مفهوم الثقافة والطبيعة في الفلسفة
مفهوم الثقافة والطبيعة في الفلسفة
إن الحديث عن مصطلحي الطبيعة والثقافة في الفلسفة يقودان إلى ضرورة الكشف والتعريف بالروابط والفروقات التي تخلقها العلاقة بين المفهومين من الناحية النظرية والعلمية، وذلك من خلال الوقوف عند حدود كلّ مفهوم والنظر إلى معناه ومقصده الفلسفي.
مفهوم الطبيعة
يُستخدم لفظ الطبيعة لوصف مجموعة غير محددة من الموجودات المادية التي نشاهدها في حياتنا اليومية مثل الحقول، والأنهار، والوديان، والجبال، وغيرها، كما يُطلق لوصف الحالة المزاجية والسلوك الإنساني القائم كأن نقول: هذا شخص غير طبيعي، أو لوصف شيء معيّن نلاحظه أمامنا كقولنا هذه مادة صناعية، أو هذا منتج غير طبيعيّ، مع أنَّ مفهوم الطبيعة يحمل معنى الفطرة كما ورد في المعاجم العربية وعلى لسان العرب.
في المصطلح الفرنسي فإن الكلمة مشتقة من Physis الإغريقية و Natura اللاتينية، وهي تعني القدرة على النموّ الكامنة في جميع الأشياء أيّ القوّة الموجودة والحاضرة فيها، وهي القدرة التي يجد الإنسان ذاته فيها بشكلٍ دائم مثل الكواكب، والنجوم، والأرض، والسماء؛ لأنها كلها ضمن الطبيعة، إلا أنَّ هذا المفهوم مختلف كلياً عمّا ورد عن أفلاطون وأرسطو حيث وجد كل منهما أنّ طبيعة شيء ما هو فكرته أو شكله وما ماهيته أي جوهره.
بشكلٍ عام الطبيعة لم تتدخل في الفعاليات والممارسات الإنسانية، بل بقيت على حالها الأوّل سواء كان خارجياً أي فيزيائياً أو داخلياً بيولوجياً ممّا يؤدي إلى وجود عالمين هما العالم الإنساني والمادي.
مفهوم الثقافة
يوجد تعريفات ومفاهيم مختلفة تتعلق بالثقافة، لكن جميعها يتفق بشكلٍ عام بأنّ العملية الثقافية هي منهج تعليمي يسمح للإنسان بالتكيف مع الوسط الطبيعي المحيط به، وتتجسد الثقافة في المؤسّسات، وطرق التفكير، وجميع الأشياء العادية، بينما يرى الفيلسوف تايلور أنّ الأشياء الثقافية المركّبة في حياتنا التي تشمل المعتقدات، والأخلاق، والفن، والقوانين، والتقاليد، وجميع الأعراف والعادات المكتسبة هي الثقافة بحد ذاتها، أي أنَّ الثقافة هي أساليب السلوك التي يُمكن اكتسابها من خلال التعليم والتلقين.
التمييز بين السلوك الإنساني الطبيعي والثقافي
تناول بليز الباحث الانثربولوجي موضوع الثقافة والطبيعة لرصد وتوضيح بعض أنواع السلوك المشترك لدى أفراد المجتمع ومقارنتها مع الأنواع الأخرى، وبيان الفروق والتشابهات بين الطبيعة والثقافة مبرزاً أنّه رغم انتماء الإنسان إلى العالم المادي أي عالم الطبيعة إلا أنه يستطيع خلق أنماط جديدة من السلوكيات المتنوّعة في حياته التي تعتبر مظهراً من مظاهر الثقافة، حيث تميّز بين السلوك الحيواني النمطي الثابت والسلوك الإنسان المكتسب والمتجدد.
إذا كان مفهوم الطبيعة يحمل بعداً بيولوجياً ومفهوم الثقافة يُحيل إلى كل ما يتم اكتسابه وتعليمه، فإن كلود ليفي ستراوس شرح حالتي الطبيعة والثقافة فرأي أنّ حالة الطبيعة هي كل ما يوجد في الإنسان بسبب الإرث البيولوجي، بينما حالة الثقافة هي مجموع المعارف والأنماط المعيشية التي لا تدخل في طبيعة الإنسان الأولى.