بحث حول مظاهر الحياة العقلية للعرب في العصر الجاهلي
جزيرة العرب
جزيرة العرب هي بقعة جغرافيّة كثيرة الصحاري شحيحة المياه، لم يمتهنْ سكّانها الزراعة لجدب تلك الأرض، ويعتبرُ الإنسان صنيعةَ الأرض أو الإقليم الذي يعيشُ به، ومن هنا فقد نشأ العرب في جزيرتهم على ما تقتضيه بلادُهم المجدبة من الترحال طلباً للمراعي والارتزاق بالسائمة، وكانت الغلبة للبداوة على الحضارة هناك، حيث سخروا جلّ همّهم في تربية المواشي التي كانت تعتبرُ قليلة مقارنةً مع احتياجاتهم، وهذا الأمر أدّى إلى إلى اشتعال النزاعات فيما بينهم عليها، وكبرت تلك النزاعات لتتحوّل إلى الغزو، وتنقلُهم بمتاعهم وأملاكهم من صقعٍ إلى آخر، ومن نجعٍ إلى آخر ليلاً نهاراً.
تميّزتْ سماء جزيرة العرب بوضوحِها لصفاء الجوّ فيها، فعوّلوا على النجوم ومواقعها في الاهتداء إلى سبلهم وطرقهم المنشودة، وقاموا باستنباط الأدلة للكشف عن مخابئ الأعداء عن طريق تتبّع الأثر، وعُني العرب بالتنبؤ بالأمطار وهبوب الرياح قبيل حدوثها في محاولةٍ لتوقّي الحوادث الجويّة وتقلّباتها، وكانوا يعبّرون عن هذا الأمر بمهبّ الرياح والأنواء.
من جهةٍ أخرى فإنّ العصبيّة القبليّة إلى انتشار الغزو والصراعات بين القبائل، إضافةً لتأليف الأحزاب معتمدين على الأنساب التي كانوا يترابطون من خلالها، وكان للبادية الفضل الكبير في صفاء أذهانهم، وانصراف قرائحهم إلى نظم الشعر الذي كانوا يصفون به أحداث واقعهم ووقائعهم، إضافةً للتعبير عن عواطفهم وبناء أنسابهم.
العصر الجاهلي
يعرّف العصر الجاهلي على أنّه تلك الفترة التي سبقت الإسلام، ودامت تلك الفترة قرابة القرن ونصف، وأطلق على العصر الجاهلي هذا الاسم نسبةً إلى ما شاع ذلك العصر من جهل، أي نقيض الحلم والعلم، كانت العلوم والثقافات في ذلك العصر محدودة ومتناسبة مع البيئة الصحراويّة حولهم، ومن أهمها:
- فصاحة القول والأدب وروعة الردّ والإجابة.
- الطب، فقد كان الهرب يتداوون بالكي والأعشاب، وهناك اعتقادات بأنهم قد أدخلوا الشعوذة والعرافة في الطب.
- القيافة، وتقسم إلى نوعين، هما قيافة الأثر، وقيافة البشر.
- علم الأنساب، وهو يعادل علم التاريخ.
- العرافة والكهنة.
- علوم النجوم، والسحب، والأنواء، والرياح.
الحياة العقليّة عند العرب
اللغة العربيّة في العصر الجاهلي
من المعلوم أن اللغة العربيّة كانت معروفة في العصر الجاهلي، وأنّها كانت تشغل بال الكثير من الشعراء والمفكّرين والخطباء في ذلك الوقت، حيث كانوا يغترفون من نبع معانيها الثريّة لنظم أجمل القصائد.
فُقد الكثير من آداب ذلك العصر من قصائد، وخطب، وأمثال، وقصص، وما وصل إلينا عبر ما حفظته أمهات الكتب من الأدب القديم من ذلك الزمن، ما هو إلا جزء بسيط، حيث قال أبو عمرو بن العلاء في هذا الشأن: (ما انتهى إليكم ممّا قالته العرب إلّا أقلّه، ولو جاءكم وافراً، لحاءكم علمٌ وشعرٌ كثير). أمّا ما وصل إلينا من أدبٍ مدوّن فهو حسب تقدير الباحثين تلك الفترة التي سبقت الإسلام بقرنين من الزمان.
الشعر في العصر الجاهلي
يعتبر الشعر الجاهلي هو الأثر الكبير والعظيم الذي حفظ لزماننا حياة العرب في جاهليتهم، حيث كان العرب يعوّلون على الشعر في مآثرهم ونقلها إلى الأجيال اللاحقة.
كان الشعر يحتل منزلةً عظيمة عند العرب، بحيث كانت قصائدهم مكتملة النموّ مستقيمة الوزن وتامةّ الأركان، وتميزت الألفاظ الشعريّة بصلابتها وقوّتها في وصف مواقف الحروب، والمدح، والحماسة، والفخر، وكانت ليّنة رقيقة في مواقف الغزل، كان يتمّ اختيار تلك الألفاظ دون أيّ انتقاء وفحص، بحيث تلائم المعنى الذي تؤديه بتراكيب محكمة متينة، ومن الأمثلة على عظماء الشعراء في ذلك الوقت زهير بن أبي سلمى والنابغة الذبياني.
يمتاز الأسلوب في الشعر الجاهلي بقوّته ومتانته وتعتريه الغرابة في بعض الأحيان، خالٍ من أي صنعةٍ أو تكلّف؛ لأنّه يسير مع سجيّة الشاعر وطبيعته، ومن الأغراض الشعريّة في الشعر الجاهلي المدح، والرثاء، والوصف، والغزل، والاعتذار.
الخطابة في الجاهليّة
الخطابة هي عبارة عن شعرٍ منثور، فالخطابة كما الشعر بحاجةٍ لبلاغة وخيال إضافة للحماسة، بالرغم أنّ العرب في العصر الجاهلي كانوا أميّين، إلّا أنهم كانوا يخطبون بعبارات فصيحة وبليغة، يمتلكون قريحةً كالشعراء ويدّربون فتيانهم عليها منذ الحداثة، وكان العرب بحاجةٍ للخطباء لإيفاد الوفود، كحاجتهم للشعراء للدفاع عن الأعراض وحفظ الأنساب، حيث كان لكلِّ قبيلةٍ خطيب كما كان لها شاعر.
النثر في العصر الجاهلي
النثر هو عبارة عن كلاام انتقيت تراكيبه واختيرت ألفاظه، وأُحسنت صياغة عباراته، للتأثير في المستمع من خلال صنعته وجودته، ويختلف النثر عن الكلام العادي العام، ويقسم النثر في العصر الجاهلي إلى أمثالٍ وخطابات وقصص وسجع الكهّان، ويتصّف الأخير بكثرة غرائبه وقصر جمله، وتوازن عباراته، حيث كان الكاهن يحرص على اتباع هذا الأسلوب لإخفاء كلامه، وأنواع النثر عديدة وهي الخطابة والحكم والأمثال والحكمة.
المعلّقات
هي قصائد ذات نسيجٍ محكم، جيدة المعاني، سمّيت بهذا الاسم تشبيهاً لها بعقود الدرّ المعلّقة على نحور الحسناوات والنساء، وأيضاً سميّت بهذا الاسم لأنّه يقال أنّ المعلّقات كتبت بماء الذهب وعلّقت على أستار الكعبة، ومن أسباب تسميتها الموضحة لخصائصها أنّ المعلقات سريعة التعلّق في الأذهان حيث إنها تحفظ سريعاً، ويرجح هذا الرأي في التسمية عن غيره.