سقى دار ليلى حيث حلت رسومها – الشاعر البحتري

سَقَى دارَ لَيلى، حيثُ حَلّتْ رُسُومُها،
عِهَادٌ منَ الوَسميّ وُطْفٌ غُيُومُهَا
فَكَمْ لَيْلَةٍ أهْدَتْ إليّ خَيَالَها،
وَسَهْلُ الفَيَافي دُونَها، وَحُزُومُها
تَطيبُ بمَسرَاها البِلاَدُ إذا سَرَتْ،
فيَنْعَمُ رَيّاها، وَيَصْفُو نَسيمُهَا
إذا ذَكَرَتْكِ النّفسُ شَوْقاً تَتابَعَتْ
لذِكْرِاكِ أُحدانُ الدّمُوعِ وَتُومُهَا
قَضَى الله أنّي مِنْكِ ضَامِنُ لَوْعَةٍ
تَقَضّى اللّيالي، وَهْيَ باقٍ مُقيمُها
أمِيلُ بقَلْبي عَنْكِ ثُمّ أرُدُّهُ،
وأعْذِرُ نَفْسِي فيكِ ثُمّ ألُومُها
إذا المُهْتَدي بالله عُدّتْ خِلالُهُ،
حَسِبْتَ السّمَاءَ كاثَرَتْكَ نُجُومُهَا
لَقَدْ خَوّلَ الله الإمَامَ مُحَمّداً
خُصُوصَ مَعَالٍ، في قُرَيشَ عُمُومُهَا
أُبُوّتُهُ مِنْهَا خَلاَئِفُها الأُلَى
لَهَا فَضْلُها في النّائِبَاتِ، وَخِيمُها
وَلَيْسَ حَديثُ المَكرُماتِ بكائنٍ،
يَدَ الدّهرِ، إلاّ حَيثُ كانَ قَديمُها
أقَرّتْ لَهُ بالفَضْلِ أُمّةُ أحْمَدٍ،
فَدانَ لَهُ مُعْوَجُّهَا، وَقَوِيمُها
وَلَوْ جَحَدَتهُ ذلكَ الحَقَّ لم تَكُنْ
لتَبرَحَ، إلاّ والنّجُومُ رُجُومُها
هَنَتْكَ، أمِيرَ المُؤمِنينَ، مَوَاهبٌ
مِنَ الله، مَشكُورٌ لَدَيْكَ جَسيمُها
وَتأييدُ دِينِ الله، إذْ رُدّ أمْرُهُ
إلَيْكَ، فَرَوّى في الأُمُورِ عَليِمُهَا
بَنُو هَاشِمٍ، في كلّ شَرْقٍ وَمَغرِبٍ،
كِرَامُ بني الدّنْيَا، وأنْتَ كَرِيمُها
إذا ما مَشَتْ في جانِبَيْكَ بِأوْجُهٍ
تُهَضِّمُ أقْمَارَ الدّجَى وَتُضِيمُها
رأيتَ قُرَيْشاً حَيثُ أُكمِلَ مَجدُها،
وَتَمّتْ مَساعيها، وَثَابَتْ حُلُومُها
تُوَالي سَوَادَ الرّيشِ مِنْ عندِ صَالحٍ
إلَيْكَ، بأخْبَارٍ يَسُرُّ قُدُومُهَا
مُحَلِّقَةٌ يُنبي عَنِ النّصرِ نُطْقُها
وَقَبلَكَ ما قَدْ كَانَ طَالَ وُجُومُها
نُخَبِّرُ عَنْ تِلْكَ الخَوَارِجِ إنّهُ
هَوَى مُكرَهاً تحتَ السّيُوفِ عَظِيمُها
أرَى حَوْزَةَ الإسْلامِ، حينَ وَليتَها،
تُخُرِّمَ باغِيها، وَحِيطَ حَرِيمُها
تَدارَكَ مَظْلُومُ الرّعِيّةِ حَقَّهُ،
وَخَلّى لَهُ وَجْهَ الطّريقِ ظَلُومُهَا
وَبَصْبَصَ أهلُ العَيثِ حينَ هَداهُمُ
أخُو سَطَوَاتٍ ما يُبَلُّ سَلِيمُها
وَقَد أعطَتِ الرّومُ الذي طُولبَتْ بهِ
بأَبْزِيقَ لَمّا خُبّرَتْ مَنْ غَرِيمُهَا
هَلِ الدّينُ، إلاّ في جِهَادٍ تَقُودُنا
إلَيْهِ عِجالاً، أوْ صَلاَةٍ تُقِيمُها
تَقَضّتْ لَيالي الشّهْرِ، إلاّ بَقِيّةً،
تَهَجَّدُ فيها جاهِداً أو تَقُومُها
وأيسَرُ ما قَدّمْتَ لله، طالِباً
لمَرْضَاتِهِ، أيّامُ فَرْضٍ تَصُومُها
هَجَرْتَ المَلاهي حِسْبَةً وَتَفَرُّداً،
بآياتِ ذِكرِ الله يُتْلَى حَكيمُها
وأخْلَلْتَ باللّذّاتِ، وَهْيَ أوَانِسٌ
مَرَابِعُها، مُسْتَحْسِنَاتٌ رُسُومُها
وَما تَحسُنُ الدّنْيا، إذا هيَ لم تُعَنْ
بآخرَةٍ حَسْنَاءَ، يَبْقَى نَعيمُها
بَقَاؤكَ فِينَا نِعْمَةُ الله عِنْدَنَا،
فَنَحْنُ بِأوْفَى شُكْرِهاِ نَسْتَدِيمُهَا