العالم طاليس
العالم طاليس
طاليس (بتالس الميلسي)، هو أحد فلاسفة الإغريق وأحد الحكماء الإغريق السبعة الذين سبقوا سقراط، يعتبر عند الكثيرين فيلسوف الثقافة اليونانيّة الأول إضافةً إلى كونه أبو العلوم، وعاش العالم طاليس في مدينة ميلتوس الواقعة في أيونيا إلى الغرب من تركيا.
نشأة طاليس
ولد طاليس عام ستمئةٍ وأربعين قبل الميلاد، ويقال بأنّه ولد في ميلتس من أبوين فينيقيين، حيث إنّه تلقى معظم علومه في الشرق الأدنى ومصر، وقد تمثلت فيه انتقال الثقافة من الشرق إلى الغرب، عمل طاليس في مجال التجارة بالقدر الذي يوفر له حياة عاديّة. صرف طاليس معظم وقته في الدرس وتلقي العلوم، وانهمك بهذا الأمر لدرجة أنّه في أخد الأيام سقط في حفرة وهو يؤقب النجوم في السماء، وعلى الرغم من عزلة طاليس إلّا أنّه كان يبدي اهتماماً بالشؤون المدنيّة، وتعرّف إلى الطاغية (ثراسيبولوس)، وقام بالدعوة إلى تكوين حلفٍ مع الدول الأيونيّة لحماية نفسها والدفاع عنها ضدّ غزو الليديين والفرس.
علم طاليس
تشير الروايات المتواترة جميعاً بأنّ لطاليس الفضل الأوّل في إدخال جميع العلوم الفلكيّة والرياضيّة إلى أرض اليونان، وقيل أنّه وأثناء تواجده في مصر عمل على تقدير طول ارتفاع الأهرام عن طريق قياس ظلّها في الفترة التي يكون بها طول ظل الإنسان مساوٍ لطول قامته، وعند عودة طاليس إلى بلاده واصل دراسة الهندسة النظريّة التي شغلت جلّ تفكيره لمنطقها السليم، وما تحويه من استدلالٍ علمي، وقد وضع العديد من النظريّات، وقام إقليدس بجمعها من بعده، وتعتبر نظريّات طاليس في الهندسة النظريّة هي الأساس الذي قام عليه هذا العلم في بلاد اليونان.
أمّا بخصوص الفلك فقد كانت الدراسات العديدة التي أجراها هي الأساس الذي قام عليه علم الفلك في الحضارة الغربيّة، بعد تجريده من التنجيم الذي ارتبط فيه بعد إدخال الشرقيون له، وقام برصد بعضاً من الظواهر الفلكيّة الصغرى كالتنبؤ بخسوف الشمس التي أذهلت بلاد أيونيا على امتدادها، والذي وقع في الثامن والعشرين من أيّار عام خمسمئةٍ وخمسٍ وثلاثين قبل الميلاد، ومن المرجح أنّه كوّن هذا التنبؤ عن طريق العودة إلى السجلّات المصريّة وعلى طريقة البابليين.
آراءٌ منوّعة لطاليس
لم تكن نظرة طاليس لنظام الكون ترقى كثيراً إلى ما كان معروفاً عند اليهود والمصريين في هذا الصدد، فقد اعتقد أنّ العالم مكوّن من نصف كرةٍ ترتكز على مسطح مائي لا نهاية له، وأنّ الأرض عبارة عن قرصٍ مستوي يطفو على سطحٍ مستوي داخل الجسم النصف كروي!
جعل طاليس من الماء الأساس والمبدأ الأوّل لجميع الأشياء، سواء كانت في شكلها الأساسي أو مصيرها النهائي، وقد علّق الفيلسوف أرسطو على هذا الأمر بأنه ربما جاء طاليس بهذا الرأي نتيجةً لرؤيته “بأنّ غذاء كل شيء رطب، وأنّ بذور كل شيء ذات طبيعةٍ رطبة، وأنّ ما يتولّد منه كل شيء يكون دائماً هو مبدؤها الأساسي”.
أضاف طاليس أنه ربما لاعتقاده بأنّ الماء هو الصورة الأساسيّة أو الأولى من صور المادة الثلاث: الصلبة، والسائلة، والغازيّة، والتي يمكن من الوجهة النظريّة أن تتحوّل اليها جميع المواد، ولا يمكن اعتبار قول طاليس بأنّ الماء هو أساس كل شئ من أهمّ آرائه، بل إنّ الأهمّ كان إرجاعه لحميع الأشياء إلى أصلٍ واحد، فقد كان هذا اوّل قول في التاريخ المدوّن بأسره حول وحدة المادة، وقد وصف آرسطو آراء طاليس بأنها ماديّةً في مجملها.
إنّ من أهمّ الإضافات التي قالها طاليس هو أنّ كلّ جزءٍ في هذا العالم حي، وأنّ الحياة والمادة وحدةٌ واحدة لا يفصل أحد جزئيها عن الآخر، وأنّ في المعادن والنباتات نفساً خالدة شأنها في هذا الأمر شأن الإنسان والحيوان، وأنّ صورة القوّةِ الحيويّة تتغيّر لكنها أبداً لا تموت.