نبذة مختصرة عن الفرزدق

الفرزدق

الفرزدقُ هو همّام بن غالب بن صعصعة المولود في البصرة في السنة العشرين للهجرة، أمّا أمّه فهي ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس، وهو صحابيّ جليل كان من أشراف العرب في العصر الجاهليّ.[١] ويُشار إلى أنّ الفرزدق في مرحلة الشباب كان يُكنّى بأبي مكيّة؛ تيمُّناً باسم ابنة له، أمّا الفرزدق فهو لقبٌ أٌطلق عليه لخشونة ملامح وجهه.[٢]

اشتُهِر الفرزدق بنسبه الرفيع؛ فهو من قبيلة بدوية كان لها مكانة مرموقة وشأنٌ عظيم في الجاهلية تُدعى (دارم) التي عُرِفت بسطوتها بين القبائل، أمّا والده فقد اشتُهِر بالعزّة، والكرم، وكان جدّه صعصعة سيّداً في قومه سلك طريقاً كريماً كان سبباً في شهرته؛ وذلك حين اشترى أكثر من أربعمئة موؤودة وأنقذهنّ من الموت، وقد تأثّر الفرزدق بجدّه، وورث عنه حبّ النجدة التي ذكرها، وعظّمها كثيراً في شِعره، ويُذكَر أنّ الفرزدق اكتسب من نشأته في البادية خِصال أهلها؛ فكان حادّاً في طبعه، قويّاً في جداله، يملك لغةً صحراويةً صعبةً، الأمر الذي أكسبه طِباعاً لم تتغيّر.[٣]

كان الفرزدق ينتمي إلى العصر الإسلاميّ الذي قسّمه المُؤرِّخون إلى فترتَين، هما: فترة بداية الإسلام وعهد الرسول الكريم والخلافة الراشدية، والفترة التي شهدت الخلافة الأموية التي بدأت بخلافة معاوية بن أبي سفيان، وانتهت بمعركة الزاب.[٤]

حياة الفرزدق

عاش الفرزدق عمراً طويلاً، فظهرت له خفايا الحياة بحُلوها، ومُرّها، وأقبل بدوره عليها يتزوّد من مسرّاتها،[١] ونذكر ملامح منها فيما يأتي:

زوجات الفرزدق

تُذكَر فيما يأتي أبرز زوجاته:[٥][١]

  • النوّار بنت مجاشع: وهي ابنة عمّ الفرزدق، وأكثر زيجاته شُهرة، وذُكِر أنّ أبناء الفرزدق جميعهم أنجبتهم النوَّار، وكان قد رثى أربعةً منهم في شِعره، وقِيل إنّه حين طلّقها ندم ندماً شديداً نظمَ على إثره قصيدة يقول فيها:

ندمت ندامة الكُسعيّ لمّا

غدت مني مطلقَّةً نوّار

وكانت جنّتي فخرجتُ منها

كآدم حين أخرجه الضرار

وكنتُ كفاقئ عينيه عمداً

فأصبح ما يُضيءُ له نهار

ولا يوفي بحبّ نوار عندي

ولا كلفي بها إلّا انتحار
  • الزنجيّة: تزوّج الفرزدق من الزنجية، وأنجب منها ابنةً سمّاها مكيّة، وكان يُكنّى بها، ومن الشِّعر الذي نظمَه فيها:

فإن يكُ خالها من آل كسرى

فكسرى كان خيراً من عقال

وأكثر جزيةٍ تهدى إليه

وأصبر عند مختلف العوالي
  • حدراء الشيبانية: ورد اسمها كثيراً في شِعره، ومنه ما قال فيه:

لو أنّ حدراء تجزيني كما زعمت

أن سوف تفعل من بذلٍ وإكرام

لكنت أطوع من ذي حلقةٍ جعلت

في الأنف ذل بتقوادٍ وترسام
  • ظبية بنت حالم بن مجاشع: ممّا قاله فيها من الشعر:

أُبادر شوالاً بظبية، إنّني

أتتني بها الأهواء من كلّ جانب

بمالئة الحجلين، لو أنّ ميتاً

وإن كان في الأكفان تحت النصايب
  • زوجة له من اليرابيع من أولاد الحارث بن عبّاد: ورد ذِكرها في شِعره بقوله:

أراها نجوم الليل والشمس حيةٌ

زحام بنات الحارب بن عباد

نساء أبوهنّ الأغرّ، ولم تكن

مِن الحـتّ فـي أجبالِهـا وهـدادِ
  • رهيمة بنت غنى النمرية: والتي هجاها قائلاً:

لا تَــنكِحنّ بعــدي فَتــى نَمِرِيــةً

مزملَــةً مِــن بعلِهــا لِبِعــادِ

وبيضاء زعـراء المفـارِقِ شَـجنَةً

مولعــةً فــي خُــضرةٍ وســوادِ

وقد كانت زوجات الفرزدق موضع اهتمام الدارسين، حتى أنّ بعضهم ألّف فيهنّ كُتباً كاملة، ومنهم المدائني الذي ألّف كتاب (مناكح الفرزدق) بحسب ما ورد عن ابن النديم.[٥]

الجانب السياسيّ من حياة الفرزدق

أمضى الفرزدق حياته مُتنقِّلاً بين الخلفاء والولاة، يمدحهم تارةً، ويهجوهم تارةً أخرى، وقد عُرِف عنه حبّه وولاؤه لآل البيت؛ فكان يُجاهر بهذا الحبّ في شِعره مادحاً إيّاهم، ومدافعاً عنهم لا يخشى في ذلك لومة لائم، ولعلّ مدحه لزين العابدين علي بقصيدته المشهورة (الميميّة) خير دليلٍ على هذا الولاء، ورغم هذا الحبّ لآل البيت إلّا أنّ ذلك لم يمنع الفرزدق من التقرُّب إلى الأمويّين مادحاً إيّاهم طالباً وُدّهم، لا سيّما في زمن الخليفة عبد الملك بن مروان وأبنائه.[١]

عندما أصبح زياد بن أبيه حاكماً على العراق عام 669م رحل الفرزدق مُرغماً إلى المدينة، وعاش هناك سنوات عدّة وعندما تُوفِّي زياد بن أبيه عاد إلى البصرة، وتقرّب إلى واليها عُبَيد الله بن زياد ومدحه فحصل على دَعمه، وفي عام 694م أصبح الحجّاج حاكماً على العراق، فتقرّب إليه الفرزدق ومدحه،[٦] ويُشار إلى أنّ الفرزدق عاصر في حياته الكثير من الشُّعراء الذين كان من أشهرهم: الأخطل، وجرير، وكعب بن جعيل، والأحوص، وكُثيِّر. ويُذكَر أنّ الهجاء بينه وبين جرير دام أربعة عقود انقسم الناس خلالها إلى فريقَين مُتخاصمَين؛ جريريّاً، وفرزدقياً.[٤]

صفات الفرزدق

لم يكن الفرزدق على قَدرٍ عالٍ من حُسن الصورة والمظهر، إلّا أنّه كان مُعتَزّاً بنفسه مُعجَباً بها رغم ذلك، وكان شديد العناية بهندامه ولباسه المصنوع من الديباج والخزّ، كما عُرِف عنه حِرصه على لبس المجوهرات الفاخرة، وتخضيب لحيته وشَعر رأسه، أمّا أخلاقه فقد اكتسبها من البادية؛ فكان فصيحاً ذكياً سريع الجواب والبديهة، وكان كثير الزهو والافتخار بنفسه، وبقومه.[٤]

ورغم ما عُرِف عن الفرزدق أحياناً من صفات غير مُحبّبة، إلّا أنّه كان ذا منزلة عالية في ميدان الحياة الأدبيّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة في العهد الأمويّ؛ فقد كان سيّداً شريفاً في قومه، يُنسَب إلى قبيلة ذات مكانة رفيعة -كما ذُكِر سابقاً-، كما كان من فحول الشعراء في ذلك الوقت والذين استطاعوا من خلال شِعرهم أن يُوثّقوا الكثير من الأحداث التي مرّ بها العرب في ذلك الحين.[٧]

منزلة الفرزدق وآثاره

ترك الفرزدق في الشِّعر إرثاً عظيماً تمثّل بديوانٍ زخر بفنون شعريّة عدّة كان أعظمها في المديح، فيما تنوّع باقيها بين فخر، وهجاء، وغزل، ومن الجدير بالذكر أنّ أشعار الغزل المعروفة عن الفرزدق كانت قليلة إذا ما قُورِنت بما تركه جرير منها، إلّا أنّه في الفخر كان له الباع الأطول، أمّا أشعار النقائض التي جمعته به فقد طُبِعت في مُجلَّدَين كبيرَين في ليدن، كما عُرِف عن الفرزدق مَيله إلى نَظم قِصار القصائد أكثر من طوالها؛ نظراً لكونها أسهل للحفظ، وأكثر شيوعاً وتداوُلاً في المجالس حسب رأيه.[٨]

وقد تحدّث الكثير من الأدباء والشعراء عن الفرزدق وشِعره، وأبدَوا رأيهم فيه، وفيما يلي بعضٌ من هذه الآراء:[٨]

  • ابن سلام: الذي اعتبر الفرزدقَ من شُعراء الطبقة الأولى في الإسلام، وفضّله على غيره من الشعراء، مثل: جرير، والأخطل.
  • جرير: الذي امتدح الفرزدق بقوله إنّه نبعة الشِّعر؛ والنبعة من أجود أنواع الشجر، وأكثرها صلابة.
  • أبو عبيدة: الذي شبّه الفرزدق بالشاعر زهير بن أبي سلمى، وذكر أيضاً أنّه لولا الشِّعر الذي قاله الفرزدق لضاع من العربية ثُلثها.
  • أبو فرج الأصفهاني: الذي اعتبر الفرزدق والشاعرَين: جرير، والأخطل من أفضل الشُّعراء الإسلاميّين.
  • مالك بن الأخطل: الذي ورد عنه قوله إنّ جريراً يغرف من بحر، والفرزدق ينحت من الصخر؛ وفي ذلك كناية عن قوة شِعره، وخشونة ألفاظه.
  • ابن داب: الذي وصف الفرزدق بأنّه أشعر عامّة، أمّا جرير فهو أشعر خاصّة.

شِعر الفرزدق

يُعتبَر الفرزدق واحداً من فحول الشعراء الثلاثة في العصر الأمويّ، أمّا الشاعران الآخران، فهما: جرير، والأخطل، وقد كوّن هؤلاء الشعراء ما سُمِّي بالمُثلَّث الأمويّ إلى الحدّ الذي اختلف فيه الناس حول أفضليّة أحدهم على الآخر؛ فقد نظم الفرزدق شِعره في مختلف الأغراض الشعرية المعروفة؛ فله قصائد في الفخر، والهجاء، والمديح، والغزل، والرثاء، إلّا أنّ الفخر كان أكثر ما لاءم طبعه، تلاه الهجاء، ثمّ المديح،[٤][٩] كما أنّ له قصائد جيّدة في الرثاء كان منها ما رثى بها نفسه بقوله: “أنا مدينة الشعراء”، وله القليل من الغزل، والرجز،[١٠] وتميّزت أشعار الفرزدق برصانة التراكيب، وقوة الألفاظ، وجزالتها، كما عُرِف عنه استخدامه للغريب منها، فيما اعتبره المُؤرِّخون من أكثر الشعراء نَظماً في الفخر؛ لأنّ بواعثه اجتمعت فيه؛ فهو ينتمي إلى قبيلة ذات نَسب رفيع، ويملك عزيمة عالية كانت بارزة في شِعره.[١]

وفيما يأتي شَرح لهذه الأغراض:

  • الهجاء: كان للفرزدق طابع خاصّ وفريد في هجائه لا يشبهه فيه أحد من الشعراء العرب؛ إذ كان يستند فيه إلى الفخر؛ فيزهو بنفسه وقبيلته أولاً، ويحرص على تعداد مناقبها، وانتصاراتها، مُقارناً هذا التعظيم بعيوب المَهجُوّ وهزائم قبيلته، مُستعيناً على ذلك بحدة لسانه،[٣] ولم يقتصر هجاؤه هذا على البشر فقط، بل امتدّ ليطال إبليس أيضاً؛ فقد هجاه أحيانًا مُتَّهِماً إيّاه بغوايته.[١١]
  • المدح: غلب على قصائد المدح عند الفرزدق الطابع الجاهليّ شكلاً ومضموناً؛ حيث كان يستهلّ قصيدته بالغزل وذِكر الديار، والحديث عن ناقته وما عانته من مَشاقّ حتى وصلت إلى الممدوح، ثمّ يبدأ المدح، ويتطرّق بعد ذلك إلى ذِكر قومه وكيف تركهم في قحطٍ وفقر، فيما لا يمنعه مانع من طلب العطاء صراحةً، وكان في بعض الأحيان يتحوّل في مدحه إلى فخرٍ وتعظيمٍ للممدوح إلى الحدّ الذي يختلط فيه الغرضان معاً في أغلب قصائده.[٣] وكان من الذين مدحهم الفرزدق الخلفاء الأمويّون، كما أنشدَ زينَ العابدين علي بن الحسين مادحاً إيّاه بقصيدة مشهورة -كما سبق الذكر-،[١١] كما تميّزت مدائح الفرزدق بأسلوبه الفريد في توليد الصور، وقدرته على اشتقاق الكلمات والمعاني بحيث تتباين فيها القِيم العاطفية، فكانت خليطاً من دواعي التكسُّب،[٤] وكانت النزعة الظاهرة للفرزدق في شِعره صورةً لنزعته في الجاهلية، وبيئته الأمويّة، إضافة إلى نفسيّته الخاصة؛ حيث برزت النزعة الجاهلية في أسلوب القصيدة، وفي خشونة الألفاظ والمعاني، والأوصاف المأخوذة ممّن سَبَقه من الشعراء، أمّا البيئة الأمويّة فظهرت في الأشخاص أصحاب النزعات المختلفة ممّن مَدحهم الفرزدق، وبرزت أيضاً في الصبغة الإسلاميّة التي تتلوّن بها مفردات مدائحه؛ فهو كان يُكثر من العبارات والمعاني والقصص القرآنيّة، كما كان الفرزدق يملك مزاجاً مُتقلِّباً في إخلاصه، وصدق عاطفته التي لم يُظهرها إلّا في مدح آل البيت.[١١]
  • الفخر: كان الفرزدق ينتمي إلى قبيلة عزيزة ذات مكانة رفيعة في الجاهلية والإسلام ورث فيها المجد والشرف، وقد أخذ الفرزدق نَظْم الشِّعر عن جدّه صعصعة وخاله العلاء، الأمر الذي كان كفيلاً بجعل الفرزق يبرعُ في نَظْم شِعر الفخر بإحساس لا يخلو من التباهي والاعتزاز بنفسه، فصال وجال في تعداد مفاخره ومفاخر قومه.[٣]
  • الرثاء: جاء شِعر الفرزدق في الرثاء قليلاً لا يصدر عن إحساس، أو رقّة في المشاعر،[٣] فيما كان رثاؤه على نوعَين: النوع الوجدانيّ الصادق الذي ينشده عند موت مَن تربطه بهم صلة قرابة، كقصائده في رثاء أبنائه، والنوع الأخر يميل فيه إلى تأبين الميّت، وتعداد خصاله الحسنة، وأخلاقه الحميدة.[٤]
  • الغزل: كان غزل الفرزدق غزلاً يخلو من عذوبة المعاني، ورقّة العاطفة؛ فجاء شبيهاً إلى حَدٍّ كبير برثائه، وكان أكثره في ذِكر محاسن النساء،[٤] فعُرِف عنه في ذلك محاولة لتقليد الشاعرَين: امرئ القيس، وابن أبي ربيعة.[١١]

نَظم الفرزدق الكثير من القصائد، والتي يُذكَر منها ما يلي:[٩]

  • قصيدة (عجبت لركب فرحتهم مليحة)، ومن أبياتها:

عَجِبتُ لِرَكْبٍ فَرّحَتْهُمْ مُلِيحَةٌ،

تَألّقُ مِنْ بَينِ الذنَابَينِ فالمِعا

فَلَمْ نَأتِها حَتى لَعَنّا مَكانَها؛

وَحتى اشتفى من نوْمه صَاحبُ الكرَى

فَلَمّا أتَيْنَا مَنْ على النّارِ أقْبَلَتْ

ألَيْنَا وِجُوهُ المُصْطَلِينَ ذوِي اللّحى

فَلَمّا نَزَلْنَا وَاخْتَلَطْنَا بأهْلِهَا

بكَوْا وَاشتَكَينا أيَّ ساعَة مُشتكَى
  • قصيدة (لولا يدا بشر بن مروان لم أبل)، ومن أبياتها:

لولا يَدا بِشرِ بنِ مَروانَ لَم أُبَل

تَكَثُّرَ غَيظٍ في فُؤادِ المُهَلَّبِ

فَإِن تُغلِقِ الأَبوابَ دوني وَتَحتَجِب

فَما لِيَ مِن أُمٍّ بِغافٍ وَلا أَبِ

وَلَكِنَّ أَهلَ القَريَتَينِ عَشيرَتي

وَلَيسوا بَوادٍ مِن عُمانَ مُصَوِّبِ

شِعر النقائض مع جرير

تعود نشأة النقائض بين الشاعرَين: جرير، والفرزدق إلى عداوة نشبت بين جرير وشاعر يُدعى غسّاناً من سليط؛ أحد فروع قبيلة بني يربوع، وانضمّ إليهما شاعر من مجاشع؛ وهم قوم الفرزدق، فتغلّب عليه جرير، ممّا جعل رجال بني مجاشع، ونساءهم يهرعون إلى الفرزدق طالبين نجدته؛ لمساندة شاعر قبيلتهم والردّ على جرير، وكان الفرزدق في هذه الأثناء قد عقد العزم على هجر الشِّعر، وسخّر نفسه لحفظ القرآن الكريم، إلّا أنّه خاض هذه المعركة التي ظلّ عالقاً فيها حتى مماته.[١٢]

تطوّرت المعركة الشعريّة بين جرير والفرزدق، وكان لسوق المربد الواسع الأثر الأكبر في هذا التطوُّر؛ حيث ساهمت الجموع الغفيرة التي كانت ترتاده وترغب في قضاء الوقت فيه في تحويل هذه الخصومة إلى مُفاضلة بين قبيلتَي الشاعرَين، بل وامتدّت لتطال قبيلتَي قيس، وتميم، ويُذكَر أنّ هذا السِّجال هدأ قليلاً في عهد الحجّاج، ثمّ ما لبث أن عاد بشدّة بعد مماته، إلّا إنّ ما يثير الغرابة هو أنّ الشاعرَين لم يكونا خصمَين إلّا في الشِّعر؛ إذ كانت تربطهما علاقة صداقة ووُدّ يدلّ عليها ما كتبه جرير من أبيات رثاء في الفرزدق بعد موته.[١٢]

وفاة الفرزدق

أصاب الفرزدق قبل وفاته ما يُسمّى بالدبيلة (وهو تجمُّع قيحيّ في الجوف)، فذهب إلى البصرة؛ للعلاج منه، إلّا أنّه تُوفّي بعد ذلك، وكان قد تجاوز المئة عام، علماً أنّ وفاته كانت في خلافة هشام بن عبدالملك، ومن الجدير بالذكر أنّه تُوفِّي قبل جرير بفترة قصيرة.[٨]

وقد ذكر المُؤرِّخون روايات مُتقاربة في تحديد السنة التي تُوفِّي فيها الفرزدق؛ فمنهم مَنْ ذكر أنّ وفاته كانت عام 110 للهجرة وهو القول الشائع، ومن ذلك قول البغداديّ الذي أخذه عن النويران، وقول أبي زيد في الأغاني، كما ذُكِر هذا التاريخ في معجم الأدباء، وذكر آخرون تواريخ أخرى تتعلّق بسنة وفاته، وكانت تواريخ متقاربة مع هذا التاريخ، ومنهم أبو الفرج الأصفهاني الذي أورد أنّ الفرزدق تُوفِّي عام 112 للهجرة، بينما ذكر وكيع عن حديث لعمر بن محمد بن الزيات أنّ الفرزدق تُوفّي سنة 114 للهجرة.[٥]

وجمع ابن خلكان بين هذه التواريخ جميعها، ورجّح أن يكون الفرزدق تُوفِّي في واحدة منها، أمّا أبو الفرج ابن الجوزي فقد ذكر أنّه تُوفِّي في عام 111 للهجرة، ورغم وجود هذه الاختلافات في تحديد العام الذي تُوفِّي فيه الفرزدق، إلّا أنّ الاختلاف كان بسيطاً بينها؛ ويعود السبب في ذلك إلى التأخُّر في التدوين عند العرب؛ إذ كانت أخبارهم تُنقَل شفويّاً، وقد ربط أغلب المُؤرِّخين تاريخ وفاة الفرزدق بتاريخ وفاة جرير فقالوا إنّهما تُوفِّيا في العام نفسه، وجاء ذلك مُواتياً لما ثبت عنهما في ذاكرة الناس من منافسة شعريّة استمرّت فترة طويلة من الزمن، بالإضافة إلى المكانة الشعريّة الرفيعة التي تميّزا بها عن غيرهما من الشُّعراء.[٥]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج شرحه وضبطه وقدّم له الاستاذ علي فاعور (2010)، ديوان الفرزدق (الطبعة الثالثة)، لبنان : دار الكتب العلمية – بيروت، صفحة 5-8. بتصرّف.
  2. “الديوان “العصر الأموي” الفرزدق”، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 10-10-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج شعراء النقائض، صفحة 1، 3، 4، 6. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ شرحه وضبط نصوصه وقدّم له الدكتور عمر الطبّاع (1997)، ديوان الفرزدق (الطبعة الأولى )، لبنان : شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت، صفحة 5، 19-21. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث سليمان إبراهيم (2009)، صورة العصر في شعر الفرزدق، السودان: جامعة الخرطوم، صفحة 6-11. بتصرّف.
  6. “Al-Farazdaq”, www.britannica.com, Retrieved 14-10-2019. Edited.
  7. Prof. Z.I.Oseni, A CONS1CE BIOGRAPHY OF AL-FARAZDAQ A POETIC COLOSSUS OF THE UMAYYAH ERA, Page 13. Edited.
  8. ^ أ ب ت محمد مرّوة (1988)، الفرزدق: حياته وشعره، بيروت – لبنان: دار الكتب العلمية ، صفحة 32-35، 47. بتصرّف.
  9. ^ أ ب الفرزدق، صفحة 2، 13- 30. بتصرّف.
  10. وحيودي (2008)، الفرزدق وشعره في مدح زين العابدين، أندونيسيا: جامعة شريف هداية الله الإسلامية الحكومية – جاكرتا، صفحة 38. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت ث حنا الفاخوري (1987)، تاريخ الأدب العربي (الطبعة الثانية عشرة)، لبنان: المكتبة البولسية، صفحة 287-291. بتصرّف.
  12. ^ أ ب جباریة مصطفاوي (2015-2016)، الخطاب في شعر النقائض – نقائض جرير و الفرزدق – دراسة تداولية ، بسكرة – الجزائر: جامعة محمد خيضر، صفحة 33-35. بتصرّف.