حق الراعي والرعية

الرّاعي والرعيّة

خلق الله تعالى النّاس وجعل بعضهم مُرتبطاً ببعض في معيشتهم وحياتهم، ومن حكمته سبحانه أن جعلهم بحاجةٍ إلى من يُسوّسهم ويتولّى أمرهم ويقوم على شؤونهم، ولا يَصلح حالهم ولا تستقيم حياتهم إلا بوجود وليّ أمرٍ وإمام يقوم بتنظيم أمورهم ويرعاها.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (كلُّكم راعٍ فمسؤولٌ عن رعيتِه، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ وهو مسؤولٌ عنهم، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِه وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلِها وولدِه، وهي مسؤولةٌ عنهم، والعبدُ راعٍ على مالِ سيدِه وهو مسؤولٌ عنه، ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِه).[١] وفي هذا بيان بأنّ كل إنسان مسؤول عن جماعةٍ من النّاس بما اخُتصّ به من دور في الحياة .

معنى الرّاعي والرعيّة

الرّاعي مأخوذ من الرّعْي وهو الحفظ، والرّاعي هو الحافظ المُؤتَمن، أو من أوُكِلَ إليه تدبير الشّيء وسياسته وحفظه ورعايته، المُلتزم بصلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، وكلّ من كان تحت نظره شيء فهو مُطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته.

يختلف مفهوم الرّاعي حسب موقع كل إنسان في المجتمع، ومقدار استلامه لمقاليد المسؤوليّة والسّلطة؛ فالحاكم راعٍ على شعبه، مُلزَم بالعدل بينهم ورعاية شؤونهم، وحماية الثّغور من الأعداء، وتوزيع خيرات البلاد بينهم. والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن أولادها، وحفظ الهدوء والاستقرار في المنزل .

والرّجل راعٍ في أولاده، مُكلّف بالإنفاق عليهم من المال الحلال بما يُلبّي احتياجاتهم ومُستلزمات معيشتهم من طعام ومأوىً وملبس دون إفراط ولا تفريط، حريصاً على الابتعاد بهم عن مواطن الشّبهات والخطر. والعبد مسؤول في بيت سيده عن رعاية شؤونه وأمواله، وعدم خيانته في أملاكه وبيته وأهله .[٢]

أما الرعية فهم أشخاص يقعون تحت مسؤولية إنسان موكل عليهم، ورئيس يرأسهم يسمى راعياً، وهم كل ما يشمله حفظ الراعي ونظره، من عامة الشعب إلى أفراد الأسرة .[٣][٤]

حقّ الرّاعي والرعيّة

ذكر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بعضاً من المسؤوليّات على الرّاعي لأثرها الكبير في بناء المجتمع منها:

مسؤوليّة الإمام

تكمُن مسؤوليّات الإمام اتّجاه رعيّته وشعبه في تَفقُّد شؤونهم، وتلبية احتياجاتهم، وتحقيق حياة كريمة لهم، وحفظهم من الأعداء، وحماية الحدود، ونشر الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى تعيين الأكفياء والأُمناء في المناصب ممّن يَثِق في قدرتهم على تولّي زمام المسؤوليّة وحمل الأمانة، وفضّ النّزاع بين المُتشاجرين وإحقاق الحقّ بينهم، وردّ الحقوق لأصحابها؛ كيلا يسود الظّلم والاعتداء على الحقوق، بالإضافة إلى تقديرالأمور الماليّة، وما يستحقّ النّفقة فيه وما لا يستحقّ، وأداءه في وقته دون تقصير، والمُتابعة والإشراف الدّائم، ومُراقبة أعمال أصحاب السّلطة والتأكّد من أدائهم لمَهامّهم وحقوق الرعيّة.

من حقوقه عليهم طاعته والسّمع بالمعروف ما لم يأمر بما يُخالف دين الله؛ ليتمكّن من القيام بواجبه، فهذا نوع من أنواع العبادة التي يُتقرّب بها طاعةً لله ولرسوله لا لشخصه، وعليهم بالدّعاء له أن يُعينه الله على الحقّ ويُصلِح حاله، ففي صلاحه صلاح الرعيّة.[٥]

مسؤوليّة الرّجل

الرّجل مسؤول عن أهل بيته وذُريّته ومن هو مُولّى عليهم، فهو مسؤول عن زوجاته وأبنائه وخَدَمه وصلاحهم وفسادهم، فمن واجبه اختيار أمٌّ صالحةٌ لأولاده قادرةٌ على تربيتهم والعناية بهم خُلقاً وخَلقاً، كما يجب عليه تربيتهم على الصّفات والخِصال الحميدة، وذلك يتطلّب صلاحه هو حتّى يكون قدوةً لهم، وعليه أن يحرص على إبعادهم عن رفقاء السّوء ومواطن الفساد، وتنمية مواهبهم، واستغلال أوقاتهم بما هو نافعٌ ومُفيدٌ، وضمان حصولهم على تعليم جيّد، والعدل بينهم.[٦]

مسؤوليّة المرأة

من واجبات المرأة في بيتها طاعة زوجها في غير معصية الله، ومعاشرته بالمعروف، وحفظ نفسها في غيابه، وعدم إنفاق ماله على غير وجه حقّ أو التّبذير فيه، ورعاية الأبناء رعايةً صالحةً، والاهتمام بهم وبشؤونهم من الولادة حتّى المُراهقة، وتعليمهم ما يحتاجونه من أمور دينهم ودُنياهم، والعناية بالمنزل وترتيبه، وتدبير أموره، وإشاعة السّرور فيه.

ويترتّب على ذلك ضرورة مُعاملتها معاملةً حسنةً، وعدم الصّراخ عليها وضربها وتعنيفها، ولها حقّ النّفقة، وتأمين المسكن والملبس، كما يحقّ لها أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وأولادها إن كان الزّوج بخيلاً، ولها حقّ العدل بينها وبين زوجاته الأُخريات، والحرص على حفظ كرامتها.[٦]

مسؤوليّة العبد

من الواجب على العبد الحفاظ على مال سيّده وإنفاقه فيما يجب بعيداً عن الهوى ومصارف السّوء والحرص على تنميته، وأن يكون نشاطه في العمل واحدٌ في حضور سيّده كما في غيابه، وعدم الاعتداء على مُمتلكاته وعِرضه وخيانة الأمانة وإفشاء أسراره. وفي المقابل للعبد على سيّده تحمّل أخطائه، والحلم والصّفح عنه إذا بدر منه الخطأ، والتّواضع معه وعدم الكبر عليه وتذكيره بفقره وحاجته، بالإضافة إلى عدم تأخير أجره، وتزويجه إن كان صالحاً، وتعليمه أمور دينه، وكسوته وإطعامه، وعدم تكليفه بما لا يُطيق.[٦][٢][٧][٨]

وبهذا يتّضح أنّ المُجتمع مُكوّن من أفراد، وكلّما كان الأفراد أكثر قياماً بمسؤوليّاتهم كان المُجتمع أكثر انضباطاً وتماسُكاً وثباتاً وقوّةً، وكلما كان الأفراد أكثر تفريطاً في مسؤوليّاتهم كان المجتمع أكثر تَفكُّكاً وضعفاً وذُلّاً.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أ والرقم: 2554.
  2. ^ أ ب “كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيّته”، إسلام ويب.
  3. عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، “( شرح حديث كلكم راع ) “، إسلام ويب. بتصرّف.
  4. “كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيّته”، إسلام ويب. بتصرّف.
  5. محمد بن سبيل ، الأدلة الشرعية في بيان حق الراعي والرعية ، صفحة 24. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت الدكتور: عبد االله قادري الأهدل (27-9-1404)، “المسؤولية في الإسلام كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته”، elibrary. بتصرّف.
  7. عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ (30-5-1423)، “المسؤولية في الإسلام”، المنبر. بتصرّف.
  8. الدكتور محمد راتب النابلسي (30-1-1994)، “درجات المسؤولية في الإسلام كما ورد في هذا الحديث: كلكم راع….”، موسوعة النابلسي . بتصرّف.