ما معنى العقد
معنى العَقْد لغة
العَقْد لغة هو العَهْد؛ وهو اتّفاق بين طرفين، يلتزم كلاهما بما يقتضيه، ويُنفِّذان ما جاء فيه، وهو يُجمَع على عُقود،[١] ويُعرَّف العَقْد لغة أيضاً بأنّه الإحكام والقوَّة، فعندما يُقال: عُقِد الحبل من طرفَيه، فإنّ ذلك يعني أنّ كلّ طرف تمّ وَصْله بالطرف الآخر من خلال عُقدَة مُحكَمة، ويُقصَد بالعَقْد أيضاً عَقد البناء؛ ويَعنِي لَصْق الحجارة ببعضها البعض، والجدير بالذِّكر أنّ للعُقَد معانٍ عِدَّة، إذ إنّه على الرغم من تَعدُّدها، إلّا أنّها متشابهة وقريبة من بعضها، كما يُمكِن القول إنّ للعقد مَعنيَين، هما: المعنى المادِّي، مثل عَقْد الحبل، والمعنى المعنويِّ، كعَقْد البَيع، وعَقْد الزواج، وعَقْد اليمين.[٢]
والعَقْد لغة هو شدُّ الشيء وإحكامه، كما يعني الرَّبْط، والتوثيق، والالتزام، وله إطلاقان، أُوّلهما: أنّ لفظ العَقْد يُطلَق ويراد به الجَمْع بين الأجزاء، على أن يكون هذا الجَمع جَمعاً خاصّاً وبسيطاً، إمّا من جانب واحد، أو من جانبَين، مثل: عَقَد الحبل؛ فقد ورد في المصباح المنير: (عَقَدتُ الحبل عقداً، والعقد ما يُمسِكُه ويُوثِّقه، ومنه قيل عَقَدتُ اليمين)، كما ورد أيضاً في المعجم الوسيط أنّ في عَقد العَهد، وعَقد اليمين معنى التوثيق والتأكيد، كما جاء أنّ معنى عَقد طرفي الحَبل، هو: وَصْل أحد الأطراف بالآخر بعُقْدة تُمسِكه جيِّداً ويُحكَم وصلها.[٣]
وثانيهما: أنّ لفظ العَقد يُطلَق ويُراد به الإحكام والشدُّ، ومعناه هنا يدلُّ على الالتزام، وتنفيذ العهد، وقد يتَّسع مفهومه ليشملَ كلَّ ما يَعقِده المرء على نفسه من أمور البيع، والشراء، وأمور الإجارة، وأمور الطلاق، والتخيير، والتمليك، والمزارعة، ومُختلَف الأمور الأخرى، ما لم تكن خارجة عن حدود الشريعة، وقد وَرد عن الجصّاص في تعريف العَقد قوله: “العقد إذا كان في أَصْل اللغة: الشدِّ، ثمَّ نقل الإيمان والعقود وعقود المبيعات، ونحوها، فإنّما يريد به إلزام الوفاء بما ذَكره، وإيجابه عليه”.[٣]
معنى العَقد اصطلاحاً
للعَقد في اصطلاح الفقهاء معنيان؛ فهو إمّا أن يكون عامّاً، وإمّا أن يكون خاصّاً، إذ يُقصَد به في معناه العامّ أنّه كلُّ ما يَعقِده الشخص على نفسه؛ أي أن يُنجزَ بنفسه ما عَزَم عليه، أو ما يَعقِده على غيره ليُلزِمَه به، ومن الأمثلة على ذلك: عقود البَيع، وعقود النكاح، ومختلف عقود المُعاوضات (وهي العقود التي تعتمد على إنشاء التزامات مُتبادلة ومتقابلة بين العاقِدَين)،[٢][٤] وعَقد اليمين، وعقود الأمان، والنذور، ومُختلَف الأمور التي يُلزِم بها المرء نَفسَه لفِعْلها مُستقبلاً، فعلى سبيل المثال يكون الحالف في عَقد اليمين قد ألزَمَ نَفسَه بالوفاء فيما يتعلَّق بالأمر الذي حَلَف عليه.[٢]
أمّا العَقْد في معناه الخاصّ، فهو يعني: تعلُّّق كلام أحد العاقدين بالآخر شرعاً، على وجه يظهر أثره في محله، ويُمكِن القول إنّ العَقد في معناه الخاصّ: هو كلُّ أمر ينبثق عن إرادتَين لظهور الأثر الشرعيّ في محله،[٢] كما يُمكِن القول بأنّ العَقد عند الفقهاء إمّا أن يحتاج إلى وجودَ طرفَين في أحواله جميعها، بحيث يكون لكلٍّ منهما إرادة تَتَّفق وإرادة الآخر، كالبيع، والمزارعة، والزواج، والإجارة، وغيرها، وإمّا أن يكون عامّاً جدّاً، بحيث لا يحتاج إلى وجود طرفَين في أحواله جميعها، إذ قد يستوجبُ العَقد في بعض الحالات وجود الطرفَين، أو أن يتمّ من جانب واحد فقط، كالرغبة بالطلاق، واليمين؛ حيث يُلزِم المرء فيه نَفْسَه على تنفيذ أمر ما، سواء كان بإرادته وحده، أو بوجود إرادة أخرى تتَّفق وإيّاه.[٤]
معنى العَقد في القانون
يُعرَّف العَقد في القانون، بأنّه اتّفاق طرفَين، أو تطابقُ إرادتين أو أكثر؛ لإحداث أَثَر قانونيّ، سواء كان هذا الأثر يقضي بإنشاء التزام جديد، أو إنهاء التزام قديم، أو نَقْله، أو تعديله؛ فالعقد يُوجَد في نطاق القانون عموماً، ويدخل بشكل خاصّ في نطاق المعاملات الماليّة، مثل: عقود البيع والشراء، وعقود المُقاولة، وفي نطاق الأحوال الشخصيّة، كعَقْد الزواج مثلاً.[٢][٥]
أركان العَقد
للعَقد أركان ثلاثة لا بُدّ أن تَتوفَّر جميعها؛ ليكون العَقد صحيحاً، وهذ الأركان هي:[٦]
الإيجاب والقبول
ويُقصَد بالإيجاب والقبول الصيغة التي تصدرُ عن الطرفَين، والتي تدلُّ على إرادتهم الكاملة في إنشاء العَقد، والالتزام به، سواء كان مكتوباً، أم شفويّاً؛ ففي رأي الجمهور أنّ الإيجاب: هو ما يَصدُر عمّن يرغب بالتمليك وإن كان مُتأخِّراً، والقبول: هو ما يَصدُر عمن سيصبح المُلك له وإن كان مُبادِراً به، وقد وَرد عن الحنفيّة، أنّ الإيجاب: هو ما يَصدُر عن الطرف الأوّل، والقبول: هو ما يَصدُر عن الطرف الآخر بقَبوله ما أَوجبَه الطرف الأوّل.
وللإيجاب والقبول شروط، ألا وهي:
- وضوح الدلالة: فلا ينعَقِد العَقد إذا كان في الدلالة شكّ أو غموض، إذ يجب أن يكون كلٌّ من الطرفَين المُتعاقِدَين واضحَ الدلالة على مُراده.
- التوافُق بين القبول والإيجاب: ويُقصَد بذلك أن يكون القبول والإيجاب مُتَّحِدَين في موضوعهما.
- اتّصال القبول بالإيجاب: أي أن يكون الإيجاب والقبول في جلسة واحدة إن كان الطرفان حاضرَين، أو في مجلس يُعلم الطرف الغائب فيه بالإيجاب.
أمّا فيما يتعلَّق بالأمور التي تُبطِل الإيجاب والقبول، فهي كالآتي:
- رَفْض الإيجاب من الطرف الآخر، سواء كان صراحة أو ضِمناً.
- تراجُع المُوجِب عن إيجابه، وذلك قَبل أن يقبلَ الطرف الآخر بالإيجاب في المجلس نفسه.
- انتهاء مجلس العَقْد بالتفرُّق عنه من غير تصريح الطرف الآخر بالقبول؛ حيث إنّ الإيجاب يكون قائماً، ما دام المجلس مُنعقِداً، فإذا انتهى المجلس من دون التصريح، فإنّ مفعول العَقد يَبطُل.
- هلاك، أو حدوث تغييرات على محلِّ العَقْد قَبل قَبوله، حيث يُصبِح شيئاً آخر، مثلاً: يُصبِح الخلُّ خمراً قَبل قبوله.
- فَقْد المُوجِب أهليَّته قَبل قبول العَقْد، كأن يُصيبَه الجنون، أو يموت.
العاقدان
من أركان العَقد أن يكون هناك عاقدان، هما الطرفان اللذان يَصدرُ عنهما الإيجاب والقبول، وهنا يجب التنبيه إلى عدم صلاح الأفراد جميعهم لإتمام العقود؛ ويعود ذلك إلى أهليَّتهم ومقدرتهم على الولاية، فمن الناس من لا يصِحُّ قوله، أو لا يكون له اعتبار، ولا يترتَّب عليه أيُّ أَثَر، وهناك من تصِحُّ أقواله دائماً، ويكون لها أَثَر، كما أنّه لا بُدَّ أن يكون العاقد بالغاً، وعاقلاً، وأن يكون هناك طرفان على الأقلِّ لإتمام العَقد، وأن يريد العاقِد التعاقُد بشكل تامٍّ دون تَراجُع.
محلُّ العَقْد
ويُقصَد بمحلِّ العَقد الشيء المعقود عليه، وتَظهر عليه آثار العَقد، وأحكامه، ويختلفُ محلُّ العَقد باختلاف نوع العَقد؛ فقد يكون عَقد عمل، وقد يكون عيِّنة ماليّة، مثل بيع سيارة، أو يكون عَقد منفعة، مثل تأجير منزل سكنيّ، ويجدر الذِّكر أنّه لا يصلحُ أيُّ شيء لأن يكون محلّاً للعَقد؛ إذ إنّ هناك عِدَّة شروط يجب تَوفُّرها لصلاحيَّته، ومنها: أن يكون محلُّ العَقد قابلاً لحُكم العَقد شرعاً، كأن يكون مالاً مملوكاً لأحد الأطراف، وأن لا يُقبَلُ ما نَهى عنه الشرع، مثل: بَيع الميتة، ولحم الخنزير، والخمر، وغيرها، وأن يكون المعقود عليه معلوماً لطرفَي العَقد، وموجوداً، ومقدوراً على تسليمه أيضاًح فلا ينعَقِد العَقد في حال بَيع حيوان هارب مثلاً، أو سمك لا يزال في الماء، كما يجب أن لا يكون محلُّ العقد مَعِيباً.
أنواع العقود
للعقود عِدَّة أنواع، وقد تمَّ تقسيمها تِبعاً لمَحاوِر مُتعدِّدة، ومنها:[٤]
- العقود وِفقاً لتبادُل الحقوق فيها، ومنها:
- عقود التبرُّعات: وتعتمد في أساسها على المعونات، والمِنح، والتبرُّعات، مثل: الهبة، والإعارة.
- عقود المُعاوضات: وهي التي تعتمد في أساسها على إنشاء حقوق والتزامات مُتقابلة بين طرفَي العَقد، مثل: عقود البيع، والإجارة.
- العقود التي تأتي في معنى التبرُّع في البداية، والمعاوضة في النهاية: كالقَرْض، أو هِبة الثواب؛ وهي الهِبة التي تكون بشرط العِوَض.
- العقود وِفقاً للزوم وعَدَمه:
- عقود مُلزِمة لكلا الجانبَين: وهي العقود التي لا يكون لأحد من المُتعاقدين الحقُّ في فَسْخها بشكل مُنفرد، مثل: عَقْد البَيع، وعَقد السِّلم والصلح.
- عقود غير مُلزِمة للجانبَين: وفي هذه العقود يكون هناك حقٌّ لأحد الأطراف في فَسْخها، أو إبطالها بشكل مُنفرد، دون وجود شرط رضا الطرف الآخر، مثل: الوكالة، والوديعة، والشركة.
- عقود مُلزِمة لأحد الأطراف فقط: حيث تكون هذه العقود مُلزِمة لطرف واحد دون الآخر، مثل: الرَّهن، أو الكفالة؛ فالعَقد يكون مُلزِماً للكفيل، أو الراهن، وغير مُلزِم للمكفول، أو الدائن؛ إذ إنّ العَقد في هذه الحالة يكون لتوثيق حقِّه، حيث يحقُّ له أن يتنازلَ عن ذلك في أيّ وقت يشاء.
- العقود وِفقاً للغاية منها، ومنها:
- عَقد غايتُه الحِفظ: مثل الوديعة.
- عَقد غايتُه التوثيق: مثل: الكفالات، وعقود الرَّهن.
- عَقد غايتُه الاشتراك: مثل: المُضاربة، والمُزارعة، وعقود الشركات المختلفة.
- عَقد غايتُه التمليك: مثل الهِبة، والإجارة.
- عَقد غايتُه التفويض: مثل: الوكالة، والوصيّة.
- العقود وِفقاً لاستمراريَّتها، ومنها:
- عُقود مُستمِرّة: ويتطلَّب تنفيذها فترة من الزمن؛ تبعاً لموضوعها، مثل عقود الإجارة، والوكالة، والإعارة.
- عُقود فوريّة: حيث لا يتطلَّب تنفيذها مُدّة من الزمن؛ إذ يكون تنفيذها فوريّاً، وباستيفاء كلِّ عاقد ما يستحقُّه من العَقد، مثل: عَقد الصُّلح، والقَرْض، والهِبة، وعقود البَيع.
- العقود وِفقاً لصِحَّتها، ومنها:
- العَقد الصحيح: وهو العَقد الذي تَتوفَّر فيه الشروط والأركان المُعتمَدة لصِحَّته جميعها، بحيث تكون أوصافه سليمة لانعقاده شرعاً.
- العَقد غير الصحيح: وهو العَقد الذي يكون فيه ركن أو شرط مُعيَّن ناقصاً، أو أنّ هناك خللاً في الصيغة الخاصَّة به، أو في أيٍّ من الأمور التي تُؤثِّر في صحّته، وهو يُسمَّى بالعَقد الباطل، أو الفاسد.
- العقود وِفقاً لوجود اسم لها، ومنها:
- عقود مُسمَّاة: وهي العقود التي أقرَّ الشارع لها اسماً يدلُّ عليها، كما أنّ لها أحكامها الخاصّة، مثل: عقود البيع والشراء، وعَقد الهِبة، وعقد الزواج.
- عقود غير مُسمَّاة: وهي العقود التي لم يُقِرّ الشارع لها اسماً مُحدَّداً، مثل: عقود الطعام والشراب، وعقود الإقامة في الفنادق، وعقود النشر والإعلام، وعقود التأمين.
المراجع
- ↑ “تعريف و معنى عقد في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-12. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث ج أسيد صلاح عودة سمحان، عقد الصلح في المعاملات المالية (في الفقه الإسلامي)، صفحة 7-9. بتصرّف.
- ^ أ ب مفيدة خليل الصويت (2015)، أثر الإرادة المنفردة في إنشاء العقد و الالتزام (الطبعة الأولى)، جمهورية مصر العربية: مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، صفحة 15-16. بتصرّف.
- ^ أ ب ت أ. د. الحسين بن محمد شواط و د. عبدالحق حميش (2013-5-29)، “في العقد”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-13. بتصرّف.
- ↑ أ. عبدالامير جفات كروان موسى الشباني (2014-11-27)، “تعريف العقد وأنواعه”، www.law.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-13. بتصرّف.
- ↑ أ. د. الحسين بن محمد شواط و د. عبدالحق حميش (2013-6-5)، “أركان العقد”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-13. بتصرّف.