ما هو اليم

ما هو اليم

تُطلَق كلمة (اليمّ) في اللُّغة على البحر، وهي لا تُجمع جمع السالم، ولا تُثنّى، ولا تُكسَّر، وهي تعني: بُقعة من الأرض تكون ذات ماء مالحٍ، أو عَذب، وتكون أصغر حجماً من المحيط،[١] وقد قال الليث إنّ اليمّ بحر لا يُمكن للإنسان أن يُدرك قَعرَه، ويُقال: اليَمُّ لُجّته،[٢] وقال الزجّاج إنّه اسم يُطلَق على البحر الذي يكون ماؤه مالحاً جداً، كما يُطلَق على النهر الكبير الذي يكون ماؤه صافياً، وفي قصّة أُمّ موسى -عليه السلام- عندما ولدته، وخافت عليه من فرعون، وجُنده، أمرَها الله -تعالى- أن تضعَه في التابوت، ثُمّ تضع التابوت في اليَمّ؛ والمقصود به نهر النيل ذي المياه العَذبة في مصر، وقد جعل الله -تعالى- لهذا اليمّ ساحلاً؛ إذ قال: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ).[٣][٤]

اليَمّ في القرآن الكريم

المعنى البيانيّ لليَمّ في القرآن الكريم

وردت كلمة (اليمّ) في القُرآن الكريم مُرتبِطةً بمعاني الهلاك والعذاب، كما في قوله -تعالى-: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ)؛[٥] أي طرحناهم في اليَمّ؛ وهو البحر -كما تقدَّم-،[٦] كما جاءت في قوله -تعالى-: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)؛[٧] أي أغرقناهم في البحر الواسع الذي لا يُمكن لأحد إدراك قَعْره؛ وهو أحد معاني (اليَمّ) في اللُّغة -كما ورد سابقاً-،[٨] وغيرها الكثير من الآيات التي تُبيّن ارتباط كلمة اليمّ بالهلاك والنَّبذ، وعلى الرغم من أنّ كلمتَي (اليَمّ)، و(البحر) تتّفقان في المعنى العام الواسع، إلّا أنّهما تختلفان في المعنى الخاصّ؛ فكلمة (البحر) تُستخدَم مع النِّعَم والخير، بينما تُستخدَم كلمة (اليمّ) للنِّقَم والشرّ.[٦][٨][٩]

أمّا كلمة البحر، فقد وردت في القُرآن الكريم في الكثير من الآيات التي تُبيّن نِعَم الله -تعالى-، ومنها ما يأتي:

  • الهداية: إذ جاءت بهذا المعنى في قوله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)؛[١٠] أي تكون هدايةً لكم في حال اشتبهَت عليكم الطُّرق، وتحيَّرَت المَسالك.[٩]
  • الكرامة: إذ كرَّمَ الله -تعالى- الإنسان بتسخير البحر له، وقد ورد هذا المعنى في قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).[١١][١٢]
  • النجاة: وذلك بالنجاة من مَخاوف البحر، وأهواله، وصواعقه، والنجاة من ظُلمات البَرّ؛ وذلك في قوله -تعالى-: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).[١٣][١٤]

الأحداث المُتعلِّقة باليَمّ في القرآن الكريم

هناك العديد من الأحداث المُتعلِّقة بكلمة (اليمّ) في القرآن، ومنها ما يأتي:

  • إلقاء موسى في اليَمّ: رأى فرعون في المنام أنّ هُناك ناراً ظهرت من بيت المقدس، فأحرقت المصريّين، وبيوتهم، إلّا أنّها لم تَمسّ بني إسرائيل، ولَمّا استيقظ من نومه، جمعَ السَّحَرة والكَهَنة؛ ليسألَهم عن تفسير منامه، ففسّروه بولادة صبيٍّ من بني إسرائيل يكون هلاكُ المصريّين على يدَيه؛ فأمرَ فرعون بقَتل كلّ مَن يُولَد منهم من الذُّكور، ووُلِد موسى -عليه السلام- في تلك الفترة، فخافت أُمّه عليه، فأوحى الله -تعالى- إليها أن تضعه في تابوت، وتُلقيَه في اليَمّ، وأخبر الله -تعالى- عن هذه الحادثة بقوله: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي).[١٥][١٦] فحملَ الماء التابوت إلى بيت فرعون، والتقطته جواريه، وذهبْنَ به إلى امرأة فرعون التي كشفَت عنه الغطاء فإذا هو غلام جميل الوجه، ووقعت مَحبّته في قلبها، فلمّا رآه فرعون، أرادَ أن يقتله؛ خوفاً أن يكون ذاكَ الصبيَّ من بني إسرائيل، فطلبت منه زوجته أن يتبنّاه، ويتّخذاه ولداً؛ لعلّه يكون قُرّة عَينٍ لهما؛ إذ لم يكن لها أولاد، وهكذا تربّى موسى -عليه السلام- في بيت فرعون.[١٧]
  • غرق فرعون في اليَمّ: قرَّرَ نبيّ الله موسى -عليه السلام- الخروج من مصر؛ استجابةً لأمر الله، فلحقه فرعون؛ لقَتله، أو رَدّه إلى مصر، وكان موسى -عليه السلام- قد وصل إلى البحر، وفرعون خلفه؛ قال الله -تعالى- واصفاً المشهد: (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ)،[١٨][١٩] فانفلقَ البحر إلى نصفَين بينهما أرضٌ يابسة، فعَبَر موسى -عليه السلام- ومَن معه، وتَبِعه فرعون، فلَمّا خرج موسى -عليه السلام- ومَن معه من البحر، ضَرَبه بعصاه؛ فغَرِق فرعون ومَن معه.[٢٠]

المراجع

  1. “تعريف و معنى اليم في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-5-2020. بتصرّف.
  2. محمد حسن حسن جبل (2010)، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم (مؤصَّل ببيان العلاقات بين ألفاظ القرآن الكريم بأصواتها وبين معانيها) (الطبعة الأولى)، القاهرة: مكتبة الآداب ، صفحة 2015، جزء 4. بتصرّف.
  3. سورة طه، آية: 39.
  4. محمد بن أحمد بن الأزهري (2001)، تهذيب اللغة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي ، صفحة 460، جزء 15. بتصرّف.
  5. سورة القصص، آية: 40.
  6. ^ أ ب محمد محمد عبد اللطيف بن الخطيب (1964)، أوضح التفاسير (الطبعة السادسة)، مصر: المطبعة المصرية ومكتبتها، صفحة 474، جزء 1. بتصرّف.
  7. سورة الأعراف، آية: 136.
  8. ^ أ ب محمد محمد عبد اللطيف بن الخطيب (1964)، أوضح التفاسير (الطبعة السادسة)، مصر: المطبعة المصرية ومكتبتها ، صفحة 198، جزء 1. بتصرّف.
  9. ^ أ ب عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي (2000)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (الطبعة الأولى)، لبنان: مؤسسة الرسالة، صفحة 265. بتصرّف.
  10. سورة الأنعام، آية: 97.
  11. سورة الإسراء، آية: 70.
  12. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير أبو جعفر الطبري (2001)، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة الأولى)، مصر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 5، جزء 15. بتصرّف.
  13. سورة الأنعام، آية: 63.
  14. أبو البركات عبدالله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (1998)، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكلم الطيب، صفحة 511، جزء 1. بتصرّف.
  15. سورة طه، آية: 39.
  16. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (2001)، تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة الأولى)، مصر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 57، جزء 16. بتصرّف.
  17. حمدي غنيم سليمان السيد، قصة موسى عليه السام وفرعون مصر في القُرآن الكريم، صفحة 5-7. بتصرّف.
  18. سورة طه، آية: 78.
  19. أبو البركات عبدالله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي (1998)، تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكلم الطيب، صفحة 376، جزء 2. بتصرّف.
  20. عثمان بن محمد الخميس (2010)، فبهداهم اقتده (الطبعة الأولى)، الكويت: دار إيلاف الدولية للنشر والتوزيع، صفحة 374-376. بتصرّف.