نبذة مختصرة عن أحد العلماء المسلمين في الطب
ابن النفيس
هو أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم، المُلقَّب بابن النفيس، كما لُقِّب أيضاً بالقَرشيّ؛ نسبةً إلى بلدة قَرْش التي تقع بالقُرب من دمشق، وهو واحد من أشهر العلماء المُسلمين في مجال الطبّ،[١] وأحد رُوّاد عِلم وظائف الأعضاء البشريّة، وقد كان عَلماً من أعلام الأمّة، ومِمّن استطاعوا مَحو الغموض، والآراء المُتبايِنة حول بعض الوظائف الفسيولوجيّة لجسم الإنسان، علماً بأنّ ما توصَّل إليه من إنجازات ما هي إلّا نتائج قائمة على أُسُس راسخة، ومَنطق سليم، بعيداً عن الخيال، والتزييف، ولم يكن ابن النفيس عالِماً في مجال الطبّ فحَسب، بل توسّع في علمه ليشمل علوم المنطق، والفلسفة، والنحو، بالإضافة إلى العلوم الدينيّة.[٢]
نشأة ابن النفيس وتعليمه
وُلِد العالِم العربيّ ابن النفيس في مدينة دمشق عام 607هـ/1210م، ويُذكَر في كُتُب التاريخ أنّه وُلِد بالقُرب من غوطة دمشق، وأنّ أَصْله يعود إلى قرية قريشيّة الواقعة بالقُرب من دمشق؛ ولذلك لقَّبه الكثيرون بالقرشي، وقد بدأ ابن النفيس تعليمه في مدارس دمشق، ورغب في تعلُّم الطبّ، فالتحق بالبيمارستان (المُستشفى) النوريّ الكبير في دمشق، والذي تأسَّس بأَمرٍ من السُّلطان نور الدين محمود بن زنكي، ومن ثمَّ درسَ عند الإمام الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن الدخوار، وكان برفقة ابن النفيس حينها مُؤرِّخ الطبّ المعروف ابن أبي أصيبعة الذي ألَّف كتاب (عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء).[١]
حياة ابن النفيس العمليّة
بعد أن أتمَّ ابن النفيس تعليمه في مجالس علماء، ومدارس دمشق، توجَّه إلى مصر؛ ليُمارس الطبّ عمليّاً؛ حيث التحق في البداية بمُستشفى الناصري، ثمّ عَمِل في المُستشفى المنصوريّ الذي تأسَّس بأَمرٍ من السُّلطان قلاوون، واجتهدَ ابن النفيس في عَمله، وطوَّر من نفسه إلى أن أصبح عميد أطبّاء المُستشفى المنصوريّ، ولم يقف ابن النفيس عند هذا الحَدّ، بل حَظِي بإعجاب الظاهر بيبرس (حاكم مصر آنذاك)، وعيَّنه؛ ليكون طبيبه الخاصّ، كما حَظِي بمنصب رئيس الأطبّاء في مصر، وهو الذي تكون له السُّلطة الكاملة؛ لمُحاسَبة الأطبّاء، وترقُّب أخطائهم.[١]
أهمّ إنجازات ابن النفيس
سطَّر ابن النفيس تاريخاً عظيماً من الإنجازات المهمّة التي كان لها الأثر البارز في فَهم جسم الإنسان، ووظائف الأعضاء، وأهمّ هذه الإنجازات:[٣]
- اكتشاف الدورة الدمويّة: نالَ ابن النفيس شهرته العالَميّة بفَضل اكتشافه للدورة الدمويّة الصُّغرى؛ فقد كان الاعتقاد سائداً بأنّ الدم يتشكَّل في الكبد، وينتقل منه إلى البُطَين الأيمن في القلب، ومن ثمّ يتوزَّع في مختلف أعضاء الجسم عن طريق العروق الدمويّة، إلّا أنّ ابن النفيس أثبتَ عدم صحّة هذا الاعتقاد، وبيَّن أنّ الرئتَين وظيفتها تنقية الدم؛ لاستمرار الحياة، ومَنْح الجسم المقدرة على العمل، وبَذل الجهد، وأنّ الدم يخرج من البُطين الأيمن مُتَّجِهاً إلى الرئتَين، حيث يمتزجُ بالهواء، ثمّ ينتقل إلى البُطَين الأيسر في القلب، ممّا يُشكِّل دورة كاملة، وهو ما أُطلِق عليها اسم الدورة الدمويّة الصُّغرى (الرئويّة)، وقد دوَّن ابن النفيس اكتشافه هذا على مخطوط بعنوان (شرح تشريح القانون)، إلّا أنّ هذا المخطوط اندثرَ مع مرور الوقت، ولم يعلم به أحد من المُعاصِرين إلى أن جاء عام 1924م، ليتمَّ العثور عليه في مكتبة برلين، بواسطة طالب اسمه مُحيي الدين التطاوي، وذلك أثناء تحضيره لرسالة الدكتوراه في تاريخ الطبّ العربيّ من جامعة فرايبورغ في ألمانيا، ووجَّه رسالته إلى موضوع المخطوط، وعنونها بعنوان (الدورة الدمويّة عند القرشي)، وبسبب عدم إتقان أساتذة التطاوي للغة العربيّة، تمَّ إرسال نسخة من رسالة الدكتوراه إلى المُستشرِق الألمانيّ مايرهوف الذي أكَّد صحّة ما جاء به التطاوي.
- شَرح القرنيّة والبَصَر: أبدعَ ابن النفيس في شَرح وظيفة الإبصار في العَين، حيث قال: “إنّ العين آلة للبَصَر، وليست باصرة، وإلّا لرُئِي الواحد بالعينَين اثنَين، وإنّما تتمُّ منفعة هذه الآلة بروح مُدرك يأتي من الدماغ”، وقد وضعَ ابن النفيس نظريّات صحيحة في فيزيولوجيا الرؤية، وبيَّن الاختلاف بين فِعل الإبصار، والتخيُّل، حيث قال إنّ لكلٍّ من هذَين الفِعلَين مركزاً خاصّاً في الدماغ، بالإضافة إلى أنّه وصف القرنيّة في العَين، حيث قال: “إنّها مُؤلَّفة من أربع طبقات، وإنّها شفّافة أي لا تحتوي على عروق دمويّة؛ لئلّا يتغيَّر إشفافها”.[١]
- التنويه إلى أخطار المِلح: يُعتبَر العالِم ابن النفيس أوّل من نوَّه إلى ضرورة الاعتدال، والتوازُن في تناول الأملاح، وبيَّن بالتفصيل مخاطر تناوُل هذه الأملاح، ومدى تأثيرها في ارتفاع ضغط الدم.[١]
- إنجازات أخرى: لم تتوقَّف إنجازات ابن النفيس عند هذا الحَدّ؛ فقد أبدعَ في تشريح الجهاز التنفُّسي، والحُنجرة، والشرايين في جسم الإنسان، ووظيفة كلٍّ منها، كما فسَّر تشريح القلب، وآليّة عمله، وهو أوّل من تحدَّث عن تغذية العضلة القلبيّة من الشرايين التاجيّة، وأوّل من دعا إلى دراسة ما يُدعَى بالتشريح المُقارن (بالإنجليزيّة: Comparative Anatomy) ؛ بهدف فَهم التشريح البشريّ.[١]
أهمّ كُتُب ابن النفيس في مجال الطبّ
ألَّف ابن النفيس العديد من الكُتُب، والمُصنَّفات التي تتضمَّن موضوعات في الطبّ، وأهمّ هذه الكُتُب:[١]
- شَرح قانون ابن سينا.
- المُوجَز في الطبّ، وهو مُوجز لكتاب (القانون في الطبّ) لابن سينا.
- المُهذَّب في الكحل المُجرَّب في طِبّ العيون.
- الشامل في الطبّ، ويتألَّف من 300 مُجلَّد.
- بُغية الفَطِن من عِلم البَدَن.
- شَرح الهداية.
- شَرح مسائل حنين بن إسحاق.
- شَرح تقدمة المَعرفة.
- شَرح فُصول أبقراط.
- المُختار في الأًغذية.
وفاة ابن النفيس
تعرَّض العالِم ابن النفيس وهو في عمر الثمانين لوعكة صحّية شديدة أجبرَته على البقاء في الفراش، وقد حاول الأطبّاء معالجته، والتخفيف من آلامه، وذلك باستخدام الخمر، إلّا أنّه رفض ذلك بشدّة وقال: “لا ألقى الله تعالى وفى جوفي شيء من الخمر”، واستمرَّ ابن النفيس يُعاني من مرضه إلى أن وافته المنيّة في القاهرة في فجر يوم الجمعة الموافق للحادي والعشرين من ذي القعدة لعام 687هـ، الموافق للسابع عشر من كانون الأوّل/ديسمبر لعام 1288م، علماً بأنّه أوصى قَبل وفاته بأن يتمّ وَقْف داره، وكُتُبه، ومُمتلَكاته على المُستشفى المنصوريّ في القاهرة، حيث قال: “إنّ شموع العِلم يجب أن تُضيء بعد وفاتي”.[٣]
المراجع
- ^ أ ب ت ث ج ح خ “ابن النفيس.. أول من أوصى بالاعتدال بالملح”، www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2018. بتصرّف.
- ↑ مصطفى الجيوسي، موسوعة علماء العرب والمسلمين وأعلامهم، صفحة 72. بتصرّف.
- ^ أ ب “ابن النفيس”، colleges.jazanu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2018. بتصرّف.