ما هي قصص القرآن

تعريف قصص القرآن

تُمثّل القصص القُرآنيّة ما ورد من الأخبار عن الأُمَم السابقة؛ سواء قصص الأنبياء، أو الأحداث الأُخرى؛ إذ وردت فيه أخبار كثيرة عن الماضي، وعن الأُمَم، وتتبّعَ أخبارَهم، وما كانوا عليه في حياتهم،[١] وتتنوّع القصص القُرآنيّة بحسب الهدف منها؛ ويتمثّل بالعِبرة والعِظة؛ فالإنسان يَتَّعِظ بِمَن سَبَقه، وبحسب نوعها أيضاً، وبناءً على ما تقدَّم، يمكن تعريف القصّة القُرآنيّة بأنّها: كلامٌ مُعجزٍ من حيث نَظمه المُشتمِل على الأحداث، والأخبار السابقة في عهد النبوّة؛ بقَصد العِبرة والعِظة.[٢]

أنواع قَصص القرآن

وردت القَصص في القُرآن الكريم على عدّة أنواعٍ، وقد اختُلِف في تقسيمها، وتفريعها، وبيان ذلك آتياً:

  • التقسيم الأوّل: وذهب إليه الشيخ منّاع القطّان في كتابه (مباحث في علوم القُرآن)، وفيه أنّ القصّة في القُرآن الكريم جاءت على أنواعٍ ثلاثة، وهي: قصص الأنبياء وما واجهوه في دعوتهم إلى الله من تصديق وتكذيب الناس لهم، وفي ذلك بيانٌ لمُعجزاتهم، كقصّة نوح، وموسى، ومُحمد -عليهم الصلاة والسلام-، والقصص التي تتحدّث عن أحداثٍ سابقة، أو أشخاص لا يُعَدّون من الأنبياء، كقصّة ابنَي آدم، وأهل الكهف، وغيرهم، والقصص التي تتحدّث عن الأحداث التي وقعت في زمن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، كقصّة غزوة بدر، وقصّة الإسراء والمعراج، وغيرها.[٣]
  • التقسيم الثاني: ذهب خليل بن عبد الله الحدري إلى أنّ القصص في القُرآن تُقسَم إلى نوعَين؛ الأوّل: قصصٌ مُشاهَدة؛ وهي التي حدثت في زمن النبوّة، كالغزوات، حتى وإن كانت غيبيّة لِمَن بَعدهم، والثاني: قصصٌ غيبيّة؛ إمّا مُتعلِّقة بالأنبياء، أو غير الأنبياء، أو الأُمَم السابقة، أو الكلام عن قصص غيبيّة حاضرة، كالملائكة، والجنّ، أو أُمور غيبيّة مُستقبَليّة، وهذه القصص تتنوّع بحَسب الهدف منها، والموضوع الذي تُبيِّنُه؛ فتكون أحياناً قصيرة؛ من خلال العَرض السريع لأحداث القصّة، أو طويلة، كقصّة نبيّ الله يوسف -عليه السلام-؛ من خلال التفصيل فيها؛ إمّا بمَشهدٍ واحد، أو في عدّة سورٍ وأجزاء.[٤]

سِمات قَصص القرآن وخصائصها

سِمات قَصص القرآن

تُعَدّ القصّة القُرآنيّة كلام الله -تعالى-، ولذلك تمتاز بعدّة سِماتٍ، منها ما يأتي:[٥]

  • أحسن القصص: وقد جاء بيان هذه السّمة في قوله -تعالى-: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)،[٦] وتتمثّل هذه السِّمة بالأُسلوب، والتصوير الفنّي، والإعجاز، والأخلاق، والصِّدق من غير زيادةٍ، أو نُقصان، والدلالات العقديّة، والعلميّة، والدعويّة.
  • أصدق القصص: وقد وردت هذه السِّمة في قول الله -تعالى-: (إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ۚ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)،[٧] وهي تتمثّل بالمضمون، والمُحتوى، والموضوعات، وكُلّ ما ورد فيه، كقصّة نبيّ الله عيسى -عليه السلام-، والتي تُبيّن ولادته من غير أب، وتكلُّمَه في المَهد، وعبوديّته لله -تعالى-.

خصائص قَصص القرآن

للقصص القُرآنيّ العديد من الخصائص التي تُميّزها عن غيرها من القصص، ومنها ما يأتي:[٨]
  • الربّانية: وذلك من حيث المصدر؛ فهي وَحيٌ من عند الله -تعالى-، لا يأتيها الباطل، ولا النَّقْص، وهذه الخاصّية باقيةٌ إلى قِيام الساعة.
  • الثبات: وذلك من حيث ثبات مُقوِّماتها الأساسيّة؛ فلا تتغيّر بتغيُّر الحياة، وتكون مُنضبِطةً بمُقوِّمات الإسلام.
  • الشُّمول: وذلك من حيث شمولها لمُتطلَّبات الحياة وشُؤونها جميعها.
  • التوازُن: وذلك من حيث تحقيق التوازُن في العمل للدُّنيا، والآخرة؛ لقول الله -تعالى-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).[٩]
  • الواقعيّة: وذلك من حيث تعامُلها مع الواقع، وما يحصل فيه، بعيداً عن التصوُّرات الوهميّة التي لا وجود لها، وعن الأساطير التي يخترعها الإنسان في خياله.
  • الإيجابيّة: وذلك بالحَثّ على العمل في شؤون الحياة جميعها، مع عدم التغافُل عن الآخرة، وأداء حَقّ الأمانة في التعامُل مع الآخرين.
  • الخُلو من الدلالات والإيحاءات: وذلك لأنّها تأتي مُباشِرة، وواضحة في بيانها العِبرةَ المُراد توضيحها.
  • التوزيع العادل للمَشاهد في القصّة: وذلك بالتركيز على الشيء المُراد بيانه؛ سواء كان شخصاً، أو حَدَثاً، أو غاية.
  • التعبير الفنّي العجيب: وذلك من حيث تنوُّع الأساليب حسب الشخص المُخاطَب؛ فالأسلوب مع الأنبياء يختلف عنه مع العامّة، وأسلوب الخطاب مع الرجال يختلف عنه مع النساء، وهكذا.

أهداف قصص القرآن

ذكرَ الله -تعالى- القصص في القُرآن لأهدافٍ كثيرة، ومنها ما يأتي:[١٠][١١]

  • الدلالة على التوحيد، وهو أهمّ هدف لها، كقصص الأنبياء مع أقوامهم، وبيان قدرة الله -تعالى- المُطلَقة في الخَلق، كقصّة آدم -عليه السلام-.
  • تثبيت النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ومَن معه على الحقّ، وحَثّهم على الصبر فيما يجدونه من أذى؛ قال -تعالى-: (وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ).[١٢]
  • بيان الحُكُم في الاختلاف الذي يُمكن أن يقع في قصص التوراة، والإنجيل.
  • الإقناع وإقامة الحُجّة على كلّ مَن خالف دعوة الأنبياء، والردّ عليهم.
  • بيان أُصول الدعوة؛ من خلال بيان شرائع الأنبياء، وتصديقهم، وتخليد ذِكرهم.
  • بيان ما كَتَمه أهل الكتاب من الهُدى.

مَنهج القصص في القرآن

للقصّة القُرآنية مَنهج مُختلف عن القصص الأُخرى؛ لأنّها تُركّز على أغراض دينيّة، وأهدافٍ سامية، ويكون ذلك من خلال مجموعة من المظاهر، وهي كما يأتي:[١٣]

  • الاقتصار في القصّة على الغاية المقصودة منها؛ وذلك بالتقليل من ذِكر الأحداث التاريخيّة، كقصّة أصحاب الكهف؛ إذ لم تذكر القصّة تاريخهم، أو تاريخ أقوامهم، أو نَسَبهم، أو غير ذلك.
  • تقديم النصيحة والعِبرة للناس من خلال القصّة، وهو من المظاهر الواضحة والعامّة في قصص القُرآن الكريم جميعها، كقصّة أصحاب الكهف؛ إذ إنّها قدّمت النصيحة والمَوعظة من خلال أحداثها.
  • العَرض التقريبيّ؛ وذلك من خلال طَرح القصّة بأُسلوب قَصصيّ مُشوِّق، وعدم ذِكرها، أو سَرْدها فقط.
  • التنوُّع في مُقدِّمات القصص، والبَدء بالمَشاهد التي تلفت أنظار الناس إليها؛ لتشويق القارئ، وتركيز اندماجه فيها.
  • العَرض التمثيليّ؛ وذلك من خلال إظهار بعض المَشاهد، وإخفاء بعضها الآخر؛ لإفساح المجال للعقل؛ للتخيُّل.

الحِكمة من تكرار قصص القرآن

تتكرّر بعض القصص في القُرآن في كثير من السُّوَر، والآيات؛ من حيث التقديم والتأخير، وغير ذلك؛ ولهذا التكرار العديد من الحِكَم، ومنها ما يأتي:

  • بيان إعجاز القُرآن، وبلاغته، وقدرته على التمكُّن من النفس، كما قد يختلف المقصود امن القصّة في كلّ موضع منها.[١٤]
  • تنوُّع الفوائد، والأخبار؛ إذ تذكر كلّ سورة القصّة بطريقة تختلف عن السورة الأُخرى.[١٥]
  • إثبات وحدانيّة الله -تعالى-، والنبوّة لجميع الأنبياء -عليهم السلام-.
  • الاعتبار بقُدرة الله -تعالى-، والخوف من عذابه.
  • التسرية عن نفس النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، والتعهُّد له بالنَّصر؛ تأسِّياً بغيره من الأنبياء.

القِيَم التربويّة في قصص القرآن

قصَّ الله -تعالى- في القُرآن الكثيرَ من القصص، وهذه القصص وسيلةٌ للتربية؛ وذلك من خلال توجيهها؛ لإصلاح الفرد، والجماعة، ولِما فيها من عِظةً وعِبرة، كما أنّ فيها اكتساباً للأخلاق الفاضلة من قصص الأنبياء، كقصة يوسف -عليه السلام- التي تُؤكّد على أهمية العِفّة وكَبح الشَّهوة، وقصّة ابنة النبيّ شُعيب -عليه السلام- التي تؤكّد على الحياء والوقار، وهكذا في قصص القُرآن الكريم جميعها.[١٦]

المراجع

  1. محمد أحمد محمد معبد (2005)، نفحات من علوم القرآن (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام ، صفحة 106. بتصرّف.
  2. معروف سعاد، القيم التربوية في قصص سورة الكهف، صفحة 8-9. بتصرّف.
  3. مناع بن خليل القطان (2000)، مباحث في علوم القرآن (الطبعة الثالثة)، السعودية: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، صفحة 317.
  4. علي عبد الظاهر علي (2017)، القصة المعلمة: فن التدريس بالقصة (الطبعة الاولى)، مصر: دار عالم الثقافة ، صفحة 43-45.
  5. صلاح الخالدي (1998)، القصص القرآني (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 29-31، جزء 1. بتصرّف.
  6. سورة يوسف، آية: 3.
  7. سورة آل عمران، آية: 62.
  8. “خصائص القصص القرآني”، http://quranic.uobabylon.edu.iq/، 17-4-2011، اطّلع عليه بتاريخ 13-7-2020.
  9. سورة القصص، آية: 77.
  10. عبد الراضي محمد عبد المحسن، الغارة التنصيرية على أصالة القرآن الكريم، السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 110-112. بتصرّف.
  11. محمد أحمد محمد معبد (2005)، نفحات من علوم القرآن (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار السلام ، صفحة 107. بتصرّف.
  12. سورة هود، آية: 120.
  13. محّمد سَعيد رَمضان البوطي (1999)، من روائع القرآن – تأملات علمية وأدبية في كتاب الله عز وجل، بيروت: موسسة الرسالة ، صفحة 195-204. بتصرّف.
  14. أحمد عمر أبو شوفة (2003)، المعجزة القرآنية حقائق علمية قاطعة، ليبيا: دار الكتب الوطنية، صفحة 209. بتصرّف.
  15. مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار، شرح مقدمة التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (الطبعة الأولى)، السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 79-80. بتصرّف.
  16. عبدالواحد المسقاد (16-4-2017)، “القصص القرآني عبرة وتربية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-6-2020. بتصرّف.