ريح الشمال أتت بريح شمال – الشاعر البحتري
رِيحُ الشَّمَالِ أَتَتْ بِرِيحِ شَمَالِ
سَحَراً فَهاجَتْ سَاكِنَ البَلْبَالِ
واهاً بما جَاءَتْ بهِ ، وَاهاً لهُ
أَحْيَتْ بِهِ مَا ماتَ مِنْ أَوصالِي
فَجَزاؤُها حُبَّانِ حُبٌّ باسْمِها
مِنَّا ، وحُبٌّ عن جَمِيلِ فَعَالِ
ولَهَا عَلَيْنَا في مُوافَقَةِ اسْمِها
حَقٌّ جَدِيدٌ رِعْيَةَ اسْمِ شَمَالِ
وَلَقَدْ رَضِيتُ بِهَا طَبيبا ًحَاذِقاً
يَشْفِي الجَوَانِحَ مِنْ جوىً وغِلاَلِ
وَبِهَا غَنِيتُ عَنِ العِبَادِ رَسُولَةً
تَفْرِي القِفَارَ وما تَنِي لِكَلاَلِ
تُنْبِيكُمُ أَنَّي عَلَى عَهْدٍ لَكَمْ
واللهُ يَشْهَدُ لِي بِصِدْقِ مَقَالِ
عِفْتُ الحَرامَ ، ولَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتي
فِعْلُ الحَرَامِ لَكُمْ وَكُلّ حَلاَلِ
وَحَميْتُ عَيْنِي كُلَّ حُسْنٍ رَائِقٍ
وَعَقَلْتُ عَوْدَ عَرَامَتِي بِعِقَالِ
ورَفَضْتُ لَذَّاتِ الحَياةِ وَطِيبَها
مِنْ مَلبَسٍ أَوْ مَطْعَمٍ أَو مَالِ
وَإِذا خَلَوْتُ وَلَمْ أَجِدْ لِي مُسْعِداً
إِلاًّ الشُّؤُونَ بِسَاجِمٍ هَطَّالِ
أَلْقَيْتُ ثَوْبِي فوْقَ وجْهي باكِياً
وجَعَلْتُ مُعْتَمَدَ الجَبينِ شِمالي
قَدْ كُنْتُ قَبلَ فِرَاقِكُم في غِبْطَةٍ
مِنْ عِيشَةٍ بِكُمْ رَخِيَّ البَالِ
مَا لِلنْوَى ، تَعِسَتْ وأُتْعِسَ جَدُّها
قَطَعتْ رَجَايَ ، وأَخلَفَتْ آمالِي
شُدَّتْ عَلَى جَمْعِ الأَحِبَّةِ عَنْوَةً
يوْمَ الخَمِيسِ ضُحىً سَفِينُ أُوَالِ
فَاسْتُلَّتْ الأَرْوَاحُ مِنْ أَجْسَامِهَا
بالشَّوْقِ وهْيَ بَعِيدةُ الآجَالِ
واسْتُمْطِرَتْ نُجْلُ العُيُونِ فأَخْضَلَتْ
وَرْدَ الخُدُودِ بِوَاكِفٍ هَطَّالِ
أَمْسَيْتُ بَعْدَكِ يا شَمالُ تَشَوُّقاً
أَسْتَنْشِقُ الأَرْوَاحَ بالآصَالِ
وأَحِنُّ في غَلَسِ الدُّجونِ مُسَهَّداً
وأُوَاصِلُ الإِدبارَ بالإِقْبَالِ
كَالْوَالِهِ الْمَجْنُونِ إِلاَّ أَنَّ في
شَحْمِ الجُنُوبِ فَضِيلةً لِهُزَالِ
كَمْ قَائِلٍ شَفِقاً تَسَلَّ لَعَلَّهُ
يَسْلُو هَوَاكَ فَقُلْتُ غَيْريَ سَالِ
كَيْفَ السُّلُوُّ وقًدْ عَقَدْتُ عُقُودَهَا
بِمَواثِقي وحِبَالَها بِحِيَالي
وأَجَلْتُ طَرْفي في العِبادِ فَلَمْ أَجِدْ
أَحداً يَفُوقُ جَمَالَها بَجمَالِ
عارٌ عَلَىَّ متى أَضَعْتُ ذِمَامَها
أَو رُعْتُها في الحُبِّ باسْتِبْدَالِ
ومَتَى نَسِيتُ ، فَلَسْتُ أَنْسَى قَوْلَهَا
صِلْنَا بكُتْبِكَ رَأْسَ كُلَّ هِلاَلِ