علل النفوس قريبة أوطانها – الشاعر البحتري

عِلَلُ النّفُوسِ قَرِيبَةٌ أوْطانُهَا
وَصَلَتْ، فمَلّ وِصَالَها جيرَانُهَا
سَهُلَتْ لرَائدِها الجِبالُ: ثَبيرُها،
فجَليلُها، فَشَمَامُهَا، فأبَانُهَا
فاشكُرْ يَدَ الأيّامِ في حُسْنٍ فقَد
عَفّى إسَاءَتَهَا بِهِ إحْسَانُهَا
أوَ مَا تَرَاهُ تَغَيّرَتْ قُمْرِيّةٌ
في لَوْنِهِ، فتَغَيّرَتْ ألْوَانُهَا
نَفْسِي فِداؤكَ أَيُّهَا النّفسُ التي،
لوْ خُلّيَتْ، أوْدَى بها خُلاّنُهَا
قد زِدتَ في مَرضِ القلوبِ، فبرّحَتْ
بُرَحاؤها، وَتَضَاعَفَتْ أشجانُهَا
ما عِلّةٌ كَتَمَ التّجَهّلُ سِرَّهَا،
لَوْ لمْ يُخَبّرْنَا بِِهَا إعْلانُهَا
أُنْبِئُتَهَا بالغَيْبِ، ثُمّ رَأيْتُهَا
تَدنُو مَسافَتُها، وَيَصْغُرُ شانُهَا
وَسَمعتُ وَصفَكَها، فقُلتُ لوَ أنّها
زَادَتْ، وأكبرُ بُغْيَتِي نُقصَانُهَا
لا تَبعَثَنّ لهَا الهُمُومَ قَوَاصِداً،
بَعدَ الهُمومِ، فإنّها أعْوَانُهَا
أنّى أَخَافُ جِماحَها مِنْ بَعدِما
ظَهَرَ الدّوَاءُ، وفي يَدَيهِ عِنانُهَا
ضَرْبٌ من المَكرُوهِ يَدفَعُ آخَراً ،
كالنّارِ كُفّ بغَرْقَدٍ وَقَدانُهَا
وَالسّيفُ قد يُنقيهِ من كدَرِ الصّدا
كَدَرُ المَداوِس بِكرُها وعَوَانُهَا
وَالبَدرُ يكسِفُهُ النّهَارُ، فتبتَدي
ظُلَمُ الدّجَى، فتُنيرُهُ أدجانُها
لا تَعْدُمِنْكَ عَشيرَةٌ تَسْمُو إلى
سَعدِ العَشِيرَةِ عَمرُها، وَقِنانُهَا
فلأنْتَ، يَوْمَ نَعُدُّ أحْسَنَ ما لها،
يَدُهَا الصَّناعُ، وَوَجهُها ولِسانُهَا