العالم ثورندايك
تعريفٌ بِالعالِم ثورندايك
يُعرف إدوارد لي ثورندايك بأنه عالِم أمريكي متخصص في علم النفس، اشتُهرَ في أوائل القرن العشرين، وساهمَ بتطوّر نظام المدارس الحكومية الأمريكيّة بفضلِ صياغة إحدى نظريات التعلّم المرتبطة بسلوك الإنسان، والتي تفترض أنّ السلوك الذي يلجأ إليه الشخص يعتمد على نتائج الأحداث التي حصلت معه سابقاً، وقد تأثرَ العالِم سكينر بدراسة ثورندايك وبنى عليها نظريته التعليميّة الشهيرة عن السلوكية ألا وهي التكيّف الفعّال.[١][٢]
حياة العالِم ثورندايك ودراسته
وُلدَ ثورندايك بتاريخ 31 آب/أغسطس لعام 1874م في مدينة ويليامسبورج، ماساتشوستس، والتحقَ بجامعة ويسليان فحصلَ فيها على شهادة البكالوريوس في تخصص علم النفس، ثمّ أكملَ دراساته العليا في جامعة هارفارد، ثمّ التحقَ بجامعة كولومبيا ليحصل فيها على شهادة الدكتوراة عن عمرٍ يناهز 23 ربيعاً، تزوّجَ ثورندايك عام 1900م من إليزابيث مولتون وأنجبوا أربعة أطفال.[٢]
كان جلّ تركيز ثورندايك خلال مسيرته العمليّة مُنصَّباً على تقييم عملية التعليم واختبارات الذكاء، فكانت أوّل وظيفة حصلَ عليها في جامعة وسترن ريسرف في ولاية أوهايو، فعمِلَ هناك كمعلّم في كليّة المرأة لمدّة عام واحدٍ، ثمّ حصلَ على منصب تعليميّ في جامعة كولومبيا ليصبحَ عضواً في كليّة المعلمينَ هناك، ليعملَ في وظيفته هذه منذ عام 1899م وحتى حصوله على التقاعد عام 1940م، بالإضافة لوظيفته التعليميّة حصلَ ثورندايك على منصب رئيس للجمعية الأمريكيّة لعلم النفس عام 1912م، ومنصب رئيس الجمعية السيكومترية عام 1937م.[٢]
نظرية ثورندايك في التعليم
النظرية الترابطية
كان العالِم ثورندايك رائداً في علم النفس السلوكي ودراسة عملية التعلّم، فقد تمكّن من تطوير المنهج التجريبي وإنشاء نظرية للتعلّم بعد إجراء التجارب التي توصّل من خلالها إلى أن التعلّم يحدث بواسطة الملاحظة والتجربة والخطأ،[٣] ليستخرج من ذلك النظرية الترابطية التي ترتكز على التعلّم الفعّال، بالإضافة إلى استناده على أربعة مبادئ أساسية بُنيت عليها النظريّة،[٤] وهي كما يأتي:[٥]
- إنّ الحفاظ على المحفّزات خلال عملية التعلّم من الأمور المهمة لضمان استمراريتها على نحو جيد.
- إنّ ربط مجموعة من الاستجابات بنتائجها يضمن تحقيق الهدف المُراد الحصول عليه.
- إنّ الفرد قادر على أن يتعلّم أو يعمل على نقل معرفة ما اعتماداً على مواقف مرَّ بها مسبقاً.
- إنّ تحديد الذكاء يرتبط بمقدار الارتباطات التي تشكّلت بين المثيرات واستجاباتها التي يكتسبها الفرد أو يتعلّمها.
قوانين تفسّر النظرية الترابطية
القوانين الرئيسية
نتجَ عن النظريّة الترابطيّة ثلاثة قوانين رئيسيّة أطلقَ عليها اسم “قوانين ثورندايك”؛ وهيَ: قانون الأثر، وقانون الاستعداد، وقانون التدريب أو التمرين؛ فقانون الأثر يربط العلاقة بينَ السلوك والعواقب المترتبة عليه، ممّا يؤثّر على استجابة الإنسانِ لاحقاً لمثل هذا السلوك، وبالتالي يمكن استخدام هذه النظريّة لتعديل السلوكيّات بناءً على العواقب الناتجة عنها، فالسلوكيات التي تبعتها نتائج جيدة ومُرضية من المُرجح أن تتكرر بالمستقبل، أما السلوكيات التي تبعتها نتيجة سيئة فلن تتكرر تجنباً للأثر السلبي، ومن هذا القانون افترضَ ثورندايك بأنّ التعليم هو عبارة عن تغيّر في السلوك البشري كنتيجة للعواقب الناتجة عنه، كما افترضَ بأنّ الأثر يمكن ملاحظته بشكلٍ واضح، وقد توسّع تطبيق القانون ليشمل معظم نواحي الحياة البشريّة خاصةً في مجال التعليم وعلم النفس.[٦][٧]
كما يرى العالم ثورندايك أنّ عملية التعلم تدريجيّة، وتحدث بشكلٍ تلقائيّ، وتزداد كفاءتها إذا تم استخدامَها باستمرار، وهذا ما أطلقَ عليه اسم “قانون الاستخدام”، أمّا إذا تعرّضَ التعلّم للإهمال فإنّ العملية التعلمية ستضعف وهذا ما أطلقَ عليه اسم “قانون الإهمال”، وكلا القانونين يندرجانِ تحتَ مسمّى “قانون الممارسة أو التدريب” الذي يوضح أهمية وفاعلية التكرار والمراجعة عند التعلّم، فبذلك تتم تنمية ومساعدة العقل على التعلّم بشكل أفضل، وكانَ ثورندايك يعتقد أنّ الجميع يتعلّم بالطريقة ذاتها، ويستجيب للمواقف بشكلٍ متشابه.[٣][٣] أما القانون الثالث فهو قانون الاستعداد الذي يعني زيادة القدرة على التعلّم بشكلٍ فعّال إذا وضعت أهداف واضحة لما يريد الفرد الوصول إليه، وتوفّرت الخلفيّة اللازمة لتعلّم موضوع ما.[٦][٧]
القوانين الثانوية
استنتجَ العالم ثورندايك مجموعة من القوانين الثانوية للتمكن من حلّ المشاكل والحصول على استجابة سريعة في التعلّم، إذ وَضّح أنّ تحديد الموقف الذي يتعرّض له الفرد يأتي من الاستجابة الأولى للجهاز العصبيّ، وبعدَ ذلك يبدأ العقل بتكوين استجابة ورد فعل مختلف للموقف بالاعتماد على الاستجابة الأولى وتحليلها، وهذا يُمكّن العقل من حفظ المواقف وربطها بشيء ما يميّزها، ممّا يزيد من سهولة الحصول على الاستجابة عندَ تنفيذها،[٣] أمّا القوانين الخمسة الإضافيّة والثانوية فهيَ كالآتي: [٥][٣]
- قانون الاستجابة المتعددة: يعتمد قانون الاستجابة المتعددة (بالإنجليزية: Low of multiple Response) على إجراء سلسلة من المحاولات المتتالية والحصول على استجابات مختلفة في كل مرة، وفي النهاية يتم الوصول الى نتيجة مُرضية وصحيحة.
- قانون الاتجاه أو المنظومة: يشير قانون الاتجاه (بالإنجليزية: Low of Set or attitudes) إلى تأثر عملية التعليم بميول واتجاهات المتعلم، وهذا يُشكل ردود واستجابات متفاوتة بين الأشخاص والجماعات.
- قانون الاستجابة بالمماثلة أو المُناظرة: يعتمد قانون الاستجابة بالمماثلة (بالإنجليزية: Low of Response by analogy) على إحداث استجابة ما عن طريق القياس على موقف سابق مشابه له.
- قانون العناصر السائدة: يدل قانون قوة العناصر أو قانون العناصر السائدة (بالإنجليزية: Low of Prepotency of elements) على استجابة الأفراد للعناصر الأكثر شيوعاً وأهمية لبناء الاستجابة السليمة عليها، وإهمال العناصر غير السائدة لحالة معينة.
- قانون نقل الارتباط: يشير قانون النقل الارتباطي (بالإنجليزية: Low of Associative shifting) إلى إمكانية تغير ردود الأفعال والاستجابات باختلاف المُحفّز.
نقد نظريات ثورندايك
تعرّضت نظريّات ثورندايك المتعلقة بالسلوك للنقد بسبب القصور في المنهج الذي اتبعه ثورندايك في تفسير السلوك، فاقتصرَ في تفسيره لسلوك الإنسان على مبدأ واحدٍ وهو مبدأ التحفيز والاستجابة، متجاهلاً أهميّة التدخلات الوسطيّة التي قد تنتج من العلاقة بينَ هذه المحفزات والاستجابة التي تتبعها، ومن ناحية أخرى تمّ انتقاد تركيز النظريّة على استجابة الفرد للمواقف بناءً على المحفّزات المحيطة به، متجاهلاً دور العقل في السلوك الذي يتبناه الفرد في المواقف، ولكونه اعتقد بأنّ استجابة الفرد لا بدّ أن تكون ملاحَظة وقابلة للقياس.[٨]
التعلّم بوجهة نظر العالم ثورندايك
يعتقد ثورندايك أنّ قدرة الفرد على التعلّم تبقى فعّالة حتى سنّ 35، حيثُ تبدأ قدرته بالانخفاض بنسبة قليلة تعادل 1% كلّ عامٍ بعدَ هذا السنّ، وهو اعتقاد يعارض ما كانَ شائعاً سابقاً بأنّ المرء إذا تقدّم بالسنّ فإنّه سيفقد قدرته على التعلّم، فالتعلّم مع العمر تقلّ سرعته ولكن لا تقلّ قوّته، كما لا يؤمن ثورندايك بالتعليم بشكلٍ مجرّد بهدف التعلّم فقط، بل يؤمن بضرورة ارتباط العلم بأهداف معيّنة، وأن يعود بالفائدة على المجتمع، وقد كانَ ثورندايك أوّل من اقترحَ فكرة التعلّم النشط، ويقصد به أن يعتمد الأطفال على أنفسهم في الحصول على العلم بدلاً من الاعتماد على المعلمين في تلقينِ العلم لهم.[٩]
إنجازات إدوارد لي ثورندايك
كانَ لثورندايك وأعماله تأثير كبير في عدّة مجالات، فقد ساهمَت الأعمال التي قدّمها في مجال علم النفس والتعليم في ولادة نظرية الترابطية، وأثّرت بشكل كبير على العديد من مدارس علم النفس وعلمائها، وعلى الدراسات المتعلقة بالطبيعة البشرية والنظام الاجتماعيّ، كما ساهمت دراساته ونظرياته بخلق العديد من نظريات وقوانين التعلم، بالإضافة لذلك عملَ ثورندايك على إرساء الأساس العلمي لعلم النفس التربويّ، فهو يعدَ أوّل من طبق المبادئ النفسيّة في مجال التعلّم، ومن الجدير بالذكر أنه استطاعَ ابتكار اختبارين للجيش الأمريكي؛ هما بيتا وألفا، إذ يُستخدم هذان الاختبارانِ لغايات تحديد مدى أهليّة الجنديّ المتقدّم للالتحاق بالجيش، فاختبار بيتا عبارة عن اختبار مكتوب من نوعِ متعدد الاختيارات، ونظراً لضعف بعض الجنود المقدمين للاختبارِ في القراءة ابتكرَ ثورندايك اختباراً آخرَ يدعى اختبار ألفا، وهو اختبارٌ من نوعِ متعدد الخيارات ولكنّه مبنيّ على الصور والرسوم البيانيّة بدلاً من الكلمات، وقد ساهمَ هذا الابتكار لاحقاً في تحسين الإدارة العسكريّة، وإدارة الموظفين الصناعيين، والخدمة المدنية، والعديد من الخدمات الاجتماعية العامة والخاصة.[٣]
نشرَ ثورندايك عدّة كتب لمساعدة المعلمين على تعليم الكلمات والقراءة، فكانَ أوّل كتابٍ له تحتَ عنوان "The Teacher's Word Book" الذي نشره عام 1921م، وكتاب "Book of the Twenty Thousand Words" الذي يحتوي على 20,000 كلمة تم العثور عليها بشكل متكرر وعلى نطاق واسع في القراءة العامة للأطفال والشباب، وقد تمّ نشره عام 1932م، وآخرها كتاب "The Teacher's Word Book of 30,000 Words" الذي نشرَ عام 1944م، ومن كتبه الأخرى كتاب قياس الذكاء الذي نشر عام 1927م، وكتاب أساسيّات التعلم الذي نشر عام 1932م وغيرها من الكتب،[٣] أمّا في مجال التنمية الفكريّة فقد حددَ ثورندايك ثلاثة مجالات رئيسيّة وهيَ:[٣]
- الذكاء التجريدي: ويقصد به قدرة الفرد على معالجة واستيعاب المفاهيم المختلفة.
- الذكاء الميكانيكيّ: ويقصد به قدرة الفرد على التعامل مع الأشياء الماديّة المحسوسة.
- الذكاء الاجتماعي: ويقصد به قدرة الفرد على التعامل مع الآخرين والتفاعل معهم.
جائزة إدوارد لي ثورندايك
تكريماً لجهود العالِم ثورندايك تأسّست جائزة ثورندايك التي يُطلق عليها اسم “جائزة ثورندايك للتحصيل المهنيّ”، وهي جائزة تنظر في الجهود المبذولة في مجال البحوث المهنيّة في تخصص علم النفس التربويّ، إذ يتم تقديم جائزة ثورندايك للبحوث التي تقدِّم معرفة ما في المجال النفسيّ التربويّ، أو تفترض نظريّة جديدة تساهم في تطوّر علم النفس التربويّ، أو تقدّم ممارسة عمليّة في ذات المجال، ومن الجدير بالذكر أنّ الجائزة لا تعطى إلّا للأعمال التي تقدّم بحوثاً أصليّة وعلميّة تكون مبنيّة على أسس تجريبيّة.[١٠]
آخر أعوام إدوارد لي ثورندايك
استمرّ ثورندايك بالعمل بعدَ تقاعده وذلك بعدما انتخبته “الرابطة الأمريكيّة المهنيّة لتقدّم العلوم” كعالِم اجتماعيّ، فتسلّم منصب رئيس الرابطة عام 1934م، وفي ثلاثينيّات القرن العشرين بدأت نظريّات ثورندايك تدرج في القواميس، وفي النصف الأول من القرن العشرين بدأت المدارس تستخدم نظرياته كأساس نظريّ في التدريبات المدرسيّة للتلاميذ، ويعدّ ثورندايك أوّل من درّس علم الأندراغوجيا بشكلٍ تجريبيّ، وعلم الأندراغوجيا هو العلم المختصّ بتعليم الراشدين، وما تجدر الإشارة إليه وفاة العالِم إدوارد ثورندايك في التاسع من شهر آب عام 1949م عن عمر يناهز 74 عاماً.[١١]
المراجع
- ↑ Saul McLeod (14-1-2018), “Edward Thorndike: The Law of Effect”، www.simplypsychology.org, Retrieved 3-11-2019. Edited.
- ^ أ ب ت “Edward Thorndike 1874-1949”, www.goodtherapy.org,7-7-2015، Retrieved 3-11-2019. Edited.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د “EDWARD THORNDIKE”, peoplepill.com. Edited.
- ↑ Chris Lee (8-2-2018), “Instructional Design Models and Theories: Connectionism”، teachonline.asu.edu, Retrieved 4-11-2019. Edited.
- ^ أ ب Christopher Pappas (18-12-2013), “Instructional Design Models and Theories: Connectionism Theory”، elearningindustry.com, Retrieved 4-11-2019. Edited.
- ^ أ ب “Basic Principles of Operant Conditioning: Thorndike’s Law of Effect”, oer2go.org. Edited.
- ^ أ ب Stephen S. Davis, “The six laws of learning”، medicine.hofstra.edu, Retrieved 4-11-2019. Edited.
- ↑ “Edward L. Thorndike”, www.newworldencyclopedia.org,16-7-2017، Retrieved 5-11-2019. Edited.
- ↑ “Edward Thorndike”, www.hrstud.unizg.hr,18-7-2013، Retrieved 4-11-2019. Edited.
- ↑ “E. L. Thorndike Career Achievement Award”, www.apa.org, Retrieved 5-11-2019. Edited.
- ↑ Harald Sack (13-8-2017), “Edward Thorndike and the Law of Effect”، scihi.org, Retrieved 5-11-2019. Edited.