متى تسألي عن عهده تجديه – الشاعر البحتري
متى تَسألي عَن عَهْدِهِ تَجِدِيهِ
مَلِيّاً بوَصْلِ الحَبلِ لمْ تَصِليِهِ
يُكَلّفُني عنكِ العَذولُ تَصَبُّراً،
وأعْوَزُ شَيءٍ مَا يُكَلّفُنِيهِ
وَيُحْزِنُكِ اللُّوّامُ لَستُ أُطيعُهُمْ،
وَقَوْلٌ مِنَ الْوَاشِينَِ لَسْتُ أعيهِ
عَلى أنّني أخشَى علَيْهِ، وَأتّقي
زِياداتِ مُغرًى بالحَديثِ يَشِيهِ
عَنَاءُ المُحبّ من عَقابيلِ لَوْعَةٍ،
تَحُلّ قُوَى صَبرِ الفَتَى، وَتَهِيهِ
مُعَلِّلُهُ بالوَعْدِ لَيسَ يَفي بهِ،
وَقَاتِلُهُ بالحُبّ لَيسَ يَدِيهِ
وأهْيَفَ مأخوذٍ من النّفسِ شكلُه،
تَرَى العَينُ ما تَحتَاجُ أجمَعَ فيهِ
وَلَمْ تَنْسَ نَفْسِى ما سُقيتُ بكَفّهِ
من الرّاحِ، إلاّ ما سُقيتُ بفِيهِ
أرَى غَفْلَةَ الأيّامِ إعطاءَ مانعٍ
يُصيبُكَ أحْيَانَاً، وَحِلْمَ سَفيهِ
إذا مَا نَسَبتَ الحادِثَاتِ وَجَدْتَها
بَناتِ الزّمانِ أُرْصِدَتْ لِبَنِيهِ
متى أرَتِ الدّنْيا نَبَاهَةَ خامِلٍ،
فَلا تَرْتَقِبْ إلاّ خُمُولَ نَبيهِ
ومَا رَدّ صَرْفَ الدّهْرِ مثلُ مُهَذَّبٍ
أبَى الدّهْرُ أنْ يأتي لَهُ بشَبيهِ
أبُو غالبٍ بالجُودِ يَذكُرُ وَاجبي،
إذا ما غَبيّ البَاخِلِينَ نَسيهِ
تَطُولُ يَداهُ عندَ أوْسَعِ سَعْيِهِمْ
ذوِي الطَّوْلِ من أكْفائِهِ، وَذوِيهِ
إذا ما تَوَجّهْنَا بهِ في مُلِمّةٍ،
فَلَجْنا بوَجْهٍ في الكِرَامِ وَجيهِ
تَقَيّلَ مِنْ آلِ المُدَبِّرِ سَيّداً،
يَقُودُ إلى العَلْيَاءِ مُتّبِعيهِ
وَمَا تابعٌ في المَجدِ نَهجَ عَدُوّهِ،
كمُتّبعٍ في المَجْدِ نَهْجَ أبيهِ
يُذلّلُ صَعبَ الأمرِ حينَ يَرُوضُهُ،
وَيَحْفَظُ أقصَى الأمرِ، حينَ يَليهِ
جَديدُ الشّبابِ كِبْرُهُ بِفَعالِهِ،
وَبَعضُ الرّجالِ كُبْرُهُُ بسِنيهِ
مَخيلَةُ حِلْمٍ في النّدِيّ كأنّها،
إذا اشتَهَرَتْ منهُ، مخيلَةُ تِيهِ
إذا باتَ يُعطي والسّماحِ حَليفَهُ،
تَوَهّمَ يَعطُو بالسَّماحِ أخيهِ
فِداكَ من الأسواءِ مَنْ بِتَّ مُسمحاً
بِمَالِكَ تَفْدي مَالَهُ، وَتقيهِ
حَلاَوَةُ لا في نَفْسِهِ جِدُّ صَدْقَةٍ،
وَطَعمُ نَعَمْ في فيهِ جِدُّ كَرِيهِ
وَمُطّلِبٌ منكَ المُساماةَ لم تَزَلْ
أُلُوفُكَ، حتّى أجحَفَتْ بمِئيهِ
وَلَوْ كان يَبغي مَوْضعَ الجُودِ لاكتَفى
بمُسمِعِهِ أينَ النَّدىَ، وَمُرِيهِ
فإيهِ لكَ الخَيرَاتُ من سَيبِكَ الذي
غَمَرَتْ بهِ سَيْبَ المُساجِلِ، إيهِ