قلما لا تتصباني الدمن – الشاعر البحتري
قَلّمَا لا تَتَصَبّاني الدّمَنْ،
وَتُعَنّيني بذِكْرَى مِنْ شَجَنْ
وَاجِداً غَايَةَ صَدْرٍ مِنْ جَوًى؛
ناشِداً بُلغَةَ عَيْنٍ مِنْ وَسَنْ
وَالغَوَاني يَتَورَّدْنَ بِنَا
قُحُمَ الهُلْكِ وَإنْ هِمْنَا بهِنّ
كُلّما أوْمَضَ بَرْقٌ، أوْ سرَى
نَسْمُ رِيحٍ، أوْ ثَنَى عِطفاً فَنَنْ
كَلّفَتْني أرْيَحِيّاتُ الصّبَا
طَلَقاً في السَّوْقِ ، مُمتَدَّ السَّنَنْ
نَقَلَتْني في هَوًى بَعدَ هوًى،
وَابتَغَتْ لي سَكَناً بَعدَ سَكَنْ
غَبْرَ حُبٍّ لسُلَيْمَى، لمْ يَزِدْ
فيهِ إسْعافٌ، وَلم يَنقُصْهُ ضَنّ
ثَبَتَتْ، تَحْتَ الحَشا، آخيّةٌ
مِنْهُ لا ينْزَِعُها المُهرُ الأرِنْ
أتَوَخّى سَترَ حُبٍّ لَمْ يَزَلْ
ظاهرَ الوَجْدِ بهِ، حتّى عَلَنْ
وَالذي غَمّ عَلى النّاسِ، فَلَمْ
يَعلَمُوا ما هوَ، شيءٌ لم يَكُنْ
وَلَقَدْ بايَعْتُ بالشّيْبِ، فَمَا
قِيضَ لي طَيّبُ نَفْسٍ بغَبَنْ
وَمِنَ الأعْلاقِ تَاوٍ قَدْرُهُ،
عاجِزُ القيمَةِ عَن كلّ ثَمَنْ
رُفِعَتْ قَرْيَةُ حَسّانٍ لَنَا،
وَسِوَاهَا عِنْدَهُ المَرْأى الحَسنْ
فَكَأنّا، حِينَ صَلّيْنَا إلى
قُبّةِ الحجّاجِ، عُبّادُ وَثَنْ
أمِقُ الكُوفَةَ أرْضاً، وَأرَى
نَجَفَ الحِيرَةِ أرْضَاهَا وَطَنْ
حِلَلُ الطّائيّ أوْلى حِلَلٍ،
بِمَقَامِ الدّهْرِ، للثّاوِي المُبِنّ
حَيثُ لا يُستَبطأُ الحَظُّ، وَلا
يُتَخَشّى غَوْلَهُ صَرْفُ الزّمَنْ
حَائِزٌ مُلْكَ العِرَاقَينِ، إلى
ما حوَى الشِّحْرَ، فأسيافِ عَدَنْ
تَتَظنَّاهُ عَلَى البُعْدِ فَلاَ
تَمْلِكُ الهَيْبَةَ أَقْوَالُ اليَمَنْ
تُوْجِفُ الأذْوَاءُ مِنْ طاعَتِهِ،
مِنْ حَوَالٍ أوْ رُعَينٍ أوْ يَزَنْ
يََسْألُ الأقْوَامَ عَنْ رُوّادِهِمْ،
عِندَ أبوَابِ مُرَجًّى ذي مِنَنْ
عُصَبٌ، إن يحتجبْ لا يَسخَطوا،
وَتَفيضُ الأرْضُ خَيراً إنْ أذِنْ
صَرّحَتْ أخْلاقُهُ عَنْ شِيمَةٍ،
يَهَبُ السّؤدَدُ فيها ما اختَزَنْ
لمْ تَحُزْها صِفَةُ المُطرِي، وَلا
مُنيَةُ الرّاغبِ، لوْ قيلَ: تَمَنّ
لَوْ تَرَقّبْتَ لتَلْقَى مِثْلَهُ،
كُنتَ كالرّاقبِ وَقتاً لمْ يَحِنْ
ضَمِنَ البِشْرَ، فلَمْ يَلطُطْ بهِ،
كَزَعيمِ الدَّينِ أدّى ما ضَمِنْ
ما انتَهَى الأعداءُ حَتّى نَاقَلَتْ
حُصُنُ الخَيلِ بأبْنَاءِ الحُصُنْ
كُلّمَا احْمَرّ لَهَا البأسُ ثَنَتْ،
وَهْيَ مِمّا وَطِئَتْ حُمرُ الثُّنَنْ
سَكَنَتْ مِنْ شَغْبِ بَغدادٍ، وَقدْ
كانَ جَيّاشَ النّوَاحي، فسَكَنْ
وَعَلى دارَاتِ خَفّانٍ، وَقَدْ
أخْلَفَ الهَيصَمُ ما كانَ يُظَنّ
شاهِرَاتٌ، خَلْفَهُ، مأثُورَةً
مِنْ سُيُوفٍ لا تَقي مِنها الجُنَنْ
تَرَكَ الرّيفَ، وَعَلّى يَبْتَغي
في أبَانَينِ، عِيَاذاً، وَقَطَنْ
يَحْسِبُ الأرْطَي زُها الخيْلِ، وَمَنْ
تَنْهَسُ الحَيَّةُ يُفْزِعْهُ الرَّسَنْ
وَلَوِ استَأنَفَ رُشْداً، لاطّبَى
عطْفََ مَنّانٍ، إذا استُعطِفَ مَنّ
بيَمينَينِ تُفيدانِ الغِنَى،
وَالأيادي البِيضُ للأيدي اليُمُنْ
أينَ مَا استَنزَلَهُ الأقْوَامُ عَنْ
وَفْرِهِ بالقَوْلِ، ألفَوْهُ أَذِنْ
تَتَأيَّا بَغَتَاتُ الجُودِ مِنْ
رَادِفِ النّعمَى، متى يَبدأ يُثَنّ
أيُّ يَوْمٍ، بَعدَ يَوْمٍ، لمْ يَعُدْ
حَسَناً مِنْ فِعلِهِ، بَعدَ حَسنْ