كلمات في رمضان
رمضان ذلك الذي تهفو إليه القلوب وتشتاق إليه النفوس، شهر الرحمة والخير، شهر تغنى به الكثير من الشعراء القدامى والمعاصرين، هنا بعض القصائد التي تهللت بقدوم رمضان:
مضى رجب وما أحسنت فيه
وهذا شهر شعبان المبارك
فيا من ضيع الأوقات جهلاً
بحرمتها أفق واحذر بوارك
فسوف تفارق اللذات قهرا
ويخلى الموت كرهاً منك دارك
تدارك ما استطعت من الخطايا
بتوبة مخلص واجعل مدارك
على طلب السلام من الجحيم
فخير ذوي الجرائم من تدارك
ويتشوق الشاعر “محمد حسن فقي” رحمه الله إلى شهر رمضان قبل مقدمه في قصيدته (رمضان) حيث يقول:
رمضان في قلبي هماهم نشوة
من قبل رؤية وجهك الوضاء
قالوا بأنك قادم، فتهللت
بالبشر أوجهنا.. وبالخيلاء
وتطلعت نحو السماء نواظر
لهلال شهر نضارة ورواء
تهفو إليه، وفي القلوب وفي النهى
شوق لمقدمه، وحسن رجاء
لِمَ لا نتيه مع الصيام ونزدهي
بجلال أيام ووحي سماء
بهما نحلق في الغمام، ونرتوي
من عذبه ونصول في الأجواء
ونشف أرواحاً فننهج منهجاً
نفضي به لمرابع الجوزاء
أما أديب العربية “مصطفى صادق الرافعي” فيعبر عن إحساسه بحلول الشهر الكريم بقوله:
فديتك زائراً في كل عام
تحيا بالسلامة والسلام
وتقبل كالغمام يفيض حينا
ويبقى بعده أثر الغمام
وكم في الناس من كلف مشوق
إليك وكم شجي مستهام
ويتغزل “محمد السيد الداوودي في الشهر الكريم معبراً عن مدى أشواقه إليه فيقول:”‘
لما دنوت انهالت الأشواق
وهفا إليك الواله المشتاقُ
لك غُرة كالشمس في ريعانها
في كل ناحية لها إشراقُ
لك طلعة فيها الحياة بهية
ترنو إلى قسماتها الأحداقُ
لك في حياة المسلمين مآثرٌ
طابت وطاب لهم بهنَّ مذاقُ
أما الشاعر “فريد قرني” فيدعو الشهر للإقبال ويخبره أنه في انتظار مقدمه يعد الشهور والأيام للاستفادة من أيام الشهر ولياليه فيقول:
ألا أقبل هدى ورضا ونورا
وخيرا عامرا يغشى المزُورا
نعدُّ ليُمن موسمك التهاني
نعدُّ ليوم مقدمك الشُّهورا
لنملأ بالنَّدى المُهج الصَّوادي
ونروي من سنا التقوى الصدورا
بنور تلاوة القرآن نجلي
بصائرنا.. نضيءُ بها القبورا
نصومُ.. نقومُ في شوق وجد
وعند الله نحتسبُ الأجورا
بك الأرواحُ ترشفُ وهي ظمأى
شرابا.. منكَ تسكُبه طهورا
الشاعر “خير الدين وائلي” منبهاً جموع المسلمين أن ينتبهوا ويهبوا لاستقباله حيث يقول:
رمضان أقبل يا أولي الألباب
فاستقبلوه بعد طول غياب
عام مضى من عمرنا في غفلة
فتنبهوا فالعمر ظل سحاب
وتهيؤوا لتصبّر ومشقة
فأجور من صبروا بغير حساب
الله يجزي الصائمين لأنهم
من أجله سخروا بكل صعاب
أما الشاعر “حسين عرب” فيهلل فرحاً بإطلالة الشهر الكريم ويشرك الدنيا فرحته فيقول:
بشرى العوالم أنت يا رمضان
هتفت بك الأرجاء والأكوان
لك في السماء كواكب وضاءة
ولك النفوس المؤمنات مكان
سعدت بلقياك الحياة وأشرقت
وأنهل منك جمالها الفتان
ويهلل “محمد راجح الأطرش” في قصيدته (الوافد الحبيب) بمقدم الشهر الكريم فيقول:
وافيت يا شهر المثوبة والفضائل والبشائر
أهلا بمقدمك السعيد.. ومرحبا يا خير زائر
يا نفحة الإيمان يا فيض العقيدة والمنائر
نرنوا إليك مسائلين الله تطهير السرائر
وينثر الشاعر “عبد القدوس الأنصاري” باقة شعرية يرحب فيها برمضان فيقول:
فأنت ربيع الحياة البهيج
تنضر بالصفو أوطانها
وأنت بشير القلوب الذي
يعرفها الله رحمانها
فأهلاً وسهلاً بشهر الصيام
يسل من النفس أضغانها
ويناجي الشاعر “أحمد محمد الصديق” نفسه مع إطلالة شهر الصيام فيقول:
أطَلَّ عَلى النَّاسِ شَهْرُ الصِّيام
فَبُشْراكِ بالوافِدِ المـُكْرَمِ
هَلُمّي.. هَلُمّي.. بهِ نَحْتَفي
ونُعْلِنُ عَنْ فرحَةِ المَقْدَمِ
أُعيذُكِ مِنْ نَزَعاتِ الهَوَى
وفي مَوْسِمِ الخِصْبِ أنْ تُحرَمي
على عَتَباتِ الرّضا والسّلام
أطيلي الوقوفَ.. ولا تَسْأَمي
فإنْ جادَ بالعفْوِ رَبُّ السَّماءِ
فحسْبُكِ ذلكَ مِـنْ مَـغْـنَمِ
وحسبُكِ أَنّا عَفَرْنا الجَبينَ
لدَيهِ .. وفي حِصْنِـهِ نَحْتَمِي
وعن فضل شهر رمضان كانت للشعراء مشاعرهم التي برزت في قصائدهم، ومنها للشاعر “محمود عارف” أبيات في فضل شهر رمضان وأنه محراب العبادة
وموسم الأذكار والتراويح المضيئة التي تزكي النفوس وتطهر القلوب وتطيب الأرواح إذ يقول:
رمضان محراب العبادة للورى
تغدو به الأرواح أطهر مرتقى
فيه التراويح المضيئة مسبح
للقلب للإيمان يعمر مرفقا
ساعاته عمر الزمان مليئة
بالذكر حيث العمر عاد محلقا
ونقرأ للشاعر “محمد إبراهيم جدع” قصيدة يصف فيها رمضان بأنه خير الشهور، ولياليه مجالس للذكر وترتيل للقرآن وفيه بشرى من العزيز الرحمن بالصفح والغفران يقول فيها:
رمضان يا خير الشهور
وخير بشرى في الزمان
ومطالع الإسعاد ترفـل
في لياليـــك الحسان
ومحافل الغفران والتقـوى
تفيـــــض بكل آن
ومجالس القرآن والذكر
الجليـــل أجل شان
ويحث الشاعر “عبد الرزاق الخالدي” المسلمين على التمسك بالبعد الحقيقي الأصيل لشهر الصيام وليس بمجرد المظهر فقط الذي يتمثل في الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة بل يدعو إلى اغتنام أيامه ولياليه في فعل الخيرات واجتناب السيئات حتى نفوز بالجنات فيقول:
قد جاء شهر الاعتكاف فكن به
في طاعة تعطى رفيع جنان
وتجنب الآثام والزم توبة
تقصيك عن لهو وعن نسيان
خسئ اللعين وصفدت أحزابه
بسلاسل من سطوة الديّان
وافاك شهرك شهر أرباب التقى
رمضانك الموسوم بالغفران
فاغنم لياليه وكرم يومه
بالصوم عن زور وعن بهتان
فاجهد وشمّر فيه ساعد كيس
لا عاجزاً تبع الهوى بأماني
شهر الرضا فيه الجنان تفتحت
أبوابها كرماً لذي العرفان
لا تفتننك عن هداك ضلالة
تلهيك عن ذكر وعن قرآن
رمضان مدرسة ومشفى فالتمس
منه الشفاء ومنهج الرضوان
لا تجعل التقوى على أيامه
وقفاً وبعد تخوض في العصيان
وحين انتصر المسلمون على أنفسهم بالصوم نصرهم الله على عدوهم في مواطن كثيرة حتى استحق شهر رمضان أن يوصف بأنه شهر الانتصارات
التي تغنى بها الشعراء، يقول الشاعر الكويتي “فاضل خلف” في الشهر المبارك شهر الانتصارات:
بشير الفتح والنصر المصفى
أهلّ فزادنا حبا وزلفى
هو الشهر المبارك فيه عزت
ديار العرب والإسلام صفا
وعظمته الجدود فكان مجداً
وكان المجد قرآناً وسيفا
فمنذ النصر في ساحات بدر
ودين الله فاح شذا وعرفا
فعطر في المسيرة كل أرض
وأهدى من غنائمه وأوفى
فيا شهر الصيام أفض علينا
ينابيع الهدى مدداً وعطفا
وأما عن حال كثير من المسلمين الآن في شهر رمضان فهي حال مؤسفة يعبر عنها “خالد البيطار” في حالة من التعجب حين يسأل (أين رمضان) فيقول:
قـالوا: أتـى رمضان ثم مضى
وتـكاد تـأتي ليـلةُ النَّـحْر
فعجـبتُ مـن أمري وأمـرِهمُ
رمضانُ يأتي دون أن أدري؟!
أنـا لـم أغِبْ يوماً عـن الدنيا
وكـذا – يقيناً- لم يَغِبْ فِكْري
عجباً! فكيف أتى؟ وكيف مضى؟
أم كيف مـرَّتْ فرحةُ الفطر؟!
أيـنَ المساجـد وهـي ضاحكة
مغمـورة بـالخير والبِـشْرِ؟
وكـأنها مِـنْ حسن مـا لبست
تـختال فـي تـاجٍ من الدُّرِّ
أيـن المـآذنُ فـي تـلألئـها
بـالنور والتـكبير إذْ يَسْري؟
أيـنَ التـراويحُ التي أهـوى
وأشـدُّ فـي ركعاتها أزْري؟
والاعـتـكـافُ وكـم له أهفو
متـجـرداً لله فـي العـشر؟
وسـألتُ نـفسي بعدمـا ذهبوا
أتـريْن تـفسيراً لما يَجري؟!
أيَـمُـرُّ هــذا كـلُّه وأنــا
لاهٍ فمـا شأنـي وما أمري؟!
وفهـمتُ منهـا أنها لمحتْ
طيفاً سريـعَ الخطو في السير
جـاز الديـارَ ومـا أقامَ بـها
إلا كخـفقـة ذلـكَ الطيـر
لَمَـحَ الشياطينَ التـي ظـهرتْ
فـي كـل أرضِ دونما سِتر
ورأى الفسـادَ وأهـلَه اجتمعوا
في البر أبصرهم وفي البحر
فأبـى الإقامة هـا هنـا ومضى
يشـكو كمـا تشكو من الضُّر
استقبال رمضان
رمـضانُ أقـبلَ يا أُولي الألبابِ *** فاستَـقْـبلوه بعدَ طولِ غيـابِ
عـامٌ مضى من عمْرِنا في غفْلةٍ *** فَتَـنَبَّهـوا فالعمرُ ظـلُّ سَحابِ
وتَهـيّؤوا لِـتَصَـبُّرٍ ومـشـقَّةٍ *** فأجـورُ من صَبَروا بغير حسابِ
اللهُ يَجزي الصائـميـنَ لأنـهم *** مِنْ أَجلِـهِ سَخِـروا بكلِّ صعابِ
لا يَدخـلُ الـريَّـانَ إلا صائـمٌ *** أَكْرِمْ بـبابِ الصْـومِ في الأبوابِ
وَوَقـاهـم المَولى بحرِّ نَهـارِهم ***ريـحَ السَّمـومِ وشرَّ كلِّ عـذابِ
وسُقوا رحيـقَ السَّلْسبيـلِ مزاجُهُ *** مِنْ زنجبـيـلٍ فاقَ كلَّ شَـرابِ
هـذا جـزاءُ الصائـمينَ لربِّهم *** سـَعِدوا بخيـرِ كرامةٍ وجَـنابِ
الصومُ جُنَّـةُ صائـمٍ مـن مَأْثَمٍ ***يَنْـهى عن الفحشـاء والأوشابِ
الصـومُ تصفيـدُ الغرائزِ جملةً *** وتـحـررٌ من رِبْـقـةٍ بـرقابِ
ما صامَ مَنْ لم يَرْعَ حـقَّ مجاورٍ *** وأُخُـوَّةٍ وقـرابـةٍ وصـحـابِ
ما صـامَ مَنْ أكَلَ اللحومَ بِغيـبَةٍ *** أو قـالَ شـراً أو سَعَى لخـرابِ
ما صـامَ مَـنْ أدّى شهادةَ كاذبٍ *** وأَخَـلَّ بـالأَخــلاقِ والآدابِ
الصومُ مـدرسةُ التعفُّـف ِوالتُّقى *** وتـقـاربِ البُعَداءِ والأغـرابِ
الصومُ رابـطةُ الإخـاءِ قويـةً *** وحبالُ وُدِّ الأهْـلِ والأصحـابِ
الصومُ درسٌ في التسـاوي حافلٌ *** بالجودِ والإيثـارِ والـتَّـرحْابِ
شهـرُ العـزيمة والتصبُّرِ والإبا *** وصفاءِ روحٍ واحتمالِ صعـابِ
كَمْ مِـنْ صيامٍ ما جَـنَى أصَحابُه *** غيرَ الظَّما والجوعِ والأتـعـابِ
ما كلُّ مَنْ تَرَك الطـعامَ بـصائمٍ *** وكذاك تاركُ شـهـوةٍ وشـرابِ
الصومُ أسـمى غايـةٍ لم يَرْتَـقِ *** لعُلاهُ مثلُ الرسْـلِ والأصحـابِ
صامَ الـنبيُّ وصـحْبُهُ فـتبرّؤوا *** عَنْ أن يَشيبوا صومَهـم بالعـابِ
قـومٌ هـمُ الأملاكُ أو أشباهُـها *** تَمشي وتـأْكلُ دُثِّرَتْ بثـيـابِ
صَقَـلَ الصـيامُ نفوسَهم وقلوبَهم *** فَغَـدَوا حديـثَ الدَّهرِ والأحقابِ
صامـوا عـن الدنيا وإغْراءاتِها*** صاموا عن الشَّـهَواتِ والآرابِ
سـارَ الغزاةُ إلى الأعادي صُوَّماً *** فَتَحوا بشهْرِ الصْومِ كُلَّ رحـابِ
مَلكوا ولكن ما سَهَوا عن صومِهم *** وقيامِـهـم لـتلاوةٍ وكـتـابِ
هم في الضُّحى آسادُ هـيجاءٍ لهم *** قَصْفُ الرعودِ و بارقاتُ حرابِ
لكـنَّهـم عند الدُّجى رهـبانُـه *** يَبكونَ يَنْتَحِبونَ في المـحـرابِ
أكـرمْ بهمْ في الصائمينَ ومرحباً *** بقدومِ شهرِ الصِّيدِ والأنـجـابِ