دروس وعبر من قصة يوسف
سورة يوسف
تعتبر سورة يوسف من السور المكية التي أنزلت في الفترة المكية للدعوة الإسلامية، وهي سورةٌ عظيمة بما اشتملت عليه من الدروس والعبر الكثيرة، فقد تناولت تلك السورة العظيمة جوانب مهمة من حياة نبي الله يوسف عليه السلام، حيث تطرقت إلى مرحلة الابتلاء والامتحان التي مرّ بها يوسف عليه السلام وصولاً إلى مرحلة التمكين والعزة، وفي هذا المقال سنذكر أبرز الدروس والعبر المستفادة من هذه السورة الكريمة.
أبرز الدروس والعبر في قصة يوسف عليه السلام
- كتمان الأسرار: فحينما أخبر يوسف عليه السلام أباه برؤياه التي رآها في منامه أخبره يعقوب عليه السلام بألّا يحدث إخوته بها حتّى لا يضمروا نيةً سيئة اتجاهه، فقد علم يعقوب عليه السلام أنّ أخوته يغارون منه بسبب تفضيله ومحبته الشديدة له، وما قد تبعثه تلك الغيرة في قلوبهم من الحقد والضغينة.
- العدل في التعامل مع الأولاد: على الرغم من إيمان يعقوب عليه الصلاة والسلام إلّا أنّ محبته ليوسف جعلته يميزه عن إخوته وذلك ما سبب البغضاء والشحناء التي أوغرت صدر أخوته عليه فكادوا له وأرادوا أن يقتلوه، إلى أن قرروا أن يجعلوه في غيابة الجب.
- الصبر والثبات على الحق: فقد صبر يوسف عليه السلام صبراًُ عظيماً حينما ألقاه إخوته في الجب، كما صبر على كيد امرأة العزيز وما حاكته ضده من المؤامرات التي انتهت بوضعه في السجن، حيث لبث فيه بضع سنين، ولم تُفتر تلك المحن عزيمة يوسف عليه السلام الذي ظل ثابتاً على الحق والمبدأ.
- الحفاظ على رسالة الدعوة إلى دين الله تعالى: لم ينس يوسف عليه السلام الدعوة إلى دين الله تعالى حتّى في أشد لحظات حياته وأحلكها، ففي السجن وحينما جاءه رفقاء السجن يسألونه تعبير رؤياهم استفتح حديثه إليهما بدعوتهما إلى عبادة الله وحده، وترك الإشراك به، وهذا يدل على شغف يوسف عليه السلام بالدعوة إلى دين الله تعالى، كما في قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام مخاطبا رفيقي السجن: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف: 39].
- تبرئة النفس من التهم: يجب الحصول على شهادة البراءة من التهم التي قد تطال الإنسان في حياته، فقد دخل يوسف عليه السلام إلى السجن بسبب كيد النسوة، فصبر على ذلك كله لأنّه يعلم بأنّه مظلوم وأنّ الله ناصره ومؤيده ولو بعد حين، ولكن ما أهمّ يوسف عليه السلام حينما أمر الملك بإخراجه من السجن أن تعلن براءته أمام الملأ حتّى تنجلي الصورة وتظهر الحقائق التي أخفيت من قبل، فكانت النتيجة أن اعترفت امرأة العزيز بخطئها وأنّها هي التي راودت يوسف عن نفسه، فخرج من السجن بصورةٍ ناصعة البياض بريئاً من التهم.
- التمكين لا يأتي إلّا بعد الامتحان والابتلاء: فقد مرّ عليه السلام بكثيرٍ من المحن المؤلمة فاجتازها بقوة إيمانه وصبره حتّى كانت جائزته عند الله التمكين له في الأرض حينما أصبح مقرباً من الملك وتولى منصب رئيس خزائنها.
- أن العين حق: وأنّه يجوز للإنسان أن يتبع منهجاً في الحياة يدفع عنه أذى العين وشرورها، فقد قال سبحانه وتعالى على لسان يعقوب عليه السلام: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [يوسف:67]، فعلى الرغم من أنّ سيدنا يعقوب عليه السلام كان مثالاً ونموذجاً في التوكل على الله تعالى والإيمان بقضائه وقدره إلّا أنّ ذلك لم يمنعه من أن يأخذ بالأسباب التي يمكن أن تدفع الشر والأذى عن أبنائه الذين كان جمالهم مظنة الحسد ووقوع شر العين.
- طلب العون من الناس: يجب الاستعانة بالناس بما يحقق مصلحة الإنسان في دنياه ويرفع عنه الضرر والظلم، فسيدنا يوسف عليه السلام وعلى الرغم من إيمانه بالله تعالى إلّا أنّه استعان برفيق السجن حينما قال له: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِكَ)، فكان نتيجة ذلك أن تذكر الرجل ما طلبه يوسف منه عندما رأى الملك الرؤيا التي طلب من الناس تعبيرها، حيث دلّه على يوسف بصفته عالماً بتعبير الرؤى ممّا أدى إلى إخراج يوسف من السجن بعد حصوله على البراءة ممّا نسب إليه، ولكن يُشترط بطرلب العون أن يكون بالخير لا بالشر.
- تجنب الفتن: يجب عدم التعرض للفتن والبعد عن مظانها، فقد ابتعد نبي الله يوسف عليه السلام عن امرأة العزيز حينما أرادت أن تغويه قاصداً باب الحجرة التي أغلقتها عليه، وفي هذا درسٌ عظيمٌ في ضرورة اجتناب الفتن وأسبابها، وعدم التعرض لها أو الثبات أمامها والتحلي بالإيمان الشديد العاصم منها، ودعوة الله بدرئها.
- التثبت من الحقائق: يجب الأخذ بالقرائن والبينات التي تثبت براءة الإنسان ممّا يُتهم به من الظلم والبهتان، فقد أتى شاهدٌ من أهل امرأة العزيز بقرينةٍ وبينةٍ على براءة يوسف عليه السلام ممّا نسب إليه من الفتنة، حينما أشار عليهم بتفحص قميص يوسف ومعاينته، فإن كان قد تمزق من الأمام كان ذلك قرينةٌ تدل على ذنبه، بينما إذا كان القميص قد تمزق من الخلف كان ذلك قرينة تدل على براءته ممّا نسب إليه، وفي ذلك درسٌ وعبرة في ضرورة الأخذ بالأسباب التي تحول دون ظلم البريء والافتراء عليه كي يسود العدل بين الناس.
- اتباع طريق الحق: يجب اتباع الطريق الذي يحقق رضوان الله تعالى والفوز بجنته، والابتعاد عن الطريق الذي يورد الإنسان المهالك ويكون سبباً من أسباب نيل سخط الله وعذابه، ويظهر ذلك في تفضيل يوسف عليه السلام السجن على ما فيه من الضنك والشدة على اتباع هوى النفس ونزواتها، ودعوة أهل الباطل وغوايتهم، فقد قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: 33].
- استخدام الحيلة المشروعة من أجل جلب المصالح ودفع المفاسد: ويظهر ذلك في الموقف الذي قام به يوسف عليه السلام حينما وضع صواع الملك في رحل أخيه حتّى يتمكن من أخذه وإبقائه عنده.
- تزكية الإنسان لنفسه كلما دعت الحاجة إلى ذلك: فقد نهت الشريعة الإسلامية المسلمين عن تزكية أنفسهم دون داعٍ أو سبب، بينما تكون التزكية مطلوبة حينما يرغب إنسانٌ في ترشيح إنسانٍ مؤهلٍ لتولي منصب معين، حيث يبين حينئذ قدراته وما يتميز به من الكفاءة العلمية أو العملية، ولذلك قال يوسف عليه السلام للملك حينما أراد توليته منصباً له القدرة على توليه: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:55].
- أهمية الدعاء في حياة المسلم: فالدعاء هو أساس العبادة، وهو دلالةٌ على قوة صلة العبد بربه جلّ وعلا، فقد دعا يوسف عليه السلام ربه كثيراً وفي كلّ لحظات حياته، فحين تعرض لإغواء امرأة العزيز ونسوة المدينة دعا ربه أن يصرف عنه كيدهن، وحينما أدرك أنّ الله سبحانه وتعالى قد منّ عليه بالتمكين في الأرض، وأسبغ عليه نعمه الكثيرة ومنها نعمة العلم والإيمان، دعا ربه قائلا: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف: 101].