قصة يونس عليه السلام
قصة يونس عليه السلام
قال الله تعالى في سورة يونس: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}
وقال تعالى في سورة الأنبياء: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}
وقال تعالى في سورة الصافات: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ * وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}
قال أهل التفسير: بعث الله يونس عليه السلام إلى أهل نينوى من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله عز وجل فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم، فلما طال ذلك عليه من أمرهم، خرج من بين أظهرهم ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث.
فلما خرج من بين ظهرانيهم، وتحققوا نزول العذاب بهم، قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة، وندموا على ما كان منهم إلى نبيهم، فلبسوا المسوح، ثم تضرعوا إلى الله عز وجل، فكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب
ولهذا قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا} أي: هلاّ وجدت فيما سلف من القرون قرية آمنت بكمالها، فدل على أنه لم يقع ذلك بل كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}
وقوله: {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} أي: آمنوا بكمالهم.
وقد اختلف المفسرون هل ينفعهم هذا الإيمان في الدار الآخرة، فينقذهم من العذاب الأخروي، كما أنقذهم من العذاب الدنيوي؟ على قولين؛ الأظهر من السياق: نعم والله أعلم. كما قال تعالى: {لَمَّا آمَنُوا} وقال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} وهذا المتاع إلى حين لا ينفي أن يكون معه غيره من رفع العذاب الأخروي، والله أعلم.
فلما ذهب يونس عليه السلام مغاضباً بسبب قومه، ركب سفينة في البحر، فلجت بهم واضطربت وماجت بهم، وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون، على ما ذكره المفسرون.
قالوا: فاشتوروا فيما بينهم على أن يقترعوا، فمن وقعت عليه القرعة ألقوه من السفينة ليتحفظوا منه.
فلما اقترعوا وقعت القرعة على نبي الله يونس، فلم يسمحوا به
فأعادوها ثانية فوقعت عليه أيضاً، فأبوا عليه ذلك.
ثم أعادوا القرعة ثالثة فوقعت عليه أيضاً، لما يريده الله به من الأمر العظيم.
قال الله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}.
وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى في البحر، وبعث الله عز وجل حوتاً عظيماً فالتقمه، وأمره الله تعالى أن لا يأكل له لحماً، ولا يهشم له عظماً، فليس لك برزق.
وقد اختلفوا في مقدار لبثه في بطنه.
فقال مجالد، عن الشعبي: التقمه ضحى ولفظه عشية.
وقال قتادة: مكث فيه ثلاثاً.
وقال جعفر الصادق: سبعة أيام
وقال سعيد بن أبي الحسن، وأبو مالك: مكث في جوفه أربعين يوماً، والله أعلم كم مقدار ما لبث فيه.
والمقصود أنه لما جعل الحوت يطوف به في قرار البحار اللجية، ويقتحم به لجج الموج فسمع تسبيح الحيتان للرحمن، وحتى سمع تسبيح الحصى لفالق الحب والنوى، ورب السموات السبع والأرضين السبع، وما بينها وما تحت الثرى.
فعند ذلك وهنالك قال ما قال: كما أخبر عنه ذو العزة والجلال الذي يعلم السر والنجوى، ويكشف الضر والبلوى، سامع الأصوات وإن ضعفت، وعالم الخفيات وإن دقت، ومجيب الدعوات وإن عظمت، حيث قال في كتابه المبين المنزل على رسوله الأمين، وهو أصدق القائلين ورب العالمين وإله المرسلين:
{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}
وقوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} قيل معناه: لولا أنه سبح الله هنالك، وقال ما قال من التهليل والتسبيح والاعتراف لله بالخضوع والتوبة إليه، والرجوع إليه للبث هنالك إلى يوم القيامة. ولبعث من جوف ذلك الحوت.
هذا معنى ما روي عن سعيد بن جبير في إحدى الروايتين عنه.
وقيل معناه: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ} من قبل أخذ الحوت له {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} أي: المطيعين المصلين الذاكرين الله كثيراً.
وقد قال الله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ} أي: ألقيناه
{بِالْعَرَاءِ} وهو المكان القفر الذي ليس فيه شيء من الأشجار بل هو عار منها.
{وَهُوَ سَقِيْمٌ} أي: ضعيف البدن.
قال ابن مسعود: كهيئة الفرخ ليس عليه ريش.
وقال ابن عباس، والسدي، وابن زيد: كهيئة الضبي حين يولد، وهو المنفرش ليس عليه شيء.
{وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}
قال ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، ومجاهد وغير واحد: هو القرع.
وقد ذكرنا كلام أبي هريرة في تسخير الله تعالى له تلك الأروية التي كانت ترضعه لبنها، وترعى في البرية وتأتيه بكرة وعشية، وهذا من رحمة الله به ونعمته عليه وإحسانه إليه ولهذا قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} أي: الكرب والضيق الذي كان فيه.
{وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي: وهذا صنيعنا بكل من دعانا واستجار بنا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)).
ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري به.