صناعة الفكرة

مهارات التفكير

في عصر التكنولوجيا والتطور لم يعد هدف المقررات والمناهج المدرسية تلقين الطلاب والتلاميذ المعلومات بأسلوب مجرد ومحفوظ كما كان شائعاً في الفترات التعليمية القديمة، حيث أصبح التعليم يطمح إلى تنمية المهارات والأفكار المختلفة لدى التلاميذ حتى تعود عليهم بالنفع والفائدة، مع العلم أنّ إتقان مهارات التفكير بالنسبة للطالب تؤهله إلى الحكم على الأشياء التي تدور من حوله بما في ذلك الأشياء التي يتعلمها ويلاحظها في مدرسته أو جامعته، مما يؤدي ذلك الأمر إلى الحصول على معلومات جديدة والإبداع في مجال المعلوماتية وصناعة الأفكار المستحدثة.

مفهوم التفكير

إنَّ تعدد التعريفات الخاصة بالتفكير يعطينا صورة مهمة عن جوانب التفكير بحد ذاته؛ لأنّ كلّ عالم أو فيلسوف أو باحث اقترح تعريفاً للتفكير بعين تخصصه ودراساته وأبحاثه، فعلماء النفس يرون أنّ التفكير ما هو إلا مجموعة من العمليات الذهنية والعقلية المرتبطة بالذهن، وعلماء الاجتماع يعرفون التفكير بأنّه مجموعة من العمليات الذهنية المتعلقة بتفاعل الجماعات، بينما يعرف علماء الدين التفكير بأنّه سلوك عقلي ومتعقل يهدف إلى العمل الصالح وإفادة أبناء المجتمع على اختلاف فئاتهم وأجناسهم، وعلماء جراحة الأعصاب يعرفونه بأنّه عملية من الاتصالات التي بين الخلايا العصبية الإنسانية.

إنّ التفكير عبارة عن نشاط ذهني أو عقلي يختلف كلياً عن الإدراك والإحساس لتجاوز الفكرة المجردة، وهو كلّ ما يمكن استثارته وتحريكه في مجرى الفكر للتساؤل عن مشكلة معينة، أو دراسة بعض الأحداث والأمور وتفحصها بغرض التأكد من صحة مبادئها وقوانينها وآلياتها.

أهمية تعليم مهارات التفكير

إنّ معظم الإنجازات التكنولوجية والعلمية التي نشاهدها في القرن العشرين هي نتيجة أفكار لأشخاص مبدعين ومتفوقين، فمجتمعنا اليوم يعيش في سرعة فائقة وتغير مستمر يحيط به مجموعة من التحديات العالمية والمحلية، ولعلّ من أهم هذه التحديات مسألة التطور المعلوماتي والتكنولوجي والانفتاح على مؤسسات وجامعات العالم بسبب سرعة التواصل مع الآخرين باستخدام طرق مختلفة.

جميع ما شاهدناه في عصرنا يتطلب منا قدرة فائقة وميزانيات مهمة في تنمية عقول مفكرة وقادرة على صناعة وإجادة أفكار ملائمة لتحدي ومواجهة المشكلات المختلفة، لذلك تُوجد حاجة ملحة إلى تدريب فئات مختلفة من المجتمع بما في ذلك فئة طلاب المدارس والجامعات على كيفية التفكير والإبداع والإنتاج والنقد لأنّهم اللبنة الأساسية في المجتمع وبناته.

لا بدَّ من تعليم التفكير كونه وسيلة مهمة من وسائل اكتشاف تفاصيل وضرورات الحياة المختلفة، وهو الطريق الذي يساعدنا على النجاح في مجالات عدَّة مثل المجالات التعليمية والصناعية والاكتشافية بشكل خاص إذا اعتمد التفكيرعلى الدقة والتمحيص والاختبارات والتجارب، فإذا صنعنا فكرة جيدة فنكون حققنا قوة متجددة وجديدة لبقاء الفرد والمجتمع في وجه حضاري ومتطور.

أنواع التفكير

يعتبر التفكير من الأشياء الفطرية فإنّ هذا لا يعني أن نتخلى عن اكتساب مهارات صناعة الفكرة، لأننا دائماً بحاجة إلى التعلم لبناء أفكار إبداعية وحديثة، وبشكل عام فإنّ للتفكير أنواع ومحاور عدة، وجميع هذه الأنواع بحاجة ماسة إلى تعلم مهاراتها وقواعدها ومبادئها حتى يستطيع الإنسان تنمية تفكيره وإفادة من حوله ومن أهم أنواعها:

  • التفكير الفعال وغير الفعال من ناحية الفعالية.
  • التفكير الجمعي والفردي من ناحية عدد المفكرين.
  • التفكير الناقد والإبداعي من ناحية إنتاجية الأفكار.
  • التفكير استقرائي واستنباطي، من ناحية التوصل إلى الأفكار.

الفكرة

تحتوي الكتابة الجيدة على عنصرين أساسين ومهمين هما الفكرة والبيان، فإذا فُقد هذان العنصران ستصبح الكتابة مجرد زخاف لفظية ومحسنات بديعية ليس لها علاقة بالذهن والفكر أي شيء لأنّها ستفقد معاني الكلمات والعبارات، وقد تكون الفكرة حاضرة في ذهن الكاتب لكن ينقصها الدقة والكلمات الفصحى والتعبير، وقد يكون سبب ذلك أنَّ الناس يقرؤون في يومنا العديد من المطبوعات ووسائل النشر اليومية، أو الأسبوعية، أو الدورية، والمقالات والدراسات والأبحاث والكتب التي نُشرت بهدف زيادة الشهرة والغرور لا من أجل تعزيز الفكر الإنساني وصنع فكرة تقوم على رقي الثقافة وقوة الألفاظ وعمق المعاني والأساليب، فالفكرة شيء لا يأتي بسهولة ولا تنقاد بيسر، ولكي تكون جديدة لم يجب أن يكون كاتبها أو صاحبها أول من جاء بها يجب بذل الجهد في سبيل صناعة فكرة جيدة ومبتكرة.

طرق صناعة الفكرة

  • التفكير: تتولد الأفكار في ذهن الشخص نتيجة تفكيره لساعات أو أيام أو أكثر، لذلك يُعتبر التفكير المصنع الحقيقي للفكرة الذي يجتاز داخل الإنسان أي عقله إلى عالمه الخارجي.
  • الملاحظة والتأمل: تمر بنا الكثير من الأحداث والمشاهد التي تحتاج إلى ملاحظة وتأمل، ولو أنَّ الإنسان تأمل هذه الأحداث والظواهر على اختلاف أنواعها لحصد نتاج ملاحظته وتأمله الفكرة والخاطرة الجيدة منها.
  • الإنصات: إنَّ سماع أحاديث الناس التي تعبر عن ما يدور ويجول في خواطرهم من أهم الأشياء التي تزيد حصيلة الفرد الفكرية، فلا بدَّ من الاستماع إلى كلّ أفراد المجتمع بدون تمييز، فعلى سبيل المثال روي عن الجاحظ أنّه كان يجلس ويستمع إلى كل شخص مما جعل ذهنه متدفق الأفكار ومتميزاً عن غيره من الناس في المجال الكتابي.
  • أحداث الساعة: التعرُّف على أحداث الساعة من أكثر المصادر المستخدمة من قبل المفكرين والمتحدثين والكتاب للتعبير عما يدور في أذهانهم من أفكار مختلفة ومميزة.
  • التخيل والافتراض: لا بأس بالتخيل والافتراض شرعاً أو عقلاً ما دام لم يكن حراماً أو ممنوعاً، فإذا كان من الأمور المستحيلة بالنسبة للناس من الممكن تخيل وافتراض الشيء وإخضاعه للتصور الإنساني والتفكير العميق لمعرفة واختبار إذا ما كان مستحيلاً بالفعل أو ممكناً ويمكن تطبيقه على أرض الواقع.
  • الحوار والمناقشة: الحوار مع الناس بشكل خاص مع العلماء، أو المثقفين، أو الموهوبين والملهمين، يجعلنا نقتنص الأفكار منهم ببراعة، ونصبح ممن لديهم القدرة على إجادة الأفكار وصنعها.
  • القراءة: قراءة الكتب والمقالات والمنشورات تمد الإنسان بالأفكار الجيدة، وتجعله يسلك طريقاً معرفياً وثقافياً قديراً ومتمكناً، وكذلك الأمر عند معرفتنا في العلوم الفيزيائية والكيميائية والإنسانية والتكنولوجية يجعلنا نبدع في صناعة فكرتنا ونحققها على أفضل وأكمل وجه.

عوامل مؤثرة في صناعة الفكرة

  • أن تكون نافعة للبلاد والعباد.
  • مدى حرمة الفكرة عند الله وكونها جائزة أو لا.
  • تسجيل الأفكار كمشاريع مستقبلية إن ضاق عنها وقت المفكر.
  • اختيار الوقت المناسب لعرضها، والمكان المناسب لنشرها والانتفاع بها.
  • الفكرة المبتكرة لها حق براءة الاختراع سواء كانت في المجال الكتابي أم الصناعي أم التكنولوجي.