هويناك من لوم على حب تكتما – الشاعر البحتري

هُوَيْنَاكَ مِنْ لَوْمٍ على حُبٍّ تَكَتّمَا،
وَقَصْرَكَ نَسْتَخبِرْ رُبُوعاً وأرْسُمَا
تَحَمّلَ عَنها مُنجِدٌ مِنْ خَليطِهِمْ،
أطاعَ الهَوَى، حتّى تَحَوّلَ مُتْهِمَا
وَمَا في سُؤَالِ الدّارِ إدْرَاكُ حَاجَةٍ،
إذا استُعجِمَتْ آياتُهَا أنْ تَكَلّما
نَصَرْتُ لهَا الشّوْقَ اللّجوجَ بأدْمُعٍ
تَلاَحَقْنَ في أعقابِ وَصْلٍ تَصَرّما
وَتَيّمَني أنّ الجَوَى غَيرُ مُقْصِرٍ،
وأنّ الحِمَى وَصْفٌ لمَنْ حَلّ بالحِمَى
وَكَمْ رُمتُ أنْ أسْلُو الصّبَابَةَ نازِعاً،
وَكَيفَ ارْتِجاعي فائِتاً قد تَقَدّما
أُؤلّفُ نَفْساً قَد أُعِيدَتْ على الجَوَى
شَعاعاً، وَقَلْباً في الغَوَاني مُقَسَّما
وَقد أخَذَ الرُّكبانُ أمسِ، وَغادَرُوا
حَديثَينِ مِنّا ظَاهِراً، وَمُكَتَّما
وَمَا كانَ بادي الحُبّ منّا وَمنكُمُ
ليَخْفَى، وَلا سِرُّ التّلاقي ليُعْلَمَا
ألا رُبّما يَوْمٌ مِنَ الرّاحِ رَدّ لي
شَبَابيَ مَوْفُوراً وغَيِّ مُذَّمَما
لَدُنْ غُدْوةً حتّى أرَى الأُفقَ ناشراً،
على شرْقِهِ، عُرْفاً من اللّيْلِ أسحَمَا
وَمَا لَيْلَتي في باطُرْنْجى ذمِيمَةٌ،
إذا كانَ بعضُ العيشِ رَنْقاً مُذَمَّما
طَلَعتُ على بَغدادَ أخْلَقَ طالِبٍ
بنُجْحٍ، وأحرَى وافِدٍ أنْ يُكَرَّمَا
شَفيعي أميرُ المُؤمِنِينَ، وَعُمْدَتي
سُلَيمانُ، أحبوهُ القَرِيضَ المُنَمْنَما
قَصَائِدُ مَنْ لمَ يَسْتَعِرْ مِنْ حلِيّها
تُخَلّفْهُ مَحرُوماً من الحمْدِ مُحرَمَا
خَوَالِدُ في الأقْوَامِ يُبْعَثْنَ مُثَّلاً،
فَما تَدرُسُ الأيّامُ منهُنّ مَعْلَمَا
وَجَدْنَ أبا أيُّوبَ، حيثُ عَهِدَنْهُ،
من الأنسِ لا جَهماً، ولا مُتَجَهَّمَا
فَتًى، لا يُحبُّ الجُودَ إلاّ تَعَجرُفاً،
وَلاَ يَتَعَاطَى الأمْرَ إلاّ تَهَجُّمَا
ثِقَافُ اللّيالي في يَدَيْهِ، فإنْ تَمِلْ
صُرُوفُ اللَّيالي رَدّ مِنْهَا، فَقَوّما
مَليءٌ بِألاّ يَغْلِبَ الهَزْلُ جِدَّهُ،
ولو رَاحَ طَلْقاً للنّدى، مُتَبَسِّما
مُؤدٍّ إلى السّلطانِ جُهْدَ كِفَايَةٍ،
يَعُدُّ بِهَا فَرْضاً عَلَيْهِ مُقَدَّما
زَعِيمٌ لَهُمْ بالعِظْمِ مِمّا عَنَاهُمُ،
ولَوْ جَشّمُوهُ ثَْقْلَ رَضْوَى تَجَشّما
أُطيعُ، وأُضْحي، وَهوَ طَوْعُ خَلائقٍ
كَرَائمَ، يَتبَعَنَ النّدى حَيثُ يَمّما
فَلاَ هُوَ مُرْضٍ عاتِباً في سَماحِهِ،
وَلاَ مُنصِفٌ وَفْراً، إذا ما تَظَلّما
وَلَمْ أرَ مُعْطًى كالمُخَرِّمِ تَمّمَتْ
يَداهُ على بَذْلٍ، فأعطَى المُخَرِّما
رِبَاعٌ نَشَتْ فيها الخِلافَةُ غَضََّةً،
وخُيمِّ فَيْها المُلْكُ طْلقاً فَخَيّما
ألُومُ أجَلَّ القَوْمِ قَدْراً وَهَّمَةً،
إذا هُوَ لمْ يَشْرَهْ إلَيْهَا تَغَنّما
وأحْسُدُ فيها آخَرِينَ أَلومُهمْ،
وَمَا كُنتُ للحُسّادِ من قَبلِها ابْنَمَا
ذَراكَ ، ومَنْ يَحْلُلْ ذَرَاكَ يَجِدْ بهِ
مُجيراً عَلَى الأَيّام أَنْ يَتَهَضَّمَا
بحَسْبِكَ أنّ الشوسَ من آلِ مُصْعَبٍ
رَضُوكَ على تِلْكَ المَكَارِمِ قَيّمَا
رَدَدْتَ عَلَيْهِمْ ذا اليَمِينَينِ نَجدَةً،
تُحَرِّقُ في أعدائِهِمْ، وَتَكَرُّمَا
وَكَمْ لَبِسَتْ منكَ العِرَاقُ صَنيعَةً،
يُشارِفُ مِنْهَا الأفْقُ أنْ يَتَغَيّما
ثَلَثْتَ فُرَاتَيْهَا بجُودِ سَجِيّةٍ،
وَجَدْنَاكَ أوْلَى بالتّدَفّقِ مِنْهُمَا
وَمَكرُمَةٍ لمْ يَبْتَدِ القَوْمُ صَوْغَها،
وَلَمْ يَتَلاَفَوْا مُبْتغَاهَا تَعَلُّما
هَدَيْتَ لَهَا، إنّ التّكَرّمَ فِطْنَةٌ،
وَقَد يَغفُلُ الشّهْمُ الأرِيبُ ليَلؤْمَا
وَلَيسَ يَنَالُ المَرْءُ فارِعَةَ العُلاَ،
إذا لمْ يَكُنْ بالمَغْرَمِ الإدّ مُغرَمَا
وَدِدْتُ لَوْ انّ الطّيفَ من أُمّ مالِكٍ،
على قُرْبِ عَهْدَيْنَا، ألَمّ، فسلّما
لَسَرْعَانَ ما تَاقَتْ إلَيْكَ جَوانحي،
وَما وَلِهَتْ نَفْسي إلَيكَ تَنَدُّمَا
ذكَرْتُكَ ذِكْرَى طامعٍ في تَجَمّعٍ،
رَأى اليأسَ فارْفَضّتْ مَدامِعُهُ دَمَا
وَمِثْلُكَ قَدْ أَعْطَى سُلَيْمَانَ بُلْغَةً
إلى المَجْدِ، أوْ أعطى سُلَيْمَانَ مُنْعِمَا