الهجرة البيئية
نبذة عن الهجرة البيئية
يهاجر الناس عادة من موطنهم الأصلي إلى أماكن أخرى تبعاً للكثير من الأسباب، ويأتي على رأسها الهجرة القسرية هرباً من الحروب، والجوع، والاضطهاد، وكذلك الظروف البيئية المختلفة التي قد تحدث بشكل بطيء كالتغيّر المناخي، وارتفاع مستوى مياه البحر، والتصحّر، أو بشكل مفاجىء كالفيضانات، والانهيارات الأرضية.[١][٢]
تتنبأ التوقّعات وفقاً للأمم المتّحدة بأنّ أعداد المهاجرين بسبب الظروف البيئية قد يتراوح ما بين 25 مليون ومليار مهاجر بحلول عام 2050م، وبشكل عام فقد يبدو من الصعب فهم العلاقة بشكل دقيق بين الظروف البيئية وتأثيرها المباشر أو غير المباشر على الهجرة، إلّا أنّ فهم هذه العلاقة وما ينتج عنها أصبح حاجة ملحّة لمعالجة الظواهر البيئية السلبية كالتغيّر المناخي.[١][٢]
النظرة الدولية للهجرة البيئية
وفقاً لزيادة عدد الهجرات الناتجة عن التغيّر البيئي، فقد ظهرت العديد من المصطلحات المتعلّقة بالهجرة البيئية في إطار الاعتراف القانوني بها، ومن أهمّ هذه المصطلحات:[٣][٤]
- المهاجر البيئي: يُعرف المهاجرن البيئيون (بالإنجليزية: Environmental migrants) بحسب المنظمة الدولية للهجرة على أنّهم الأشخاص المغادرين لمواطنهم قسراً أو طوعاً بسبب التغيّرات البيئية التي تحدث بشكل مفاجىء أو تدريجي، والتي لها انعكاسات سلبية على حياتهم أو ظروفهم المعيشية، وقد تكون هذه الهجرة محلّية أو خارج حدود بلادهم، كما قد تكون مؤقّتة أو بشكل دائم.
- الشخص النازح بيئياً: جاء مصطلح الشخص النازح بيئياً (بالإنجليزية: Environmentally displaced person) للتعبير عن الشخص الذي هاجر داخل حدود بلده أو خارجها بسبب التدهور البيئي، وبحسب هذا التعريف من قبل المنظّمة الدولية للهجرة، فإنّ التدهور البيئي قد لا يكون الدافع الوحيد للهجرة.
- النزوح بسبب الكوارث: يُشير مصطلح النزوح بسبب الكوارث (بالإنجليزية: disaster displacement) بحسب مبادرة نانسن لعام 2015م إلى هجرة الناس قسراً، وهرباً من الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية أو تجنّباً لها، وقد يحدث النزوح داخل نفس البلد التي يقطنها المهاجرين أو خارجها.
- اللاجىء المناخي: يستخدم مصطلح اللاجىء المناخي (بالإنجليزية: Climatic Refugees) للدلالة على الشخص الذي يُغادر بلاده قسراً بسبب التغيّر المناخي بعيداً عن أسباب التغيّر البيئي العامة، وتنتقد بعض المنظّمات الدولية مثل: مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة على استخدام لفظ لاجىء لوصف المهاجر المناخي، فبحسب اتّفاقية جنيف التي عُقدت عام 1951م فإنّ مصطلح لاجىء يستخدم للتعبير عن الشخص الذي اضطرّ لمغادرة بلاده قسراً خوفاً من الاضطهاد، وفي حالة الهجرة البيئية لا يمكن وصف المهاجر على أنّه شخص يعاني من الاضطهاد، كما أنّه قد يغادر بلاده بشكل طوعي نتيجة تعرّضها لكارثة طبيعية، ولذا فإنّ هذه المنظّمات تفضّل استخدام مصطلح نازح لوصف المهاجر البيئي.
وفقاً للمنظّمة الأروبية والبرلمان الأوروبي فإنّ استخدام مصطلحات مُهاجر، أو لاجىء، أو نازح في سياق الهجرة البيئية قد يقود إلى نتائج قانونية مُختلفة، إلى جانب الاعتراف بأنواع جديدة من الحقوق، ولكنّ العالم اليوم بحاجة إلى إنشاء منظّمة قانونية في هذا السياق لتعريف الظواهر المستمرّة، وإيجاد حلول قانونية لها، والاتّفاق على التعريفات، وتحديد الفئات التي ستشملها، والفئات التي سيتمّ استبعادها.[٤]
تأثير الظروف البيئية على نوع الهجرة البيئية
تستجيب المجتمعات عادة بشكل مختلف للظروف البيئية، إذ يتأثّر نمط ونوع الهجرة سواء كان قسري أم اختياري، ومؤقت أم دائم بنوع الكوراث الطبيعية الحاصلة، فالكوارث الطبيعية المُفاجئة كالأعاصير والزلازل تُلزم سكان المناطق التي تعرّضت لها بالهجرة القسرية، كما أجبر إعصار هايان في الفلبين 4 ملايين مواطن على الهجرة، ويميل الناس في هذه الظروف إلى الهجرة المؤقّتة ثمّ العودة إلى موطنهم الأصلي عند انتهاء الكارثة لإعماره من جديد، أمّا في حالة الكوارث المتعلّقة بالتغيّرات البيئية التي تحدث بشكل تدريجي، وتظهر نتائجها السلبية على المدى البعيد، وتمتدّ آثارها لفترات طويلة على البيئة كالتصحّر والجفاف، فإنّ الأشخاص المُعرّضين لهذه الظروف السلبية يقفون أمام خيار الهجرة لتحسين ظروف معيشتهم، كهجرة المزارعين من المكسيك إلى الولايات المتّحدة الأمريكية بحثاً عن ظروف عمل أفضل، وتُحتّم على سكان هذه المناطق الهجرة بشكل دائم.[٤]
إنّ نمط الهجرة السائد بفعل الظروف البيئية غالباً هو الهجرة الداخلية، على الرغم من وجود بعض أشكال الهجرة الخارجية، وتُعدّ الباكستان من الأمثلة البارزة فيما يتعلّق بالهجرة البيئية، ففي الوقت الذي يُعدّ فيه المهاجرين الباكستانيين من بين أكبر أعداد المهاجرين في العالم بسبب الكوارث الطبيعية المفاجئة، سواء كان ذلك داخل حدود باكستان نفسها أو خارجها، إلّا أنّها تُعدّ في الوقت ذاته مكاناً مُهمّاً للنازحين القادمين من أفغانستان والصومال هرباً من الظروف البيئية السيّئة.[٤]
الجوانب المتعلّقة بالهجرة البيئية
تتعدّد الصفات والسمات التي ترتبط بالهجرة البيئية، وفيما يأتي بعض من أهمّ الجوانب المحيطة بالهجرة البيئية:[٥]
- تمتاز الهجرة البيئية بأنّها غالباً ما تكون داخلية، أي أنّ انتقال المواطنين من منطقة إلى أخرى سيبقى تحت مظلّة الحماية الفانوينة لنفس الدولة، دون اللّجوء إلى طلب الحماية من دولة أخرى أو على المستوى الدولي.
- الهجرة البيئية ليست قسرية أو إجبارية دائماً، وخصوصاً تلك الناتجة عن التغيّرات البيئية التي تحدث بالتدريج، ممّا يعطي الفرصة للدول والمنظّمات لتصبّ جهودها على مسائل إدارة الهجرة وعقد الاتّفاقيات.
- صعوبة أو استحالة عزل الأسباب البيئية والمناخية في بعض الأحيان، وذلك لعدّة أسباب إنسانية، وسياسية، واجتماعية، واقتصادية، ممّا يؤدّي إلى اتّخاذ إجراءات قانونية غير واقعية، وبعد فترات زمنية طويلة.
- قد ينعكس إنشاء وضع خاصّ بالمهاجرين المتأثّرين بالوضع البيئي سلباً على الحلول المقترحة لحلّ هذه المشكلة، كاستثناء بعض الفئات من الحماية المخصّصة لهؤلاء المهاجرين، وخصوصاً الفقراء منهم الذين قد تكون هجرتهم نتجت عن العديد من الأسباب، ممّا يجعل من الصعب لهم إثبات ارتباط التغيّر المناخي والبيئي بهجرتهم.
- قد تكون فكرة إنشاء اتّفاقية جديدة متعلّقة بالهجرة البيئية عملية طويلة سياسياً، وقد لا ترغب جميع الدول بالمشاركة بها، على الرغم من وجود العديد من المبادرات والاتّفاقيات التي ظهرت لإدارة الهجرة البيئية، كالميثاق العالمي للهجرة، والحوار الدولي بشأن الهجرة، ومبادرة نانسن التي اهتمّت بمعالجة الثغرات في الحماية المقدّمة للنازحين بفعل الكوارث، وقد أدّت هذه المبادرات في النهاية إلى وضع وثيقة تقترح تحديد سياسات للهجرة بدلاً من إنشاء وضع خاصّ بالمهاجرين.
- يجب الانتباه إلى عدم إغفال التدابير الوقائية في مجال الهجرة المناخية وعلاجها، إذ إنّ الهدف الأساسي الآن هو الاستثمار في الحلول البيئية والمناخية لتجنّب تهجير الناس من مواطنهم قسراً في المستقبل.
- تُشجّع منظّمة الهجرة الدولية استخدام القوانين الموضوعة مسبقاً في سياق الهجرة البيئية، بما في ذلك قوانين حقوق الإنسان، والقوانين المتعلّقة بالهجرة الداخلية وإدارة الكوارث، وغيرها.
- يُعدّ النهج القائم على حقوق الإنسان مفتاحاً أساسياً لحلّ مشكلة الهجرة البيئية، إذ إنّ على دول المهاجرين الأصلية أن تتحمّل مسؤولية حماية مواطنيها، حتى وإن لم تكن هي المسؤولة عن مشكلة التغيّر المناخي والبيئي.
- قد توفّر وسائل الهجرة المنتظمة الحماية لمهاجري التغيّر المناخي والكوارث الطبيعية، وذلك من خلال تسهيل إجراءات الانتقال وحركات الهجرة الدولية استجابة للظروف البيئية، إلى جانب الحماية المؤقّتة، والإذن بالإقامة.
أمثلة على حوادث أدّت إلى الهجرة البيئية
أبرز تحليل أُجري عام 2004م على ظاهرة الاحتباس الحراري والهجرة البشرية عدداً من الأمثلة الواضحة للدوافع والحوداث التي أدّت للهجرة البيئية، ومن أبرزها:[٦]
- ظهور الفترة المعروفة بقصعة الغبار (بالإنجليزية: Dust Bowl) في أمريكا الشمالية بسبب الإفراط في الأنظمة الزراعية، وذلك في ثلاثينيات القرن التاسع عشر الميلادي.
- جفاف بحيرة آرال (Lake Aral) في آسيا الوسطى، والذي نتج بشكل رئيسي عن تحويل مسار المياه لاستخدامها من أجل مشاريع الري للمناطق الزراعية الكبيرة في الاتّحاد السوفييتي.
- جفاف منطقة الساحل الأفريقي، ممّا أدّى إلى تحول المنطقة من أراضي جافّة إلى مناطق معرّضة للخطر.
- انتشار ظاهرة النزوح الريفي في العديد من دول العالم الصناعية وغير الصناعية، وغالباً ما ترتبط هذه الظاهرة بانخفاض الأمن الاقتصادي، والتغيّر المناخي.
- التصحّر، والجفاف، والحرب، وانعدام الاستقرار الاقتصادي والسياسي في شبه الجزيرة الصومالية، ممّا نتج عنه انعدام البنية الأمنية.
المراجع
- ^ أ ب Francesco Bassetti (22-5-2019), “Environmental Migrants: Up to 1 billion by 2050”، www.climateforesight.eu, Retrieved 19-6-2019. Edited.
- ^ أ ب “Environmental Displacement and Migration”, www.eli.org, Retrieved 19-6-2020. Edited.
- ↑ “Environmental Migration”, www.migrationdataportal.org,10-6-2020، Retrieved 19-5-2020. Edited.
- ^ أ ب ت ث Lucia Carbonari, Irene Fisco, Cies Onlus, and others, “Environmental Migrants”، www.sameworld.eu, Retrieved 19-6-2020. Edited.
- ↑ Dina Ionesco (6-6-2019), “Let’s Talk About Climate Migrants, Not Climate Refugees”، www.un.org, Retrieved 20-6-2020. Edited.
- ↑ Jacob Park (13-7-2011), “Environmental Migrants: More than Numbers”، www.ourworld.unu.edu, Retrieved 20-6-2020. Edited.