سقى ربعها سح السحاب وهاطله – الشاعر البحتري
سَقَى رَبْعَها سَحُّ السّحابِ وَهَاطِلُهْ،
وإنْ لمْ يُخَبِّرْ آنِفاً مَنْ يُسَائِلُهْ
وَلاَ زَالَ مَغْنَاهَا بمُنْعَرَجِ اللّوَى،
مُرَوَّضَةً أجْزَاعُهُ، وجَراولُُهْ
فَكَمْ عُنّيَ الوَاشي هُنَاكَ وَبُيّتَ الـ
ـعَذُولُ بِلَيْلٍ، سَرْمَدٍ مُتَطَاوِلُهْ
وَلَيْسَ المُحبُّ مَنْ تَنَاهَتْ وُشاتُهُ،
وأقصَرَ لاحُوهُ، وَنَامَتْ عَوَاذِلُهْ
أُرَجِّمُ في لَيْلَى الظّنُونَ، وإنّمَا
أُخَاتِلُ في وَجْدي بهَا مَنْ أُخَاتِلُهْ
وَقَدْ زَعَمَتْ أنّي تَعَمّدتُ هَجرَها،
وَلَمْ تَدرِ ما خَطبُ الهَوَى، وَبَلابِلُهْ
وإنّي لأقْلي بَعْضَ مَنْ لا يُرِيبُهُ
صُدودي، وأهوَى بعضَ من لا أَوَاصِلُهْ
أبَرْقٌ تَجَلّى أمْ بَدا ابنُ مُدَبِّرٍ
بغُرّةِ مَسؤُولٍ، رأى البِشرَ سائِلُهْ
فَما قَطَعتْ بالمُستَميحِ ظُنُونُهُ، فيُكدي، ولا خابتْ لدَيهِ وسائلُهْ
يُخَاتِلُنَا عَنْ مَدحِنَا مُتَطَوِّلٌ،
إذا ما أرَدْنا نَيْلَهُ لا نُخَاتِلُهْ
ألَطّتْ بهِ الحُمّى ثَلاثاً، وَوَدّها
لَوَ أنّ وَشيكَ البُرْءِ أُمهِلَ عاجِلُهْ
تُعَاوِدُهُ تَوْقاً إلَيهِ، وَلَمْ يَزَلْ
يَتُوقُ إلَيْهِ الإلْفُ، حينَ يُزَايِلُهْ
وَكَانت حَرًى ألاّ تَعُودَ لوِ اغتَدَتْ
معَ الجَيشِ يَوْمَ الهِندُوَانِ، تُقاتِلُهْ
فتًى لمْ يُنَكّبُهُ الشّبَابُ عن الحِجَى،
وَلَمْ يَنْسَ عَهدَ اللّهوِ، والشّيبُ شاملُهْ
إذا بَعَثَتْهُ الأرْيَحِيّةُ أضْعَفَتْ
أياديه، أوْ جَاءَتْ تُؤاماً فَوَاضِلُهْ
إذا سؤدَدٌ دانَى لَهُ مَدَّ هَمَّهُ
إلى سُؤدَدٍ نائي المَحَلّ، يُزَاوِلُهْ
تَوَقَّعُ أنْ يَحْتَلّها دَرَجُ العُلَى،
كما انتَظَرَتْ أوْبَ الهِلالِ مَنَازِلُهْ
وَصَلْتُ بكَفّي كَفّهُ، فَمَدَدْتُها
إلى مَطلَبٍ، أيْقَنْتُ أنّيَ نائِلُهْ
وأبْثَثْتُهُ شأني، وَجَنّبْتُ مُعْرِضاً،
ليَفعَلَ صَوْبُ المُزْنِ ما هوَ فاعِلُهْ
وألقَيْتُ أمْرِي في مُهِمّ أُمُورِهِ،
ليَحمِلَ رَضْوَى ما تَغَمّدَ كاهِلُهْ
وَقَدْ حَكّمُوهُ وَهوَ في كلّ مُشكلٍ
سَرِيعُ القَضَاءِ، مُرتَضَى الحكمِ،فاصِلُهْ
فلَمْ يَبْقَ إلاّ نَهْضَةٌ يَسْتَخِفُّهَا
تحَرّيهِ، إذْ عَاقَ الزّهيدَ تَثَاقُلُهْ
وَكَمْ غِرّةٍ للمَجْدِ بادَرَ فَوْتَهَا،
وَعَائِرِ حَمْدٍ أعْلَقَتْهُ حَبَائِلُهْ
وإنّ ارْتِقَابي ضَيْعَتي مِنْ جَنابِهِ،
كَمَا ارْتَقَبَ السّارِي الصّباحَ يُقابِلُهْ