من وضع أول خريطة في العالم

تعريف خريطة العالَم

يتنقَّل الأفراد يوميّاً من مدينة إلى أخرى، ويسافر آخرون من بلد إلى بلد باستخدام وسائل النَّقل المختلفة، كالطائرات، والقطارات، والحافلات، والبواخر، فالسماء لا تكادُ تخلو من رحلة طيران، وكذلك الموانئ، ومَحطّات القطارات، والجسور، والأنفاق، حيث يتمّ عبرها نَقل البضائع، والمَعدّات الثقيلة، والأغذية، والمُنتَجات بكافّة أشكالها، علماً بأنّ حركة النقل، والمِلاحة الدوليّة تشهد ازدهاراً ملحوظاً، إذ كانت بداية نُموّ هذه الصناعة، والحركة العابرة للقارّات من خلال الخريطة التي وضَّحت حدود البلاد، ورَسَمت ملتقى البحر باليابسة، فكان لها بالغ الأثر في خدمة هذا المجال، وتسهيل الطرق التي يستخدمها البشر في تنقُّلهم حتى يومنا هذا.

وتُعتبَر الخريطة إحدى أهمّ الأدوات التي تُرشد المسافر من مكان انطلاقه، وحتى مكان وصوله، مروراً بالمَسار الذي سيسلكُه؛ فهي أداة تدلُّ مُستخدِميها على ثلاثة مُؤشِّرات على الأقلّ؛ ولذلك فإنّ الحاجة إليها كانت، ولا تزال مُلِحّة؛ حيث إنّها أشبهُ ما تكون بالناظر إلى الأرض من السماء، حيث تتبدّى له حدود اليابسة، والبحر، وبعض المعالِم، والتضاريس، والطُّرق في المُدُن، والغابات، والصحاري، علماً بأنّ الخريطة قد تكون ورقيّة، أو إلكترونيّة، وفيها مجموعة من الرموز؛ لتدلَّ على عدّة معلومات، كمفتاح الخريطة الذي يدلُّ على الاتِّجاهات الأربعة (الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب)، أو خطوط الطول، ودوائر العرض، ومن الجدير بالذكر أنّه يتمّ رَسْم معظم الخرائط؛ للتعبير عن النِّسبة ما بين وحدتَين، أو أكثر، ويكون ذلك بالاعتماد على مقياس معياريّ مُعيَّن، فيمكن للخريطة أن تُصمَّم؛ لتوضيح الحدود، وأخرى؛ للتضاريس، وثالثة؛ للطُّرُق، كما يمكن الجمع بين هذه الأغراض في خريطة واحدة، ولطالما كانت الخرائط تمنحُ الناظر إليها، والمُتأمِّل فيها نظرةً عُلويّة تتَّسع من خلالها رؤية العالَم ببُعدَيه الأفقيّ، والعموديّ.[١][٢]

أمّا المُتخصِّصين في تصميم، ورسم الخرائط، فهم يعتبرون الخريطة شكلاً من أشكال التمثيل البيانيّ لمنطقة جغرافيّة ما، في البحر، أو اليابسة، وقد تشمل العالَم كلّه، إلّا أنّه ينبغي مُسبَقاً تحديد الهدف المُراد من الخريطة، أو نوع تلك الخريطة؛ حيث إنّ هناك خرائط تُوضِّح الحدود، وأخرى لحركة التيّارات البحريّة، والرياح، وغيرها من أنواع الخرائط. ومن الجدير بالذكر أنّ عمليّة رسم الخرائط بتعدُّد أنواعها تُعَدُّ من العمليّات التي يجتمع فيها العلم، والفنّ معاً، وهي نظام مَعرفيٌّ، وفنّي، وتقنيّ يتَّصِف بالدقّة على الرغم من قِدَم نشأته التي تعود إلى ما قَبل التاريخ.[٣]

أوّل من وضع خريطة في العالَم

ابتكرَ الانسان أسلوب الرَّسْم، والنَّقْش قَبل أن يعرف الكتابة، وقد اهتدى إليه؛ ليعبّرَ عن عدد من الأنشطة، والأحداث التي كان يَمرُّ بها؛ حيث كان التنقُّل؛ للبحث عن مأوى تتوفَّر فيها الطرائد؛ لاصطيادها، والمياه؛ لشُربها من أهمّ تلك الانشطة التي وثَّقَها الإنسان، حيث عثر الباحثون على رَسْم خرائطيٍّ طوله تسعة أقدام في العاصمة التركيّة أنقرة، وكان هذا الرَّسم يَصفُ إحدى قلاع الأناضول، وما حولها، علماً بأنّ تاريخه قد يعود إلى عام 6200 قَبل الميلاد، ويُعتبَر هذا الرَّسْم من أقدم الخرائط البدائيّة المُكتشَفة، إلّا أنّ أوّل، وأقدم الخرائط المُكتشَفة هي لعدد من الخرائط البابليّة التي تعود إلى تاريخ ما قَبل الميلاد ب 8000 سنة، إذ كانت بشكلها البدائيّ منقوشةً على ألواح طينيّة.[٤]

أمّا الحضارة الفرعونيّة، فقد أبدعَت في رَسْم الخرائط على ورق البردي؛ بهدف إحصاء الأراضي، والضرائب المفروضة عليها، إلّا أنّها كانت سريعة التَّلَف، وممّا بَقِي منها خريطة المَنجم الفرعونيّ التي يعود تاريخها إلى عام 1320 قَبل الميلاد، ومن الحضارات التي ساهمت في تأسيس رَسم الخرائط: الحضارة الصينيّة، والحضارة الإغريقيّة التي أَسَّست لبدايات قوانين المساحة، والفَلَك، ومن تلك الإنجازات العلميّة في هذا المجال: خريطة هيرودوت، وذلك قرابة عام 450 قَبل الميلاد، والتي أسَّسها بناءً على معلومات جغرافيّة من البحّارة، وخريطة آيراتستين، وذلك قَبل الميلاد ب200 عام، وهو الذي أجرى أوّل محاولة علميّة؛ لحساب محيط الأرض باعتبارها كُرويّة، أمّا بطليموس فهو من مُؤسِّسي علم رَسم الخرائط، حيث ظلَّت نظريّاته الجغرافيّة حاضرة بَعده لأربعة عشر قَرْناً، لتحلَّ مكانها نظريّات نيوتن فيما بعد.[٤]

أهمّ الإنجازات الجغرافيّة في الحضارة الإسلاميّة

شيَّدت الحضارة الإسلاميّة بُنيانها على رُقعة شاسعة، حيث رافق ذلك ازدهار علميٌّ، وحضاريٌّ بدأ بترجمة العلوم السابقة للغة العربيّة، لا سيّما الجغرافيا، ونظريّاتها، فكان لعلماء المسلمين إنجازاتهم الدقيقة للغاية في هذا العلم، ومنها: اختراع الأسطرلاب الذي يُعَدُّ أوّل آلة تقيس الزوايا، والاتِّجاهات، بالإضافة إلى أوّل نموذج يُجسِّم كُرويّة الأرض، وخطوط الطول، ودوائر العرض، والخرائط المناخيّة، ومن تلك الإسهامات أيضاً ما أنجزه الخوارزميّ في القرن التاسع الميلاديّ؛ إذ أسندَ علم الجغرافيا إلى قواعد رياضيّة، وحسابيّة، أمّا العالم أبو زيد البلخيّ، فقد أبدع في أطلس البلخيّ الذي تُعتبَر نظريّاته الدقيقة مدرسةً جغرافيّة، وممّا يُعتبَر أدقّ الخرائط العربيّة القديمة خريطةُ المسعوديّ، كما أنّ العالِم أحمد الإدريسيّ، وأبا ريحان البيرونيّ كانا ممّن أسهمَ في رَسْم الخرائط المشهورة عالَميّاً.[٤]

بعض الإنجازات الجغرافيّة في الحضارة الأوروبّية

استمرَّ تطوُّر رَسم الخرائط، بمُساهمات مشهودة في قارّة أوروبّا، واليونان خصوصاً، وكذلك في الصين، لا سيّما بعد ما أنجزه عدد من العلماء العرب المسلمين؛ حيث رَسَم المُستكشِف الإسبانيّ خوان دي لا كوسا أوّل خريطة لأمريكا الجنوبيّة، والشماليّة؛ إذ أبحر برفقة كريستوفر كولومبوس في أوائل القرن السادس عشر، كما ساهم في رسم عدد من أوائل الخرائط الدقيقة، والتي حدَّد فيها سواحل الأمريكَتَين، والمحيط الهادي، وبعدها تعدَّدت محاولات رَسم الخرائط التعليميّة المُتكاملة، بالإضافة إلى أنّه قد ساهمت في تطوُّر الخرائط صناعة بعض الأدوات، كالبوصلة، والتلسكوب، والمطبعة، ممّا زاد من دقّة الرسومات، وجودتها، وفي القرن العشرين، تمّ استخدام الطائرات؛ لالتقاط الصور الجوّية التي حقَّقَت طفرة في مجال رَسْم الخرائط، وكذلك الأمر بعد استخدام الأقمار الصناعيّة، وبعدها أنظمة الحوسبة الجغرافيّة التي فتحت العديد من الآفاق الجديدة في مجال الرَّصْد الجغرافيّ العالَميّ.[٥]

أنواع الخرائط وتصنيفاتها

تتعدَّد أنواع الخرائط بحسب طبيعة استخدامها، والغرض منها، ومقاسها، والمعلومات التي تُقدِّمها، وتلك العوامل كلّها ساهمت في إنتاج مئات الأنواع من الخرائط، وزيادة أهمّيتها، بالإضافة إلى التنويع في أساليب، وأشكال عَرضها، علماً بأنّ الخرائط بمُجملها تُصنَّف وِفقاً لتصنيفَين رئيسيَّين، هما:[٦]

تصنيف الخرائط المَرجعيّة

وهي الخرائط التي تعطي المعلومات الأساسيّة، كالحدود الجغرافيّة للدُّول، وأماكن المُدن، والطرق، وبعض المَعالِم الطبيعيّة، كالأنهار، والبُحَيرات، والصحاري، وممّا يندرج تحت هذا التصنيف أنواع الخرائط الآتية:

  • الخرائط السياسيّة.
  • خرائط الطرق.
  • الخرائط الطبوغرافيّة.
  • خرائط المناطق الزمنيّة.
  • الخرائط الجيولوجيّة.
  • خرائط الرموز البريديّة.

تصنيف الخرائط الموضوعيّة

تتباين أنواع الخرائط الموضوعيّة وِفقاً للغرض الذي تُلبّيه الخريطة في ما يتعلَّق بمنطقة جغرافيّة مُحدَّدة، وهي تُبنى على الخرائط المرجعيّة كأساس لها، ثمّ تُضاف إليها المعلومات التي تخدمُ موضوعها، ومن الأنواع التي يضمُّها هذا التصنيف ما يلي:

  • خرائط الطقس، وحركة الرياح، ودرجات الحرارة.
  • الخرائط الاقتصاديّة، والدَّخل.
  • خرائط الموارد، والثروات الطبيعيّة.

المراجع

  1. “What is a Map”, mapsofworld.com, Retrieved 27-12-2018. Edited.
  2. “map”, en.oxforddictionaries.com, Retrieved 27-12-2018. Edited.
  3. “Cartography”, britannica.com, Retrieved 27-12-2018. Edited.
  4. ^ أ ب ت جمعة داوود (2013)، المدخل إلى الخرائط (الطبعة الأولى)، صفحة 1-7. بتصرّف.
  5. Amanda Briney (3-8-2018), “The History of Cartography “، thoughtco.com, Retrieved 27-12-2018. Edited.
  6. Hobart King,Map Junkie ، “Types of Maps”، geology.com, Retrieved 27-12-2018. Edited.