ينتهي وقته؛ وبالتالي لن يتسنّى له استغلال أيّ شيء يعود عليه بالمنفعة، ويُعَدُّ الوقت من الأشياء الأربعة المُهِمّة التي يُسأَل عنها الإنسان يوم القيامة، كما جاء في قول رسولنا الكريم: (لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسأَلَ عن أربعٍ عن عُمرِهِ فيما أفناهُ وعن عِلمِهِ ما عملَ بِهِ وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ وعن شبابِهِ فيما أبلاهُ).[٢][٣]

وعندما يُحاسَب الإنسان يوم القيامة على وقته فيمَا أبلاه سيتمنّى لو أنّ بإمكانه الرجوع إلى حياته الدنيا؛ ليغتنم وقته بالشكل الصحيح في الأعمال الخيِّرة والصالحة التي تُكسِب رضا الله عزّ وجل؛ فالوقت أثمن من استغلاله في الأمور غير المجدية، والأحاديث التي لا فائدة منها[٣]

أهمية الوقت

تكمُن أهمية الوقت في أنَّه لا يُعوَّض؛ فهو سريع الانقضاء، والذي يمضي لا يعود؛ لذلك لا بدَّ من البحث عن الطرق المفيدة لاستغلال الوقت، ويتحقَّق هذا الأمر بالتخطيط الدقيق والمقرون بالهدوء؛ إذ إنّ الشخص المتوتر يحتاج إلى ضعف الوقت الذي يحتاجه الشخص الهادئ والمُنظَّم في إنجاز العمل المُوكَل إليه، والاستغلال الصحيح للوقت له أهميّة على حياة الفرد والمجتمع؛ إذ يستطيع الإنسان أن يحلَّ مشكلة البطالة عن طريق خدمة الناس، والمشاركة في حلِّ مشاكلهم، وبالتنسيق مع الجمعيات الخيرية؛ لنجدة الملهوف، والتصدق بالمال أو الكلمة الطيبة، كما يمكن للإنسان أن يستغلَّ العطلة الصيفيّة بحضور الدورات، والمحاضرات، والأنشطة الاجتماعيّة والثقافيّة، كما يستطيع أن يستغلَّ وقته أثناء تنقُّلاته في السيارة، فيسمع الدروس والمحاضرات التي تهمّه بدلاً من التفكير العشوائيّ.[٤]

الوقت في القرآن الكريم

الوقت مهم جداً في هذا الوجود؛ فلولاه لما استطاع الإنسان إدراك زمن أيٍّ من الأحداث التي تقع؛ ولأهميّته يجد القارئ للقرآن الكريم أنَّ الله أخضع مخلوقاتِه جميعها للزمن، لكنّه تنزَّه عن جريان الزمان عليه، حيث وصف أهوال يوم القيامة بالفعل الماضي؛ وذلك لعلمه المُسبَق بها، بينما تُعَدُّ بالنسبة للمخلوقات مجهولة؛ لأنَّها غيبيّة مستقبليّة، وعلى الرغم من تحديد الزمان والمكان، إلا أنّ الله سبحانه وتعالى حاضرٌ مع جميع مخلوقاتِه باختلاف أنظمتِها الزمانيّة كما في قوله: (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).[٥][٦]

كما أنَّ الآيات القرآنيّة قد نصَّت على أنَّ الله تعالى خلق الكون من سَمَواتٍ وأرض وما بينهما في زمن قدرُه ستَّة أيّامٍ، وعلى الرغم من أنَّ المُفسِّرين اختلفوا في تفسيرهم لمقدار هذه الأيّام، إلاّ أنَّ التفسير المُتَّفق عليه أنّها ستَّة أزمنةٍ متساويةٍ لا يعلم حقيقة مقدارِها إلا الله، كما في قوله تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).[٧][٦]

ولعِظَم أهميّة الوقت فقد أقسمَ به جلَّ وعلا في فواتح بعض السُّور القرآنيّة؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى عندما يقسمُ بشيء فهذا يدلُّ على عِظَم شأنه، كقوله تعالى: (وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)[٨]، وقوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى*وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى)[٩]، وقوله تعالى: (وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[١٠][١].

تنظيم الوقت

إنَّ تنظيم الوقت من أهمّ أسباب نجاح أيّ إنسان باختلاف توجُّهاته، سواء كان ربَّ أسرة أو تاجراً أو مزارعاً أو رئيسَ دولةٍ؛ فكلّ فرد من هؤلاء يحتاج إلى إدارة نفسه قبل أي شيء آخر؛ للوصول إلى الإنجازات المَرجُوَّة. وللإنسان كامل الحرية في استغلال وقته؛ ومن هذا المنطلق جاء مفهوم إدارة الوقت الذي يقترن بما تشمله حياة الفرد من أهداف، وسلوكيّات ينتَهجُها؛ للوصول إلى الحياة التي يصبو إليها؛ إذ إنَّ الفرق يكمُن بين الإنسان الذي يعيش حياة طويلة دون إنجازات تُذكر، والإنسان الذي يستطيع أن يستثمر وقته، ويعلم ما يريده وما لا يريده، مُتحكِّماً بأحداث حياته؛ ليفرض تأثيره في البيئة التي يعيشها، على الرغم من قصر حياته.[١]

بالمقابل يرى الكثير من الناس أنَّ تنظيم الوقت يعني العمل المُتواصِل دون راحة أو تسلية، والبعض الآخر يجد تنظيم الوقت أمراً لا أهميّة له؛ وذلك لأنَّهم لا يُقيمون للوقت وزناً؛ وهذا ما جعل إنتاجيّة وطننا العربي في مختلف الميادين والمستويات، تصل إلى أقلِّ مستوياتِها مقارنة مع المجتمعات الغربيّة؛ فاضطرب التحصيل العلميّ، وتراجع إنتاج الفرد، حتى صارت الأوقات والأعمار تُهدَر دون فائدة.[١١]

إنَّ لإدارة الوقت فوائد عديدة قد تظهر مباشرة، أو قد تظهر على المدى الطويل، كشعور الإنسان بالتحسُّن في جميع شؤون حياته، وإيجاد وقت للاجتماع مع العائلة، وقضاء أوقات معها في التسلية، والترفيه، بالإضافة إلى تحقيق الأهداف الشخصيّة، والنتائج المُرضِية في العمل، والتي تعود على الفرد بمُميِّزات عديدة، كزيادة الراتب والعلاوات، كما يساعد تنظيم الوقت على تقليل الضغوطات الاجتماعيّة والماديّة، ويساعد على إنجاز الأعمال بأقلّ وقت ممكن وبمجهود أقل؛ مما يتيح للفرد القدرة على اغتنام الفرص التي تُمكِّنه من اكتساب الخبرات، وتطوير نفسه؛ ليصل إلى قمة النجاح.[١١]

وسائل تنظيم الوقت

ونظراً لأهميّة الوقت؛ يجب على كلّ إنسان اغتنامه واستغلاله دون ضياع أيّ جزء منه هباءً منثوراً، ويمكن اتّباع النصائح الآتية لتنظيم الوقت:[١٢]

  • الاستيقاظ باكراً كلّ صباح؛ حيث يهيِّئ الإنسان نفسه جسدياً، ونفسياً قبل بدء العمل، وذلك بممارسة بعض التمارين الرياضيّة، أو شُرْب أيّ مشروب صباحيّ.
  • وضع خطة يوميّة وتدوينها؛ لتحديد المهام الرئيسيّة، وتخصيص وقت مناسب لكلِّ مهمة على حِدة، حيث يتم تجديد الخطة كلّ فترة باختلاف المهامِّ، والاحتياجات، وبما يناسب الإنسان.
  • أَخْذُ قسطٍ من الراحة والهدوء بين كلِّ عملٍ وآخر؛ وذلك للترفيه عن النفس، دون أن يحمِّل الإنسان نفسه ضغوطاتٍ إضافيّة.
  • تقييم الأداء في إنجاز الأعمال التي تم تدوينها في المُخطَّط، وذلك بالاطِّلاع عليها بين الحين والآخر؛ للتأكُّد من نجاح البرنامج.
  • عند الانتهاء من أيِّ عمل تمّ تدوينه في المخطط، يمكن وضع إشارة بجانبه دليلاً على إنجازه؛ وهذا من شأنه أن يبعث النشاط في نفس الإنسان لإنجاز بقيّة الأعمال الأخرى.
  • تجنُّب المشاكل ومحاولة حلِّها بطريقة سليمة؛ وذلك لأنَّ الطاقة السلبية تعمل على قتل الوقت، وتدمير الإنجازات.

المراجع

  1. ^ أ ب ت د. محمد شحادة (2005)، إدارة الوقت بين التراث والمعاصرة (الطبعة الأولى)، الدمام، المملكة العربية السعودية: دار ابن الجوزي للتوزيع والنشر، صفحة 18، 29، 72، 105. بتصرّف.
  2. رواه الهيتمي المكي، في الزواجر، عن أبي برزة الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 2/242، إسناده صحيح.
  3. ^ أ ب طارق امعيتيق (22-3-2009)، “الوقت وأهميته في حياة المسلم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-3-2018. بتصرّف.
  4. خباب الحمد (4-4-2009)، “لا تكن مضياعاً لوقتك”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-3-2018. بتصرّف.
  5. سورة الرحمن، آية: 29.
  6. ^ أ ب د. منصور حسب النبي (29-6-2010)، “الزمن بين العلم والقرآن”، quran-m.com، اطّلع عليه بتاريخ 16-3-2018. بتصرّف.
  7. سورة السجدة، آية: 4.
  8. سورة العصر، آية: 1، 2.
  9. سورة الليل، آية: 1، 2.
  10. سورة الفجر، آية: 1، 2.
  11. ^ أ ب د. إبراهيم الفقي (2009)، إدارة الوقت، القاهرة: إبداع للإعلام والنشر، صفحة 51، 52، 53. بتصرّف.
  12. “كيفية إدارة الوقت.. 7 أفكار عملية”، www.ultrasawt.com، 1-11-2017، اطّلع عليه بتاريخ 16-3-2018. بتصرّف.