متى استعبدتم الناس
متى استعبدتم النّاس
“متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!” لم تكن هذه العبارة التي قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موقف حدث في فترة خلافته، سوى أول ما خُطَّ في مواثيق حقوق الإنسان الحديثة من بنود تكفل حق الإنسان في الحرية والمساواة، فمنذ فجر التاريخ وجميع الديانات السماوية وأوّلها الإسلام لا يرى فرقاً لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى، فبنو آدم سواسية في كرامتهم وحريّتهم كأسنان المشط وإن اختلفت الأعراق والديانات وتعددت المذاهب.
حق الإنسان في المساواة
تعني المساواة بمفهومها الواسع أن يتمتّع الأفراد بنفس الحقوق وأن يؤدوا نفس الواجبات، بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية أو الجندرية أو الدينية على أن تكفل لهم الدولة بسلطتها تلك الحقوق دون تمييز، فحقّ الفرد في التعبير عن رأيه بحرية، وحقّه في اعتناق ما يريد من ديانات، وحقه باختيار شريك الحياة الذي يراه مناسباً، وحقّه في التملّك، وفي الحصول على فرصة عادلة في مناحي الحياة الدراسية والعملية، بالإضافة إلى حقّه في اختيار من يمثّله سياسياً وغيرها هي حقوق أساسية كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م، ونادت بها كافة الاتفاقيات التي صدرت بعد هذا التاريخ.
أصل المقولة
سجّل التاريخ حوادث كثيرة للفاروق عمر رضي الله عنه تشهد على عدله وحكمته، وكان من أشهرها تلك الحادثة التي قيلت فيها عبارة “متى استعبدتم الناس”، والتي كان أحد الخصمين فيها قبطياً غير مسلم، أمّا الخصم الآخر فلم يكن مسلماً وحسب بل كان ابن عمرو بن العاص أمير مصر في ذلك الوقت، لكنّ ذلك لم يمنع أمير المؤمنين من إنصاف الرجل القبطي الذي جاء من مصر صحبة أبيه ليشتكي له من أنّ ابناً لوالي مصر قد ضربه بالسوط لأنّه سبقه في سباق للخيول جرى بينهما، وهو يقول له: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين؟، فدفع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لاستدعاء عمرو بن العاص وابنه إلى المدينة المنوّرة، وأتى بالقبطي وأعطاه سوطاً ودفعه ليضرب ابن الأمير قصاصاً لنفسه، فضرب القبطي ابن عمرو حتى استوفى حقّه، ثمّ التفت عمر رضي الله عنه للقبطي وقال له: لو ضربت عمراً بن العاص ما منعتك، لأنّ الابن إنّما ضربك لسلطان أبيه، ثمّ نظر إلى عمرو بن العاص وقال: “متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”، لتظلّ مقولته هذه شاهدة على عدل الفاروق، ونبراساً يسطّر حق الإنسان في الكرامة والحريّة إلى الأبد.