تعريف بشار بن برد

نسب بشار بن برد وتسميته

هو بشار بن برد بن بهمن بن أذركند بن بيبرسان. ولم تُذكر سلسلة نسبه بشكل كامل إلا في ديوانه. وقد كان بشار بن برد يفتخر دائماً بأنه من سلالة ملوك فارس، فأبوه هو بُرد بن بهمن ولم يُعرف اسمه قبل الإسلام على وجه التحديد، وذلك لأن العبيد كانوا يُكنَّوا ببُرد عند العرب، حيث إن والده قد سُبي وأصبح مملوكاً لبني عقيل، وتزوّج من امرأة عند بني ملهب.
وُلِد بشار بن برد في [[أين تقع محافظة البصرة|البصرة] عند بني عقيل في سنة 96 وترعرع بها، وكانت مالكته من بني عقيل قد أعتقته بعد وفاة والده، حتى أصبح يُقال له بشار العُقيلي، وقد تنقّل بين مناطق عدة، ثم استقر في بغداد إلى أن مات فيها.[١]

كان بشار يُكنّى “بأبي معاذ”، ولُقّب أيضاً بالمرعث، وذلك لأنه كان يضع حلقاً من الذهب في أذنه، وذلك لروايتَين إحداهما تقول إن والدته فقدت الكثير من الأولاد، مما جعلها تضع في أذن صغيرها حلقاً إيماناً منها أنه يُطيل العمر، والرواية الثانية تقول إن من عادات الفرس ثقب أذن المملوك حتى لقّبوهم بمثقوبي الأذن، فانتقلت هذه العادة إلى العرب وقام بها من ملكوا بشار بن برد.[١]

صفات بشار بن برد

اتصف بشار بمجموعة من الصفات التي تميزه عن غيره، حيث كان ضخماً، طويل القامة، جاحظ العينين، قبيح الخلقة أعمى. وقد رُويت في قصة فقدان بصره عدة روايات، منها ما يقول إنّ أمه ولدته أعمى، ومنها ما يقول إنه أصيب بمرض الجدري عندما كان صغيراً مما تسبب في فقدان بصره بعد ذلك، ومما يؤيد الرواية الثانية أن بشار قد وصف الأشياء وصفاً حقيقاً ودقيقاً في شعره يُبعد عن فكر قارئه أنه أعمى.[٢]

وكان له أسلوبه الخاص في إلقاء الشعر، فتراه يصفق بكلتا يديه ويتنحنح ويبصق عن يمينه وشماله ثم يبدأ بإلقاء الشعر. وكان معروفاً عنه خلقه السيئ ومجاهرته بالمعاصي وحبه للذات وفحش كلامه، إذ إنه كان يصف النساء دون أي حياء بعد جلسات السكر الماجنة.[٢]

كان بشار حاد المزاج، وكانت لديه نزعة من التمرد والثورة، ذا قلب شجاع لا يأبه بأحد، عنيداً في رأيه لا يكترث إلى المخاطر، فصيح اللسان، غزير الشعر، عميق الفكرة. وقد كان الناس يشكوه إلى والده عندما كان صغيراً بسبب شِعره، فيضربه ضرباً مبرحاً إلى أن يرق قلبه على ابنه، لكن بشار لم يكن يبالي. وعُرف أيضاً بتلوّنه ومناصرته للخلفاء على حسب مصلحته الخاصة؛ فتارة يناصر الدولة الأموية ويمدح آخر خلفائها وهو مروان بن محمد، ثم تتغير آراؤه ليمدح الدولة العباسية ويهجوا الأمويين.[٢]

معتقدات بشار بن برد

اهتم الناس في القرون الأولى للإسلام بعقائد أصحاب الشُّهرة، فكانوا يبحثون عن مذاهبهم وإيمانهم. فكان بشار بن برد من الشعراء الذين اتُّهموا بالزندقة في ذلك الوقت، حيث كانت هنالك علاقة تجمعه مع واصل بن عطاء شيخ المعتزلة، إذ كان يحضر حلقات النقاش التي يقيمها واصل بن عطاء في البصرة مع الذين يعتنقون المجوسية والدهرية والهندية، إلا أنّ خلافاً نشب بين بشار وواصل شيخ المعتزلة، وذلك لأنهم يؤمنون بالرجعة أي عودة الإمام المختفي، وبأن الإنسان يخلق أفعاله. فأعلن بشار معارضته بما يعتقدون به؛ لأنه لا يؤمن الإ بالمحسوس، مما أدى ذلك إلى طرده من البصرة.[٣]

كان من الناس من اتهم بشاراً بالزندقة، ومنهم من اتهمه بالكفر والإلحاد، ومنهم من اتهمه بكراهية العرب، وذلك لأنه كان يفاخر ويمجّد أصوله الفارسية كثيراً، فتراه يقابل من يحقّر نسبه العجمي بالافتخار بالعجم، ويقابل من يحقّره من العرب بالافتخار بولائه إلى مُضَر.[٤]

ولكن ما ظهر في شعره أنه كان مسلماً، ويوجد في قصائده ما يشير إلى أنه التزم بأركان الإسلام من صلاة وصيام وحج، لكنه كان كثير الاستهزاء في قالب من المجون والهزل جعل الناس يحقدون عليه ويكيدون له، وينسبون إليه ما ليس به. وهذا ما جعله يرحل إلى حرّان حيث بدأ بمدح الخليفة هناك إلا أنه لم يحصل على ما يريد، فرحل ثانية إلى العراق وأخذ يمدح الخليفة مروان بن الحكم فأعجب به وبشعره،[٤] حتى عاد إلى البصره بعد وفاة عمر بن عبيد خليفة واصل، حيث كانت حركات من الثورة تنشأ في الدولة، ومنها ثورة العلويين سنة 145، فاصطف بشار بجانب ثورة العلويين ومدح زعيمها بقصيدة ميمية، إلا أن والي البصرة عمل على قمع ثورة العلويين، مما جعل الشاعر بشار بن برد ينظم قصيدة في مدح ولاة البصرة، ويستدل البعض بذلك على تلوّنه وميله مع من يرى فيه مصلحته.[٣]

خصائص وسمات شعر بشار بن برد

يعتبر بشار بن برد من الشعراء المجدِّدين في العصر العباسي حيث تميز شعره بمجموعة من السمات:[٣]

  • تميزت أشعاره بالمزج ما بين القديم والحديث، والبداوة والحضارة، والحكمة والخلاعة، وفضّل البحور القصيرة إلى جانب البحور الطويلة مع الحفاظ على البنية الشكلية للقصيدة كما هي بمعانيها.
  • استوعب بشار بن برد تداخل الحضارات وامتزاج الأجناس بعضها ببعض، مما انعكس على أسلوبه الشعري باستخدام الألفاظ القريبة من الناس بعبارات سهلة الحفظ دون تبذّل لغوي، فكانت أشعاره تعتمد على عمق الفكرة وعنصر المفاجأة.
  • برع بشار بن برد بالتصوير الفني رغم فقدان بصره، حيث كان يصف الأحداث وصفاً واقعياً دقيقاً يعجز عنه المبصرون.
  • إن قصائده الغزلية حسّية تخدش الحياء، فوصف أحوال الغرام بتفاصيلها؛ وذلك لحبه للمجون والخلاعة، على الرغم من عدم معرفة إن كان الحب لديه تصنعاً أم أنّ الغرام قد ألهب قلبه بالفعل.
  • الهجاء في أشعاره كان واضحاً، فقد كان يستخدمه كسلاح ذي حدَّين، إما كتصفية حسابات شخصية مع خصومه، وإما لمصلحة شخصية تُكسبه مالاً، وذلك بالتهديد والتخويف من الوقوع في هجائه.

قطوف من أشعار بشار بن برد

كان بشار بن برد من الفصحاء، كثير الشعر، حيث ذكر بنفسه أن له اثني عشر ألف قصيدة، ما بين الغزل والفخر بأصوله والهجاء والوصف.[٥]

ومن أبيات الفخر بأصوله قال:

أنا ابن ملوك الأعجمين تقطَّعت
عليَّ ولِي في العامِرِين عِمادُ
أنا المرعَّثُ لا أخفى على أحدٍ
ذرَّت بي الشمسُ للقاصي وللدَّاني
قَالَتْ عُقَيْلُ بنُ كَعْبٍ إِذْ تَعَلَّقَهَا
قلبي فأضحى به من حبها أثرُ

وفي الغزل قال:

هل تعلمين وراءَ الحُبِّ مَنْزِلَةً
تدني إليك فإنَّ الحبَّ أقصاني
فاذكري حلفتي أقارفُ أخرى
يومَ زكَّى تلكَ اليمينَ البكاءُ
يَوْمَ لا تَحْسَبِي يَميني خِلاَباً
بِيَمِينِي تُوَقَّرُ الأَحْشاء
إِذا أسفرت طاب النعيم بوجهها
وشبه لي أن المضيق فضاء

وفي رثاء أصدقائه قال:

كان لي صاحباً فأودَى به الدّهر
وفارقتُه عليه السَّلامُ
بَقِيَ الناس بعدَ هُلْك نَدامايَ
وقوعاً لم يشعروا ما الكلامُ
كيف يصفو ليَ النعيم وحيداً
والأخلّاء في المقابر هام
نَفِسَتْهم علي أمُّ المنايا
فأنامَتْهُم بعنُفٍ فناموا
لا يغِيضُ انْسِجَامُ عيني عليْهمْ
إِنما غايةُ الحزين السِّجَامُ

وفاة بشار بن برد

مات بشار بن برد مقتولاً في زمن الخليفة المهدي، إذ كان من الخلفاء الذين لا يتساهلون في أمور العقيدة والتشكيك فيها، فأمر الخليفة المهدي جنوده بشن حملة على الزنادقة، وكان من ضمنهم الشاعر بشار بن برد، وذلك بسبب الضغائن التي حملها عليه، بعد وشاية الناقمين على بشار وهجائه للخليفة المهدي، إذ جاء يوم وكان بشار فيه سكران فاندفع يؤذن قبل موعد الصلاة، فغضب المهدي من ذلك وأمر بضربه بالسوط، فضُرب سبعين مرة حتى مات، ودُفن في البصرة.[٣]

ذكر الصفدي في كتابه أن بشاراً مات وهو يبلغ من العمر قرابة تسعة وتسعين عاماً، وقيل إنه توفي في السبعين من عمره، لكن الرأي المتفق عليه أن بشاراً قد توفي وقد جاوز السبعين، وتأكد ذلك قصيدته التي جاء فيها:[١]

وحسْبُك أَنِّي منذ سِتين حِجَّةً
أكيد عفاريت العدى وأكادُ

يقال إنّ في تشييع جثمانه لم يخرج أحد سوى أمة أعجمية سوداء كانت تصيح: واسيداه! وذلك لأنّ الناقمين عليه كُثر بسبب حسد أو هجاء، فلم يبقَ له أصدقاء في البصرة إلا وقد هجاهم بشار أو اتقوا شرّ لسانه فابتعدوا عنه.
فعندما توفّي فتّش في كتبه فلم يجدوا ما كانوا قد اتهموه به، إلا ما كتبه في آل سليمان يقول فيهم: (كنت أريد أن أهجو آل سليمان بن علي لبخلهم، فتبين أن هنالك قرابة تجمعهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمتنّعت، إلا أنني قلت:[٦]

دينار آل سليمان ودرهمهم
كَالْبَابِلِيَّيْنِ حُفَّا بِالْعَفَارِيتِ
لا يوجدان ولا يرجى لقاؤهما
كَمَا سَمِعْتَ بِهَارُوتٍ وَمَارُوتِ

المراجع

  1. ^ أ ب ت الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (2007)، ديوان بشار بن برد ، الجزائر: وزارة الثقافة الجزائرية، صفحة (8-16) جزء 1. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (2007)، ديوان بشار بن برد ، الجزائر: وزارة الثقافة الجزائرية، صفحة (17-23)، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث كريم الأسدي (31-5-2016)، “بشار بن برد بتجديده”، www.diwanalarab.com، اطّلع عليه بتاريخ 12-2-2018. بتصرّف.
  4. ^ أ ب الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (2007)، ديوان بشار بن برد ، الجزائر: وزارة الثقافة الجزائرية، صفحة (30-39)، جزء 1. بتصرّف.
  5. نظرات في ديوان بشار بن برد (1983)، د.شاكر الفحام (الطبعة الثانية)، دمشق: مطبوعات مجمع اللغة العربية ، صفحة 11، 12، 14، 52، 55.
  6. الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، ديوان بشار بن برد ، الجزائر: وزارة الثقافة الجزائرية، صفحة (40-42)، جزء 1. بتصرّف.