مفهوم الوعي فلسفياً
مفهوم الوعي فلسفياً
يتميّز الإنسان عن غيره من المخلوقات بامتلاكه للوعي بكل ما يدور حوله وما يعيش معه سواء في الطبيعة أو في الحياة الاجتماعيّة وهذه ميزة تخصّه دون سواه من المخلوقات الحية، كما أنّ الوعي يحدد للشخص رأياً خاصاً وموقفاً محدداً تجاه الظواهر التي تحصل أمامه، فالوعي عبارة عن ردّة فعل الشخص تجاه جميع الأمور والظواهر الطبيعيّة التي يتعرّض لها، كما أنّه قدرته على التعامل والتآلف والتعايش مع هذه الظواهر.
يفسّر الوعي بكونه مجموع ما يتكوّن لدى الشخص من الأفكار الخاصّة، ومفاهيم الحياة التي يملكها، وبشكل عام هو ناتج عن جميع المفاهيم الحياتيّة في مختلف المجالات سواء كانت تلك الجوانب متساوية أو متنافرة ومتصارعة بالكامل في عملية تطوّر الحياة، ومن الممكن أن يكون وعي الشخص زائفاً ولا صحّة له، ويتعرّض الشخص لهذه الحالة عندما يكون من ذوي وجهات النظر والمفاهيم التي لا تتطابق مع الواقع المادي للحياة التي يعيشها والتي من حوله، ومن الممكن أن يكون الوعي زائفاً عندما تكون الأفكار التي يتبناها الشخص ووجهات نظره ومفاهيمه ليست واقعية، بل إنها لا تتابع حركات التطور والتجدد في الواقع في جميع مراحله وأزمانه.
حالات الوعي لدى الأشخاص
- في بعض الحالات يكون الوعي مجرد وعي جزئي، وذلك ناتج عن كون الأفكار ووجهات النظر التي لدى الإنسان تقتصر على أحد الجوانب المعينة في الحياة، أو أنها تقتصر على مستوى حياة معين ولا تشمل جميع مناحي الحياة، والجوانب المتعددة لها، والمستويات التي تكون مترابطة برغم اختلافها، كما أن هذه المستويات تؤثر على بعضها البعض في عمليات التطوّر الحياتيّة.
- في حالات أخرى يكون الوعي الذي يملكه الشخص وعياً طبقياً محدداً بمصالحه الوقتية الطبقية، ومن الأمثلة التي توضّح معنى هذا النوع وعي الشخص الإقطاعي بضرور استمراره لاستغلال الفلاحين بدون الأخد بعين الاعتبار عن ما هي مصلحه الفلاحين، أو أن يهتم الفلاحين والعمال بأهمية تحرّرهم من استغلال الإقطاعيين لهم ووعيهم بأهمية التحرر من هذا الاستغلال بهدف حصولهم على كافة حقوقهم بدون مراعاة حقوق الإقطاعيين.
- فيما يخص الوعي الإنساني المتقدم والشامل، فهذا النوع من الوعي هو فهم الشخص للأفكار ووجهات النظر والمفاهيم التي تجعل مصلحة الإنسان فوق كل اعتبار، كما أنّها الوحيدة من أصناف الوعي التي تتطابق بالكامل مع الواقع المادي والموضوعي، وهذا الوعي يتطور بشكل مستمر بشكل يوكب التطور الذي يحدث في الواقع، وهذا التطور غير محدود بأي تعصب منهجي، أو تعصب قومي، أو عنصري، أو ديني متطرف، ولا أي شكل من أشكال التعصب الطبقي القصير النظر، ولا يرتبط هذا الوعي بالأهداف والمصالح المادية العابرة، بل يكون هذا النوع عبارة عن شعور إنساني يسيطر على صاحبه وعلى أفعاله بكاملها، وهو ما يدفع الشخص لتكوين حياة حرّة وكريمة تليق به ككائن حي عظيم الشأن، وعلى الرغم من كون الوعي لدى الشخص يتكون نتيجة للتأثر بالعوامل المادية في الحياة، إلا أنّه من الممكن أن يتكوّن نتيجة لبعض فترات الانتقال التاريخيّة التي يتطوّر فيها المجتمع بكامله.