تعريف الاستعارة

الاستعارة لغة واصطلاحاً

الاستعارة لغةً هي رفعُ الشيء وتحويله من مكان إلى آخر، كأن يُقال: استعرتُ من فلان شيئاً، أي حوَّلتُه من يده إلى يدي، أمّا اصطلاحاً، فهي من علوم البلاغة المُتعلِّقة بعلم البيان أحد فروع علم البلاغة، والتي عرّفها كثير من الأدباء والبلغاء، كالجاحظ والجرجاني، وكلّ أقوالهم في ما يتعلّق فيها تتلخّص في أنَّها استعمال كلمة أو معنى لغير ما وُضِعت به أو جاءت له لوجود شبه بين الكمتين؛ وذلك بهدف التوسُّع في الفكرة، أو أنّها تشبيه حُذِف أحدُ أركانه، كقول الشاعر: “وإذا المنيّة أنشبت أظفارها”؛ إذ إنّ كلمة المنيّة التي تعني الموت ليس لها أظافر لكنه شبهها بالوحش الذي يملك أظافر، وقد حُذِف هنا المُشبَّه به وهو الوحش، وطُبّق فنّ الاستعارة باستخدامه كلمة لغير ما نستخدمها عادةً.[١]

أركان الاستعارة

الاستعارة نوع من المَجاز اللغويّ في علم البلاغة، وهو يشابه بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي الآخر المختلف والذي تودّ إيصاله الجملة، ويتكوّن مما يأتي:[٢][١]

  • المُستعار منه: المعنى الأصلي الذي وُضعَت له العبارة أولاً، وهو “المُشبَّه به”.
  • المُستعار له: المعنى الفرعي الذي لم تُوضَع له العبارة أولاً وهو “المشبَّه”.
  • المُستعار: أي اللفظ المَنقول بين المُشبَّه والمُشبَّه به، أو هو وجه الشَّبَه أو العلاقة بينهما.
  • القرينة: هي التي تمنع من إرادة المعنى الحقيقيّ فتغيره، وهي إمّا لفظيّة وإمّا حاليّة تُبيّن الحال، ومثال ذلك قول الهذليّ:

وإذا المَنِيّة أنشبَت أظفارَها

أبصرتُ كلَّ تميمة لا تنفعُ

شبّه الشاعر المَنِيّة بحيوان مُفترِس له أظافر، وقد حذف المُشبَّه به هنا، والقرينة تمثلت في إثبات الأظافر للمَنِيّة،[٣] ومن أشهر ما ذُكر في الاستعارة من القرآن الكريم: (وَاشتَعَلَ الرَّأسُ شَيبًا)،[٤] فالمُستعار منه “المشبه به” هو النار، والمُستعار له “المشبه” هو الشَّيب، والمُستعار “وجه الشبه بينهما” هو فعل الاشتعال.[٥]

تدريب: حدّد\ي ركن “المستعار” في الاستعارة الموجودة في كلّ جملة من الجمل الآتية:
الجملة المستعار في الجملة
المَجْدُ عُوفيَ إذْ عُوفيتَ المستعار: (………………….)
أَقْسمتْ سيوفُهمْ ألا تُضيع حقًّا لهم المستعار: (………………….)
وإِذا السعادةُ لاحظتْك عيونُها المستعار: (………………….)
وفمُ الزمان تبسُّم وثناء المستعار: (………………….)
وعد البدر بالزيارة ليلاً المستعار: (………………….)

أصل الاستعارة

كانت العرب تستعير الكلمة فتضعها في مكان كلمة أخرى تشبهها، كأن تكون جزءاً منها، أو سبباً لها، كقول العرب: أصابَنا ربيعٌ باكرٌ؛ إذا أمطرت باكراً في فصل الربيع، ولكلِّ استعارة معنى حقيقيّ، وبيان مشترك بين المستعار، والمستعار له لا يُفهَم إلا بالاستعارة.[٦]

أنواع الاستعارة

توصَف الاستعارة بأنَّها حسنة وجميلة إذا كثُرت فيها أساليب البلاغة الفنية وتمّ بها بيان المعنى بشكل مختلف عن معناه الحقيقي الأصلي، وتوصَف بالقبح إذا خلت من أساليب البلاغة، ومثال ذلك قول الشاعر: أيا مَن رمى قلبي بسهمٍ فأنفَذا، والتعبير (أنفَذا) هنا هو استعارةٌ حسنةٌ لما فيه من بلاغة في وصف السرعة، وكذلك الأمر لو قال: (فأصابا) مثلاً لبلاغة تحقيق الإصابة، أما لو قال مثلاً: (فأدخلا)، لكانت استعارة قبيحة لأنَّها لا تحقِّق البلاغة في وصف السهولة والسرعة ولأنّها لا تشكل معنى مميزًا.[٧]

الاستعارة من حيث ذكر أحد أطرافها

تُقسَم الاستعارة من حيث ذكر أحد أطرافها إلى:[٨]

  • استعارة تصريحيّة: هي ما ذُكر فيها أو صُرِّح فيها بلفظ المُشبَّه به، ومثاله قول الله تعالى: (كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ لِتُخرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ)،[٩] فهنا كلمتا الظُّلُمات والنور جاءتا لتدلّان على الضّلال والنور، وهنا جاء المُشبَّه واضحاً لذا هي هنا تسمى استعارة تصريحيّة، والقرينة حاليّة لأنّها تُفهم من المعنى.[٨] وكقول المتنبي أيضًا في وصف سيف الدولة:

وأقبل يمشي في البساط فما درى

إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي

ففي هذا البيت، استُعِيرت لفظتا البحر والبدر (وهما المشبه به)، لتدلّا على كرم سيف الدولة ورفعته (وهو المشبه)، فالمشبه أيضًا واضح هنا.

  • استعارة مكنيّة: هي التي حُذِف فيها المُشبَّه به ورُمِز له بشيء من لوازمه،[٨] كقول الشاعر الخزاعيّ:

لا تعجبي يا سلم من رجل

ضحك المَشيب برأسه فبكى

شبه الشاعر هنا المَشيب وهو (الشَّيب) بإنسان يضحك، وقد حذف المُستعار منه (وهو المشبّه به الإنسان)، ورمز إليه بأمر من لوازم الإنسان أي يرتبط بالإنسان وهو (الضحك).

الاستعارة من حيث اللفظ

يقسِّم البلغاء الاستعارة أيضاً من حيث لفظها إلى:[١٠]

  • استعارة أصليّة: أي أن يكون اللفظ المُستعار اسماً جامداً غير مُشتقّ، مثل قول الشاعر:

عضَّنَا الدهر بنابه

ليتَ ما حلَّ بنابِهْ

شبه الشاعر هنا الدهر بحيوان مُفترِس، ثم حذف المُشبَّه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو العضّ، والدهر اسم جامد مشتق من “دَهَرَ”.

  • استعارة تبعيّة: هي أن يكون اللفظ المُستعار اسماً مشتقّاً، أو فعلاً مثل قول الله تعالى: (وَلَمّا سَكَتَ عَن موسَى الغَضَبُ)،[١١] فلفظة (سكت) مستعارة، وهي بدل كلمة انتهى، وقد شُبِّه الغضب بإنسان، ثمّ حُذِف المُشبَّه به وهو الإنسان، وقد رُمِز إليه بشيء من لوازمه وهو السكوت.

الاستعارة من حيث طرفيها

تقسَم الاستعارة من حيث طرفيها باعتبار المُلائِم -أي شيء يلائم المُشبَّه به-:[١٢]

  • الاستعارة المُرشحة: هي ما ذُكِر معها ما يلائم ويناسب المُشبَّه به بعد حذفه، ومثال ذلك قول الشاعر:

إذا ما الدّهر جرّ على أناس

كلاكله أناخ بآخرينا

معنى البيت أنَّ عادة الدهر تكدير العيش على الناس فيصيب أناساً بأذى ثمّ ينتقل ليصيب آخرين، وقد شبّه الدهر بجَمل إلا أنّه حذف المُشبَّه به (الجمل)، وأشار إليه بلفظ كلاكل، والذي يعني صدر الجمل، والقرينة هي تتمثل بالتأكيد أنّ للدهر كلاكل كما هي موجودة عند الجمل.

  • الاستعارة المُجرَّدة: هي ما ذُكر معها ملائم المُشبَّه أي (المُستعار له)، وعلى سبيل المثال، قَوْل: “رحم الله امرءاً ألجم نفسه بإبعادها عن شهواتها”، حيث شُبِّهت النفس بجواد يُكبَح، وحُذِف لفظ (الجواد)، ورُمِز إليه بشيء من لوازمه وما يتعلق به وهو (الإلجام).
  • الاستعارة المُطلَقة: هي التي خلت من ملائمات المُشبَّه والمُشبَّه به، أو هي أيضاً ما ذُكِر معها ملائمات المُشبَّه والمُشبَّه به معاً، ومثال ما خلت من الملائمات قول المتنبي:

يا بدر يا بحر يا غمامة يا

ليث الشرى يا حِمام يا رجل

المُشبَّه في البيت الشعري هو المَمدوح، والمُشبَّه به كلٌّ من البدر، والبحر، والغمامة، وليث الشرى، والحِمام، والقرينة هي النّداء، والاستعارة هنا خالية مما يلائم المُشبَّه والمُشبَّه به؛ لذلك سُمِّيت بالمُطلَقة.

الاستعارة المُفرَدة المُركَّبة

تُقسَم الاستعارة أيضاً إلى مُفرَدة ومُركَّبة، وفي ما يأتي بيان لكلٍّ منهما:[١٣]

  • الاستعارة المُفرَدة: هي التي يكون المُستعار فيها لفظاً مفرداً، كالاستعارة التصريحيّة والمكنيّة.
  • الاستعارة المُركَّبة: هي التي يكون المُستعار فيها تركيباً وليس لفظاً واحداً، وتُسمَّى بالاستعارة التمثيليّة، وهي تركيب استُعمِل في غير موضعه لوجود تشابه مع قرينة تمنع من تحقيق المعنى الأصليّ وتعطي معنى آخر، ومثال ذلك قول: (لا تنثر الدرّ أمام الخنازير!)، والمعنى الحقيقيّ هنا هو النّهي عن نثر الدرّ أمام الخنازير، إلّا أنّه يُقال مجازاً -أي بمعناه غير الحقيقي والمختلف- لمن يقدِّم النصيحة لمن لا يفهمُها، أو لا يأخذُ بها، وهنا شُبِّه من يقدِّم النُّصح لمن لا يفهمه، أو لا يعمل به، بمن ينثر الدرّ أمام الخنازير؛ إذ إنّ كليهما لا ينتفع بالشيء الثمين الذي أُلقِي إليه، والقرينة التي تمنع من وصول المعنى الحقيقيّ حاليّة وتُفهَم من سياق الكلام.

تدريب: حدّد\ي نوع الاستعارة في الجمل الآتية:
الجملة نوع الاستعارة
كشّر الزمان. (…………………..)
تطلعت إليها عيون الأمل (…………………..)
المعلمة نجمة نسير على نورها (…………………..)
فأمطرت لؤلؤًا من نرجس (…………………..)
أشرقت الأنوار بمجيئك (…………………..)

خصائص الاستعارة

تعتبر الاستعارة صفة من صفات البلاغة وفصاحة القول، فهي تعطي معانٍ كثيرة بألفاظ يسيرة وقليلة، ومن خصائصها التشخيص وبثّ الحياة في المعنى الجامد لتلوّنه وتمنحه رونقًا جديدًا وتبرز صورًا مختلفة له قد لا تخطر على بال السامع.[١٤]

إجراء الاستعارة

يُقصَد بإجراء الاستعارة تحليلها إلى عناصرها الأساسيّة التي تتألّف منها، ويشمل ذلك تحديد المُشبَّه، والمُشبَّه به في الاستعارة، ووجه الشَّبه، أو الصفة التي تجمع بين طرفي التشبيه (المُشبَّه والمُشبَّه به)، ونوع الاستعارة، وكذلك نوع القرينة التي تمنع من وصول المعنى الحقيقيّ، والمثال الآتي يوضِّح عناصر الاستعارة؛ إذ يقول ابن المُعتز:

جُمِع الحقّ لنا في إمام

قتل البخل وأحيا السماحا

في البيت استعارتان: الأولى في قتل البخل؛ حيث شُبِّهت كلُّ مظاهر البخل (وهي المُشبَّه)، بالقتل (وهو المُشبَّه به)، يجمع بينهما الزّوال، أما القرينة فهي البخل، والاستعارة تصريحيّة؛ حيث إنّ المُشبَّه به وهو القتل، مُصرَّحٌ به، أمّا الاستعارة الثانية ففي عبارة “أحيا السماحا”؛ حيث شُبِّه تجديد ما تلاشى من عادة الكرم (وهو المُشبَّه)، بالإحياء الذي هو (المُشبَّه به)، لوجه الشبه في الإحياء بعد العدم، والقرينة لفظيّة في كلمة السماحا؛ ولأنّ المُشبَّه به وهو الإحياء مُصرَّح به، فالاستعارة تصريحيّة.[١٥]

الفرق بين التشبيه والاستعارة

لا يُستعمَل التشبيه إلّا لغرضه المُستخدَم له في أصل اللغة، فلا يتغيّر فيه المعنى الحقيقي للجملة والذي الذي نودّ إيصاله للمتلقي، أمّا الاستعارة فهي تعليق الجملة والتغيير فيها لتصبح على غير ما يجب أن توصله للمتلقي، فنغير في لفظها ومعناها الحقيقي؛ لذلك فإنّ كلّ استعارة تتضمّن معنى التشبيه، بينما لا يعد كل تشبيه استعارة.[١٦]

المراجع

  1. ^ أ ب د. عبد العزيز عتيق (1985)، علم البيان، بيروت: دار النهضة العربية، صفحة 11، 173-175، جزء 2. بتصرّف.
  2. علي الكاتب (2003)، مواد البيان (الطبعة الأولى)، سورية: دار البشائر، صفحة 125. بتصرّف.
  3. د. عبد العزيز عتيق (1985)، علم البيان، بيروت: دار النهضة العربية، صفحة 180، الجزء الثاني. بتصرّف.
  4. سورة مريم، آية: 4.
  5. علي الكاتب (2003)، مواد البيان (الطبعة الأولى)، سورية: دار البشائر، صفحة 127.بتصرّف.
  6. علي الكاتب (2003)، مواد البيان (الطبعة الأولى)، سورية: دار البشائر، صفحة 129،126. بتصرّف.
  7. علي الكاتب (2003)، مواد البيان (الطبعة الأولى)، سورية: دار البشائر، صفحة 127-129. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت د. عبد الله النقراط (2003)، الشامل في اللغة العربية (الطبعة الأولى)، ليبيا: دار الكتب الوطنية، صفحة 156-157. بتصرّف.
  9. سورة إبراهيم، آية: 1.
  10. د. عبد الله النقراط (2003)، الشامل في اللغة العربية (الطبعة الأولى)، ليبيا: دار الكتب الوطنية، صفحة 156-157. بتصرّف.
  11. سورة الأعراف، آية: 154.
  12. د. عبد العزيز عتيق (1985)، علم البيان، بيروت: دار النهضة العربية، صفحة 186-191، جزء 2. بتصرّف.
  13. د. عبد العزيز عتيق (1985)، علم البيان، بيروت: دار النهضة العربية، صفحة 192-195، الجزء الثاني.بتصرّف.
  14. د. عبد العزيز عتيق (1985)، علم البيان، بيروت: دار النهضة العربية، صفحة 196-198، الجزء الثاني. بتصرّف.
  15. د. عبد العزيز عتيق (1985)، علم البيان، بيروت: دار النهضة العربية، صفحة 179-180، جزء 2. بتصرّف.
  16. علي الكاتب (2003)، مواد البيان (الطبعة الأولى)، سورية: دار البشائر، صفحة 124-125. بتصرّف.