ربع خلا من بدره مغناه – الشاعر البحتري
رَبْعٌ خَلاَ مِنْ بَدْرِهِ مَغنَاهُ
وَرَعَتْ بهِ عِينُ الْمَهَا الأَشبَاهُ
بَدَلاً شَنِيئاً مِن مَحَاسِنِ صُورَةٍ
وَصَلَ الْقُلُوبَ بِنَاظِرَيْهَا اللهُ
كانَتْ مُرَادَ عُيُونِنا فَرَمى الْهَوَى
رَيْبُ الزَّمَانَ فَشَتَّ صَرْفَ قُوَاهُ
ولَرُبَّمَا أَرْتَعْتُ رَوضَةَ حُسْنِهَا
طَرْفِي ، وأَعْطَيْتُ الفُؤادَ مُنَاهُ
مَا كَانَ عَهْدُ وِصَالِهَا لَمَّا نَأَتْ
إِلاَّ كَحُلْمٍ طارَ حُلْوُ كَرَاهُ
فَتَنَاسَ مَنْ لم تَرْجُ رَجْعَةَ وُدِّهِ
وَوِصَالِهِ ، وتَعَزَّ عَنْ ذِكْرَاهُ
بِمُجَنَّبٍ ، رَحْبِ الْفُرُوجِ ، مُشَذَّبٍ
نابِي الْقَذَالِ ، حَدِيدَةٍ أُذُنَاهُ
ضَافِي السَّبِيبِ ، مُقَلِّصٍ لم تَنْخَزِلْ
مِنْهُ الْقَطَاةُ ، ولم يَخُنْهُ شَظَاهُ
صَافِي الأَدِيمِ كَأَنَّ غُرَّةَ وَجْهِهِ
فَلَقُ الصَّبَاحِ انْجَابَ عَنْهُ دُجَاهُ
يَجْرِي إِذا جَرَتِ الجِيادُ عَلَى الْوَنى
فَيَبُذُّ أْولى جَرْيِهَا أُخْرَاهُ
يُدْنِيكَ مِنْ مَلِكٍ أَغَرَّ سَمَيْدَعٍ
يُدْنِيكَ مِنْ أَقْصَى مُنَاكَ رِضَاهُ
لو قِيلَ مَنْ حازَ السَّماحَةَ والنَّدَى
يَوْمَ الْفَخَار ، لَقِيلَ ذَاكَ الشَّاهُ
الشَّاهُ ، شَاهُ المَجْدِ غَيْرَ مُدَافَعٍ
حازَ المَكَارِمَ كُلَّهَا بُرْدَاهُ
مَا الْبَحْرُ مَلْتَطِمُ الْعُبَابِ يُمِدُّهُ
بَحْرٌ يَفِيضُ بِسَيْبِهِ عَبْرَاهُ
يَوْماً بأَسْمَحَ مِنْ أَسِرَّةِ كَفِّهِ
فِي حَالَتَيْهِ بما حَوَتْهُ يَدَاهُ
كَلاَّ ، ولا غَيْثٌ تَهَلَّلَ مُزْنُهُ
بِحَيَا الوَرَى إِلاَّ كَبَعْضِ نَدَاهُ
وَلَمَا أُسَامَةُ وَهْوَ يَحْمِي غِيلَهُ
ووَاءَهُ مَعَ عِرْسِهِ شِبْلاَهُ
بِأَشَدَّ مِنْهُ في الزَّعَازِعِ مُقْدِماً
والمَوْتُ مُحْتَدِمٌ يَشُبُّ لَظَاهُ
يَا كَاهِلَ الْمَجْدِ الَّذِي بفَعَالِهِ
أَرْسَى قَوَاعِدَ طَوْدِهِ رُكْنَاهُ
وسَنَامَ مَفْخَرِهِ ، وشَمْسَةَ تاجِهِ
ونِظَامِهِ ، ومَكَانَ قُطْبِ رَحَاهُ
لَمْ يَبْقَ حُرٌّ لم تَسِمْهُ نِعْمَةٌ
جُلِيَتْ لَهَا يَوْمَ الفَخَارِ حُلاَهُ
إِلاَّ وَلِيَّكَ فاعْتَبِدْهُ بِشَاحِجٍ
لِطَرِيقِهِ لم يَحْوِهِ شَطَنَاهُ
أَو مُقْرَبٍ رَحْبِ المَنَاخِرِ سابِحٍ
يَشجَى بهِ يَوْمَ اللِّقَاءِ عِدَاهُ
لَكَ هَامَةُ المَجْدِ التَّلِيدِ ، وهَضْبُهُ
وشِعَابُهُ ، ونُجُودُهُ ، ورُبَاهُ
مَا زِلْتَ لِلأَحْرَارِ أَحْرَزَ مَلْجَأٍ
يَحْتَلُّ مِنْكَ الأَكرَمُونَ ذُرَاهُ