بعينك لوعة القلب الرهين – الشاعر البحتري

بعَيْنِكِ لَوْعَةُ القَلْبِ الرّهِينِ،
وَفَرْطُ تَتَابُعِ الدّمعِ الهَتُونِ
وَقَدْ أصْغَيْتِ للوَاشِينَ، حَتّى
رَكَنْتِ إلَيهِمِ بَعْضَ الرّكُونِ
وَلَو جَازَيْتِ صَبّاً عَنْ هَوَاهُ
لَكَانَ العدْلُ الاّ تَهْجُرِيني
نَظَرْتُ، وَكم نَظَرْتُ فأقصَدَتْني
فُجاءَاتُ البُدُورِ على الغُصُونِ
وَرُبَّةَ نَظْرَةٍ أقْلَعْتُ عَنهَا
بسُكْرٍ في التّصَابِي، أو جُنُونِ
فَيَا لله ما تَلْقَى القُلُوبُ الـ
ـهَوَائِمُ مِنْ جَنِايَاتِ العُيُونِ
وَقَدْ يَئِسَ العَواذِلُ مِنْ فُؤَادٍ
لَجُوجٍ في غِوَايَتِهِ، حَرُونِ
فَمَنْ يَذْهَلْ أحِبّتَهُ، فإنّي
كُفيتُ مِنَ الصَبَابَةِ مَا يَلِيني
وَلي بَينَ القُصُورِ إلى قُوَيْقٍ
أليفٌ أصْطَفيهِ، وَيَصْطَفيني
يُعَارِضُ ذِكْرُهُ في كلّ وَقْتٍ،
وَيَطْرُقُ طَيْفُهُ في كلّ حِينِ
لَقَدْ حَمَلَ الخِلاَفَةَ مُسْتَقِلٌّ
بِهَا، وَبِحَقّهِ فيهَا المُبِينِ
يَسُوسُ الدّينَ والدّنيا بِرَأيٍ،
رِضًى لله في دُنْيَا وَدِينِ
تَنَاوَلَ جُودُهُ أقصَى الأمَاني،
وَصَدّقَ فِعْلُهُ حُسْنَ الظّنُونِ
فَما بالدّهرِ مِنْ بَهَجٍ وَحُسْنٍ،
وَما بالعَيشِ مِنْ خَفْضٍ وَلِينِ
وَلَمْ تُخْلَقْ يَدُ المُعْتَزّ إلاّ
لِحَوْزِ الحَمْدِ بالخَطَرِ الثّمِينِ
تَرُوعُ المَالَ ضُحْكتُهُ، إذا مَا
غَدا مُتَهَلِّلاً، طَلْقَ الجَبِينِ
أمِينَ الله، والمُعْطَى تُرَاثَ الـ
ـأمينِ، وَصَاحِبَ البَلَدِ الأمِينِ
تَتَابَعَتِ الفُتُوحُ وَهُنّ شَتّى الـ
ـأماكنِ في العِدى، شتّى الفُنُون
فَمَا تَنْفَكُّ بُشرَى عَنْ تَرَدّي
عَدُوٍّ خاضِعٍ لكَ، مُستَكِينِ
فِرَارُ الكَوْكَبِيّ، وَخَيلِ مُوسَى،
تُثيرُ عَجَاجَةَ الحَرْبِ الزَّبُونِ
وَفي أرْضِ الدّيَالِمِ هامُ قَتْلَى،
نِظامُ السّهْلِ مِنها والحُزُونِ
وَقد صَدمتْ عَظيمَ الرّومِ عُظمَى
منَ الأحداثِ قاطِعَةُ الوَتينِ
بنُعْمَى الله عِندَكَ غَيرَ شَكٍّ،
وَرِيحِكَ أقْصَدَتْهُ يَدُ المَنُونِ
نُصِرْتَ على الأعادي بالأَعَادِي،
غَداةَ الرّومُ تَحتَ رَحًى طَحُونِ
يُقَتِّلُ بَعْضُها بَعْضاً بضَرْبٍ
مُبِينٍ للسّوَاعِدِ، والشّؤونِ
إذِ الأبْدَانُ ثَمّ بِلا رؤُوسٍ
تَهاوَى، والسّيُوفُ بلا جُفُونِ
فَدُمْتَ وَدامَ عَبدُ الله بَدْرَ الـ
ـدّجَى في ضَوْئِهِ، وَحَيَا الدُّجُونِ
تُطِيفُ بِهِ المَوَالي، حِينَ يَبدُو،
إطَافَتَها بِمَعْقِلِهَا الحَصِينِ
تَرَى الأَبْصَارَ تُغْضِي عَن مَهِيبٍ
وَقُورٍ في مَهَابَتِهِ، رَكِينِ
جَوَادٌ، غَلّسَتْ نُعْماهُ فِينَا،
وَلَمْ يُظْهِرْ بِهَا مَطْلَ الضّنِينِ
ظَنَنْتُ بهِ التي سرّتْ صَديقي،
فَكَانَ الظّنُّ قُدّامَ اليَقِينِ
وَكُنتُ إلَيْهِ في وَعْدٍ شَفيعي،
فصِرْتُ عَلَيْهِ في نُجْحٍ ضَميني
وَمَا وَلِيَ المَكَارِمَ مِثلُ خِرْقٍ
أغَرَّ، يرَى المَواعِدَ كالدّيُونِ
وَصَلْتُ بيُونسَ بنِ بَغَاءَ حَبْلي،
فَرُحْتُ أمُتُّ بالسّبَبِ المَتِينِ
فَقَدْ بَوَّأْتَنِي أَعْلَى مَحَلٍّ
شَرِيفٍ في المَكَانِ بِكَ المَكِينِ
وَمَا أخشَى تَعَذُّرَ ما أعاني
منَ الحَاجَاتِ، إذْ أمْسَى مُعِيني
وإنّ يَدي، وَقد أسنَدتُ أمرِي
إلَيْهِ اليَوْمَ، في يَدِكَ اليَمِينِ