مفهوم الدولة فلسفياً
مفهوم الدولة فلسفيّاً
تُعتبر البداية الأولى لمفهوم الدولة عائدة لطبيعة العلاقة بين الطبيعة والفرد؛ حيث إنّ الإنسان وجد ليعيش ويجد ذاته وجهاً لوجه مع الطبيعة، وإنّ حتميّة الصراع بين الإنسان والطبيعة موجودةٌ، لأنّ الفرد بطبيعته يريد تسخير هذه الطبيعة لمصلحته، وهنا ينتهي به التفكير إلى فلسفة الحكم والتي تعتبر فصولاً من حكمة الفرد وحيرته عبر حكومة الإنسان.
يقول المفكّر والفيلسوف (جان جاك روسّو): (سبب البؤس الإنسانيّ هو التناقض بين الإنسان والمواطن، فإمّا أن نعطيه كلّه إلى الدولة أو ندعه كلّه لذاته).
قضايا التنمية وبناء الدولة
اتفق المختصّون والباحثون على أنّ الدولة التي لا تقوم باعتماد دستورٍ واسعٍ وشاملٍ وخالٍ من الثغرات تبقى مهدّدةً في كثيرٍ من أركانها ومفاصلها الرئيسيّة، الأمر الذي يسمح بتسلّل الفساد إلى تلك الأركان.
قد تكون بعض المواد الدستوريّة هي نفسها البؤرة لتشريع أنظمة وقوانين لا تتلائم مع عادات المجتمع وتقاليده وطبيعته بشكلٍ عام، الأمر الذي يفضي في مرحلة لاحقة إلى نهش جدار المجتمع والدولة عبر إحداث ثغراتٍ سلبيّة، وذلك تأسيساً لأخطارٍ آنية ومستقبليّة، وهنا تكون فكرة الشعب من المسائل الأساسيّة المهمّة في دراسة فلسفة الدولة؛ حيث إنّ الفئة الاجتماعيّة أو المجموعات البشريّة عنصرٌ مهم من عناصر الدولة، لأنها هي الوسط الذي تمارس الدولة سلطتها فيه.
فكرة الدولة
يوجد دوماً في كافة الفئات الاجتماعيّة أفراد يحكمون وآخرون محكومين، حيث كان شغل التفكير الإنساني على الدوام هو إيجاد تبرير لهذا التمييز، حيث إنّ السلطة تبدأ من الأسرة، فالطفل يشعر بسلطة الأب، وهنا تتسع هذه الدائرة بالتدريج وصولاً إلى سلطة الدولة، وهنا يأتي البحث عن العوامل التي تساعد بعض الأفراد في التمكّن من الوصول إلى السلطة دون غيرهم ليصبحوا حكّاماً بعدها.
كان الطريق للإمساك بالسلطة في المجتمعات البدائيّة يعتمد على القوّة البدنيّة للفرد، لكنّ هذا الأمر تطوّر لاحقاً إلى القوّة العسكريّة؛ حيث إنّ القبض على زمام السلطة يعتمد بشكلٍ رئيسي على القوّة العسكريّة التي ستوصل الفرد في نهاية المطاف إلى وضع حدٍ لهذا الحكم، بسبب عدم توافر الظروف السليمة للسلطة، وهذا الأمر يحدث غالباً في المجتمعات البدائيّة، بحيث يكون الحكم فيها دكتاتوريّاً، أما في حال ظهور هذا الأمر في مجتمعاتٍ متحضّرة، فهذه إشارة إلى تدهور وانحطاط هذا المجتمع.
نظريّات نشأة الدولة (العقد الاجتماعي)
من أهم نظريّات نشأة الدولة هي نظريّة العقد الاجتماعي، وهذه النظريّة تصف حالة المجموعات البشريّة عندما تحكمها قيادة أو سلطة عليا أو حاكم أو أي شكلٍ من أشكال ممارسة السلطة أو السياسة.
ابتدأت هذه النظريّة منذ الأزل في مجالاتٍ عدّة، بدءاً من ظهور فلسفات أفلاطون وسقراط، حيث تمّت لاحقاً بلورتها من خلال دراستها على شكل نظريّةٍ علميّة قام بها عدد من علماء الاجتماع، من بينهم جون لوك وتوماس هوبز وجان جاك روسّو، وقد ظهرت لاحقاً انعكاسات هذه النظريّة بوصفها محرّكاً لأحداثٍ سياسيّة – كالثورة الفرنسيّة – التي ابتدأت من فرنسا وامتدّت منها إلى أنحاء أوروبا، وقد غيّرت تلك الأحداث مجرى التاريخ بأسره.
تمّ توجيه انتقادات لهذه النظريّة لأنّ النشوء الرئيسي للدولة كان من إرادة الأفراد أثناء تقييمهم لتلك الدولة بشكلٍ أو آخر؛ فالإنسان هو الخالق للسلطة بحيث إنّها لا تفرض عليه، وقد أوضح المفكّر الفرنسي (جورج برودو) بأنّ وجود التمييز بين الحاكم والمحكوم لا يكوّن دولة، ويرى الدكتور منذر الشاوي بأنّ فكرة الشعب هي من المسائل الأساسيّة المهمّة في دراسة فلسفة الدولة على اعتبار أنها عنصرٌ مهم من عناصر تلك الدولة، لأنها الوسط الذي تمارس الدولة سلطتها فيه.