مفهوم اللاوعي في الفلسفة

اللّاوعي

يُستخدمُ مفهوم اللاّوعي في علم النّفس لوصفِ بعض العمليّات العقليّة والتصوّرات والأفكار والمشاعر التي تنشأ لدى الفرد دونَ إدراكٍ منه، وكانت أولى الدراسات العلميّة التي أجريت لإثبات وجود عمليّات عقليّة فاعلة داخل العقل البشريّ غير مُدرَكة، وهي دراسة العالم الفرنسيّ “جان مارتن شاركو” مع تلاميذه، والتي أجريتْ في القرن التاسع عشر للميلاد، حيث درسوا اللاّوعي من خلال التنويم المغناطيسيّ.

في تلك الدّراسة تحقّق العلماء والأطبّاء أنّ العديد من الذين يعانون من الأمراض العقليّة كالهوس والهستيريا كانوا تحت تأثير أفكار ومشاعر اللاّوعي، ومن هنا ظهر الطبيب النمساويّ سيجموند فرويد الذي أدرك بشكلٍ واضح أهميّة تلك المشاعر والأفكار في علم النّفس البشريّ، وقام على إثرها بتطوير طريقة التحليل النفسيّ.

مفهوم الّلاوعي في الفلسفة

اللّاوعي هي صفةُ الشّخص المجرّد بشكلٍ تامّ عن الوعي، ويمكن أن تصف حال الشخص الأرعن بالكامل، إضافةً لهذا فهي صفة الإنسان غير الواعي؛ لما يتطلّبه أو يعنيه ظرفٌ معيّن خاصّ. في التاريخ الفلسفيّ تعرّض العديد من الفلاسفة والمفكّرين لهذا المفهوم اللاّوعي، الذي اكتُشف من قبل سيجموند فرويد، وأُطلق عليه: اللاّوعي.

افترضَ لايبنز وجود تصوّراتٍ دقيقة موازية للظّواهر التي يعيها الإنسان، وأطلق مين دو بيران على تلك الظّواهر اسم: التصوّرات الغامضة، والتي ليس بالإمكان إدراكها من خلال الفكر، أو تلك التي تنبثق عن مبدأ ميتافيزيقيّ والتي من خلاله تنطلقُ منه أفكار بعض الأشخاص، وقد اعتقدَ شوبنهاور ذلك، فيما أطلقَ عليها نيتشة اسم: الحالات الخاصّة.

غير أنّ الذي أعطى هذا المفهوم بُعده الحقيقيّ هو سيجموند فرويد، والذي تحوّل بعدها إلى بعدٍ كونيّ، وذلك من خلال الصّياغة الدقيقة التي قام بها لهذا المفهوم الذي انبثق بالأساس من خلال الممارسة العلاجيّة له، والذي اكتسح المنظور التقليديّ للسلوكيّات وللنّفس الإنسانيّة.

يجبُ التّعاطي مع مفهوم اللاّوعي بصرامة، من منطلق أنّ تلك الأفكار والمشاعر تتكوّن ممّا لا يمكن إدراكه في حالة الوعي، كالتصوّرات والرغبات المكبوتة بسبب أنها مرفوضة وغير مقبولة من منظور الوعي الاجتماعيّ أو الأخلاقيّ، الأمر الذي يجعل تلك العناصر المرفوضة والمكبوتة تحتفظ بنوع غريب من الطّاقة، وهنا يجب فهم اللاّوعي كظاهرةٍ ديناميكيّة بشكلٍ أساسيّ، أي أنّ اللاّوعي يسعى بشكلٍ دائم إلى تمرير التصوّرات التي لا يمكنُها الوصول إلى الوعي أو بدايته، ما لم تتحوّل خاصّةً إلى أحلام، وبهذا فإنّها تتّخذ شكلَ صفةٍ أو مظهراً مقبولاً أخلاقيّاً واجتماعيّاً.

تعتبر ظاهرة اللاّوعي عصيّة عن الوعي، وهذا الأمرُ بالنسبة لفرويد يعبّر عن الواقع العميق الذي يستحيل إدراكه من قبل الإنسان بسبب التفاعلات النفسيّة، أمّا التفكير التقليديّ فيرى أنّه بوسعِ الفرد السيطرةُ بشكلٍ كامل على سلوكيّاته وأفكاره، ومن هذا المنظور فإنّ اللاّوعي الفرويديّّ يعتبر خرقاً للفكر التقليديّ الذي لا يمكن تجاوزه، لأنه في حال تجاوزها سيتمّ تجاهل ما يحدّد شخصيّة الفرد ومسار حياته، وبالتّالي تجاهل كلّ ما يمكن أن يرسخ في اللاّوعي عنده، والذي يتميّز بتجاوزه للزمان؛ كونَه أحدَ آثار صدمة ربما تعرّض لها في طفولته، الأمر الذي يجعل منها حالةً مرضيّة في المستقبل.