برزَ الربيع لنا برونق مائهِ، فانظر لروعة أرضه وسمائه، فالتربُ بين ممسك ومعنبر من نوره بل مائه وروائه، والطير مثل المحصنات صوادحٌ مثل المغني شادياً بغنائه.
ورد الربيع فمرحباً بوروده وبنور بهجته ونور وروده، وبحُسن منظره وطيب نسيمه، وأنيق ملبسه ووشي بروده، فصلٌ إذا افتخر الزمان فإنه إنسان مفلته وبيت قصيده.
مرحى ومرحى يا ربيع العامِ أشرق فدْتك مشارقُ الأيامِ، بعد الشتاء وبعد طولِ عبوسه أرِنا بشاشةَ ثغرِكَ البسّامِ، وابعث لنا أرجَ النسيمِ معطراً، متخطراً كخواطر الأحلام.
مرحباً ذبنَا اشتياقاً يا ربيع يا خفيفَ الرّوحِ أهلاً مرحبا، كلّما ضاءَ محَيّاكَ البديع هَبّتِ الأرضُ تباهي الكوكبَا.
جاء الربيع فماسَ الكون ترحيباً وغنّت الورق فوق الأيك تطريبا، وصارت الأرض مخضراً جوانبها بالنبت تلقاه مفروشاً ومنصوباً.
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحُسن حتى كاد أن يتكلما، وقد نبّه النيروز في غسق الدجى أوائل ورد كنَّ بالأمس نوّما.
جمال الطبيعة في الربيع
في الربيع تتلون الأحلام باللون الوردي، ويستريح النظر برؤية الخضرة البديعة في كل مكان، وتُحلق الفراشات الملونة بين زهرةٍ وأخرى وهي تتراقص فرحةً بروعته.
في الرَبيع تظهر الشمس خجولةً وكأنها تظهر للملأ لأول مرة، فهي إما مستترةً خلف غيماتٍ رقيقة وحنونة، وإما متسللةً تُرسل أشعتها الخفيفة لتنعكس على خضرة الشجر ولون الورد.
ربيعـنا الحلو تأتينا حلاوته، بها انتشى الجوّ والآفاق والبَشَرُ، وغرّد الطيرُ ألحاناً يقسمها بعوده الغضّ يشجينا به الوترُ.
فصلُ الربيع به الروضاتُ تزدهرُ، بعبقه الورد في الساحات ينتشرُ، بحسنه الزهر في الدوحات عطرها جمالها العذب فيه المرتقى العَطِرُ، ويبسط الفلَّ والريحان يسطرها، بدائع العطر بالألوان تُسْتَطرُ.
هذا الربيع به الإنسان في غدقٍ بين المروج بها الأفنانُ والشجرُ، هذا الجمال به الأرواح في رَغَدٍ حلَّ الربيع به الأكوان تزدهرُ، فجددوا الحب للأزهار وانتعشوا، بوردة الود في الأشواق وانتشروا.
إن الجمال في الربيع يجعل النفوس تتشوق إلى من أبدعه، وإن الحسن يجعل الأرواح تشتاق إلى أصله، وإن النظام يحرك العقل والقلب إلى قانونه، فينتقل المتأمل من الطبيعة إلى خالقها ومن الجمال إلى مبدعه، فتتعلق النفوس بصفات الخالق في جمالها وكمالها.
حكم عن فصل الربيع
في قلب كل شتاء ربيع يختلج، ووراء نقاب كل ليل فجر يبتسم.
الربيع بسمة الطبيعة قبل أن تجود بعطائها إذ لا قيمة للعطاء إذا لم ترافقه بسمة الرضى.
من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج ليس له علاج.
لا شتاء دون ثلج، ولا ربيع دون شمس، ولا فرح دون مشاركة.
شباب بلا أحلام، ربيع بلا زهور.
حتى الربيع في المنفى لا بهجة له.
قلة من يفهم أن جنون الربيع إنما هو وليد حزن الخريف.
لو أصغت الطبيعة إلى مواعظنا في القناعة لما جرى فيها نهر إلى البحر ولما تحول شتاء إلى ربيع.
يأتي الربيع دائما ليذكّرنا بإمكانية البدء من جديد، فالربيع يولد بعد شتاء طويل يدوم لعدة أشهر، يظهر بعدها الربيع بحلته الجميلة، وطلته الجديدة، ليعطي الأمل من جديد، وكذلك البشر، فالإنسان بطبعة متذمر، يشعر بالإحباط عند تعرضه لإخفاق معين، بحيث يعتقد بأنه غير قابل للنهوض، ولكن العكس صحيح، فبإمكانه التعلم من فصل الربيع، كيفية البدء من جديد، والعمل على التخلص من الإحباط، ومحاولة الحصول على السعادة بكل الطرق الممكنة.
وداع فصل الربيع
ذهب الربيع وثغره المتبسمُ فبدا على وجه الحياة تجهمُ، ذهب الربيع وليس ثمة ضاحك فالحزن من وقع الفراق مخيِّمُ.
وداعاً أيها الربيع، يا قمري الأزرق، يا شِعري الأحمق، يا حلمي البديع.
إن نسائم الربيع الراحل تهفو أحياناً فتذكرنا بعمر مضى وليس لنا الحق فى استرجاعه.