عذيري فيك من لاح إذا ما – الشاعر البحتري
عَذيري فيكِ مِنْ لاحٍ، إذا مَا
شَكَوْتُ الحُبّ حَرّقَني مَلاَمَا
فَلا وأبيكِ، ما ضَيّعْتُ حِلْماً،
وَلاَ قَارَفْتُ في حُبّيكِ ذَامَا
أُلامُ عَلَى هَوَاكِ، وَلَيْسَ عَدْلاً
إذا أحْبَبْتُ مِثْلَكِ أنْ أُلاَمَا
لَقَدْ حَرّمْتِ مِنْ وَصْلِي حَلالاً،
وَقَدْ حَلّلْتِ مِنْ هَجْرِي حَرَامَا
أعيدي فيّ نَظْرَةَ مُسْتَثيبٍ،
تَوَخّى الأََجْرَ أوْ كَرِهَ الأثَامَا
تَرَيْ كَبِداً مُحَرَّقَةً، وَعَيناً
مُؤرَّقَةً، وَقَلْبَاً مُسْتَهَامَا
تَنَاءَتْ دَارُ عَلْوَةَ، بَعْدَ قُرْبٍ،
فَهَلْ رَكْبٌ يُبَلّغُهَا السّلاما؟
وَجَدّدَ طَيْفُهَا لَوْماَ وَعَتْباً،
فَمَا يَعْتَادُنا إلاّ لِمَامَا
وَرُبّتَ لَيْلَةٍ قَدْ بِتُّ أُسْقَى
بِعَيْنَيْها وَكَفّيْهَا المُدَامَا
قَطَعْنَا اللّيْلَ لَثْماً واعْتِنَاقَاً،
وأفْنَيْنَاهُ ضَمّاً والتِزَامَا
وَقَدْ عَلِمَتْ بِأنّي لَمْ أُضَيّعْ
لَهَا عَهْداً، وَلَم أخفِرْ ذِمَامَا
لَئِنْ أضْحَتْ مَحَلّتُنَا عِراقَاً،
مُشَرِّقَةً، وَحِلّتُهَا شَآمَا
فَلَمْ أُحْدِثْ لَهَا إلاّ وَداداً،
وَلَمْ أزْدَدْ بهَا إلاّ غَرَامَا
خِلاَفَةُ جَعْفَرٍ عَدْلٌ، وأمْنٌ،
وحْلمٌ لمْ يَزَلْ يَسَعُ الأنَامَا
غَرِيبُ المَكْرُمَاتِ تَرَى لَدَيْهِ
رِقَابَ المَالِ تُهتَضَمُ اهْتِضَامَا
إذا وَهَبَ البُدُورَ رأيْتَ وَجْهاً،
تَخَالُ بحُسْنِهِ البَدْرَ التّمَامَا
غَنِيٌّ، إنْ بُفَاخَرَ، أوْ يُسَامَى،
جَليلٌ، إنْ يُفاخَرْ أو يُسَامَى
غَمَرْتَ النّاسَ إفضَالاً وَفَضْلاً،
وإنْعَاماً مُبِرّاً، وَاْنتِقَامَا
نَعُدُّ لَكَ السّقايَةَ وَالمُصَلّى،
وأرْكَانَ البَنِيّةِ والمَقَامَا
مَكَارِمُ قَدْ وَزَنْتَ بِهَا ثَبِيراً،
فَلَمْ تَنْقُصْ وَطُلْتَ بها شَمَامَا
وَمَا الخُلَفَاءُ لَوْ جَارَوْكَ يَوْماً،
بِمُعْتَلِقِيكَ رَأياً وَاعتِزَامَا
ألَسْتَ أعَمّهُمْ جُوداً، وأزْكَا
هُمُ عُوداً، وأمضَاهُمْ حُسَامَا
وَلَوْ جُمِعَ الأئِمّةُ في مَقَامٍ،
تَكُونُ بِهِ لَكُنتَ لهمْ إمَامَا
مُخِالِفُ أمرِكُمْ لِلهِ عَاصٍ،
وَمُنْكِرُ حَقّكُمْ لاقٍ أثَامَا
وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ مَنْ لَمْ يُقَدّمْ
وِلاَيَتَكُمْ، وإِنْ صَلّى وَصَامَا
شَهَرْتُمْ في جَوَانِبِ كلّ ثَغْرٍ
ظُبَاةَِ البِيضِ، والأسَلَ المُقَامَا
وأقْدَمْتُمْ، وَفي الإقدامِ كُرْهٌ
عَلى الغَمَرَاتِ تُقتَحَمُ اقتِحَامَا
أمِينَ الله! دُمتَ لَنَا سَليماً،
وَمُلّيتَ السّلامَةَ والدّوَامَا
أرَى المُتَوَكّلِيّةَ قَدْ تَعَالَتْ
مَحَاسِنُها، وأكمَلَتِ التّمَامَا
قُصُورٌ كالكَوَاكِبِ، لاَمِعَاتٌ،
يَكَدْنَ يُضِئنَ للسّارِي الظّلامَا
وَبَرٌّ مِثلُ بُرْدِ الوَشيِ فيهِ
جَنى الحَوْذانِ يُنشَرُ والخُزَامَى
إذا بَرقََ الرّبيعُ لَهُ كَسَتْهُ
غَوَادي المُزْنِ، والرّيحُ الرُّخامَى
غَرَائِبُ مِنْ فُنُونِ النّبتِ فيها
جَنَى الزّهْرِ الفُرَادَى والتّؤامَا
تُضَاحِكُها الضّحَى طَوْراً، وَطَوْراً
عَلَيْها الغَيْثُ يَنسَجِمُ انسِجَامَا
وَلَوْ لَمْ يَسْتَهِلّ بهَا غَمَامٌ
بِرَيّقِهِ، لَكُنْتَ لَهَا غَمَامَا