مفهوم الرواية التاريخية

الرواية

أبدع الإنسان في العديد من المجالات البصريّة، والسمعيّة، والحركيّة، واحتلّ الإبداع المكتوب والمقروء مكانةً خاصّة في الحضارات المختلفة بتنوّع لغاتها، وذلك لما يُقدّمه من صورة للحضارات القريبة والبعيدة والتي تُعبّر عن المجتمع في مراحل تطوّره المتعدّدة، وتُعدّ الرواية إحدى الأجناس الأدبية الكبرى في العالم الحديث بعد أن تطوّرت عن العديد من الأشكال الأدبية الأخرى كالحكي والقصّ الشعبيّ والأساطير.

إنّ الرواية التاريخيّة هي من أشكال الرواية الحديثة التي تُعبّر بشكل أكثر مباشرة عن الواقع التاريخيّ ونقاط التحوّل لدى المجتمع والإنسان من خلال إعادة سرد التاريخ وإعمال خيال الروائي في الأحداث، وتمتدّ جذور الرواية التاريخية العربية إلى الحكايات الشعبية والسير والأساطير التي دوّنت في فترات توّسع الدولة الإسلاميّة، ثمّ عادت لِتُكتب بالشكل الحديث بعد انتقال فنّ الرواية إلى اللغة العربيّة في القرن التاسع عشر.

مفهوم الرواية التاريخيّة

تعريف الرواية التاريخية

حاول العديد من النقاد وضع تعريف دقيق للرواية التاريخية، إلّا أنّ التعريفات الدقيقة في الدراسات الإبداعيّة والإنسانية بصفة عامة يُعدّ أمراً صعباً، لذا فقد جرى الاتفاق على أنّ الرواية التاريخيّة عمل فنيّ يتّخذ من التاريخ مادة للسرد، ولكن دون النقل الحرفيّ له؛ حيث تحمل الرواية تصوّر الكاتب عن المرحلة التاريخيّة وتوظيفه لهذا التصوّر في التعبير عن المجتمع أو الإنسان في ذلك العصر، أو التعبير عن المجتمع في العصر الذي يعيشه الروائي ولكنه يتخّذ من التاريخ ذريعة وشكلاً مغايراً للحكي.

تطور الرواية التاريخية

يُقبل القرّاء على الرواية التاريخيّة بصفةٍ خاصّة لما يحمله التاريخ من خيال وقدرة على إثارة ذهن ومشاعر القارئ، خاصّة إن كان التاريخ متقاطعاً مع اهتمامات القارئ أو هوّيته الثقافيّة، وقد لاقت الرواية التاريخيّة نجاحاً منذ ظهورها في القرن التاسع عشر في بريطانيا بعد كاتبها الروائي الاسكتلنديّ والتر سكوت العديد من الأعمال الأدبيّة التاريخيّة.

امتدّ تأثير الروايّة التاريخيّة من اللغة الإنجليزيّة إلى اللغتين الفرنسيّة والروسية؛ حيث كتب في فرنسا كلّ من ألكسندر دوماس الأب، وفيكتور هوغو العديد من الروايات التي تناولت المواضيع التاريخيّة في تلك الفترة المضطربة من تاريخ أوروبا، وفي روسيا وضع ليو تولستوي رواية الحرب والسلام التي مثّلت ملحمة كبرى تتحدّث عن الحرب الفرنسيّة الروسية ومحاولة احتلال نابليون لروسيا، وتُعدّ تلك الرواية من أعظم الروايات التاريخيّة قاطبة حسب أغلب النقاد في العصر الحديث، أما الرواية التاريخيّة العربية فقد ارتبطت بعدة عوامل أثّرت في تطوّرها، أبرزها تيار مقاومة الاحتلال ومحاولة تذكير الروائيين للقراء بأمجاد الأمّة، وقد بدأ جرجي زيدان طريق الرواية التاريخية العربيّة، وبرز فيها من بعده توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، وجمال الغيطاني.