طفقت تلوم ولات حين ملامه – الشاعر البحتري
طَفِقَتْ تَلومُ، وَلاتَ حينَ مَلامِهِ،
لا عِنْدَ كبَْرَتهِ، وَلا إحْجَامِهِ
لمْ يُرْوَ مِنْ مَاءِ الشّبَابِ، وَلا انجلتْ
ذَهَبِيّةُ الصّبَوَاتِ عَنْ أيّامِهِ
أهْلاً بِزَائِرِنَا المُلِمّ، لَوَ انّهُ
عَرَفَ الذي يَعْتَادُ مِنْ إلْمَامِهِ
جَذْلانُ، يَسمَحُ في الكَرَى بعِناقِهِ،
وَيَضَنُّ، في غَيرِ الكَرَى، بسَلامِه
أتُرِيكَ أحْلامُ الدُّجى ذا لَوْعَةٍ،
كَلِفَ الضّلُوعِ يَرَاكَ في أحْلامِهِ؟
للصّامِتيّ مُحَمّدٍ في صَامِتٍ
نَسَبٌ، كَعِقْدِ الدُّرّ غِبَّ نِظامِهِ
مُستَجمِعٍ شَرَفَينِ قَدْ جُمِعَا لَهُ
في جَاهِلِيّتِهِ، وَفي إسْلامِهِ
إنْ قيلَ رَبْعيٌّ فَمِنْ آبَائِهِ؛
أوْ قيلَ قَحْطَبَةٌ فَمِنْ أعْمَامِهِ
وَخُؤولَةٌ مِنْ عَمْرِهِ، وَيَزِيدِهِ،
وَوَلِيدِهِ، وَسَعيدِهِ، وَهشَامِهِ
أُنْظُرْ إلى تِلْكَ الجِبَالِ، فإنّهَا
مَعْدُودَةٌ في هَضْبِهِ وَإكَامِهِ
كالسّيْفِ في إخْذامِهِ، وَالغَيْثِ في
إرْهَامِهِ، وَاللّيْثِ في إقْدامِهِ
إنْ كُنتَ تُنكِرُ ما أقُولُ، فَجارِهِ،
أوْ بَارِهِ، أوْ نَاوِهِ، أوْ سَامِهِ
مُتَشَعّبٌ، لا يَقْتَضِي في مَحْفِلٍ
مِنْ فَهْمِهِ شَيْئاً، وَلاَ إفْهَامِهِ
أمْضَى عَلى خَصْمٍ غِرَارَ لِسَانِهِ،
فَكَأنّمَا أمضَى غِرَارَ حُسَامِهِ
إمّا تَنَقّلَتِ العُهُودُ، فإنّهُ
ثَبْتٌ علَى عَهْدِ النّدى وَذِمَامِهِ
وَيَبيتُ يَحْلَمُ بالمَكارِمِ وَالعُلاَ ،
حتّى يكونَ المَجْدُ جُلّ مَنَامِهِ
أفْدِي نَداكَ، فَرُبّ يَوْمٍ جَاءَني
عَفْواً، يَقُودُ ليَ الغِنَى بزِمَامِهِ
وَإذا أرَدْتَ لَبِسْتُ منكَ مَوَاهِباً،
يُنْشَرْنَ نَشْرَ الوَرْدِ مِنْ أكْمَامِهِ
أمّا الجَوَادُ، فَقَدْ بَلَوْنَا يَوْمَهُ،
وَكَفَى بِيَوْمٍ مُخْبِراً عَنْ عَامِهِ
جَارَى الجِيَادَ، فَطَارَ عَنْ أوْهامها
سَبْقاً، وكَادَ يَطيرُ عَنْ أوْهَامِهِ
جَذْلانُ، تَلْطُمُهُ جَوَانبُ غُرّةٍ،
جَاءَتْ مَجيءَ البَدْرِ عِندَ تَمَامِهِ
وَاسْوَدّ ثمَّ صَفَتْ، لعَيْنَيْ نَاظِرٍ،
جَنَبَاتُهُ، فأضَاءَ في إظْلامِهِ
مَالَتْ جَوَانِبُ عُرْفِهِ، فََكَأنّهَا
عَذَبَاتُ أثْلٍ مَالَ تَحتَ حَمَامِهِ
وَمُقَدَّمِ الأُذْنَينِ، تَحْسِبُ أنّهُ
بِهِمَا يَرَى الشّخْصَ الذي لأمَامِهِ
يَختالُ في استِعرَاضِهِ وَيُكبُّ في استدْ
بارِهِ، وَيَشِبُّ في اسْتِقْدَامِهِ
وَإذا التَقَى الثَّفْرَ القَصِيرَ وَرَاءَهُ،
فالطّولُ حَظُّ عِنَانِهِ وَحزَامِهِ
وَكَأنّ فَارِسَهُ، وَرَاءَ قَذالِهِ،
رِدْفٌ، فَلَسْتَ تَرَاهُ مِنْ قُدّامِهِ
لانَتْ مَعَاطِفُهُ، فَخُيّلَ أنّهُ،
للخَيْزُرَانِ، مُنَاسِبٌ بِعِظَامِهِ
في شُعْلَةٍ كالشّيبِ لاحَ بمَفْرِقي،
غَزَلٌ لهَا عَنْ شَيْبِهِ بِغَرَامِهِ
وَمُرَدَّدٍ بَينَ القَوَافي يَجْتَني
مَا شَاءَ مِنْ ألِفِ القَرِيضِ وَلامِهِ
وَكَأنّ صَهْلَتَهُ، إذا اسْتُعْلي بِها،
رَعْدٌ يَُقَعْقِعَُ في ازْدِحَامِ غَمَامِهِ
مِثْلُ العُقابِ انْقَضّ مِنْ عَلْيَائِهِ،
في بَاقِرِ الصَّمّانِ، أوْ أرْآمِهِ
أَو كالغُرَابِ غَدَا يُبَاري صَحْبَهُ
بِسَوَادِ نُقْبَتِهِ، وَحُسنِ قَوَامِهِ
لا شيءَ أجْوَدَ مِنْهُ غَيرُ فَتًى غَدَا
مِنْ جُودِهِ الأوْفَى، وَمِنْ إنْعامِهِ
أرْسَلْتُهُ مِلْءَ العُيُونِ مُسَلَّماً
مِنْهَا، بشَهْوَتِهَا لِطُولِ دَوَامِهِ
وَكَأنّ كُلّ عَجِيبَةٍ مَوْصُولَةٍ
بِتَقَسّمِ اللّحَظَاتِ في أقْسَامِهِ
وَالطِّرْفُ أجْلَبُ زَائِرٍ لِمَؤونَةٍ،
مَا لمْ تُزِرْهُ بسَرْجِهِ وَلِجَامِهِ