أما وهذا الزمان يمتحنه – الشاعر البحتري
أَمَا وَهَذَا الزَّمَانُ يَمْتَحِنُهْ
بِصَرْفِهِ تارَةً ويَمْتَهِنُهْ
إِذَا جَرَى نَحْوَ غَايَةٍ عَبَأَتْ
لَهُ الرَّدَى مِنْ زَمَانِهِ إِحَنُهْ
فَلا مَلُومٌ عَلَى دَنِيئِتهِ
عَمَّا سَمَتْ لادِّرَاكِهِ فِظَنُهْ
مَنْ ذَا مِنَ الدَّهْرِ بات مُسْتَتِراً
أَمْ مَنْ وَقَتْهُ سِهَامَةُ جُنَنُهْ ؟
هَيْهَاتِ أَعْيَا ، فَمَا تُرَدُّ يَدٌ
لهُ لِمَا سَارَ فِيهِ يَحْتَجِنُهْ
أَمَا ومَنْ مَا ذَكَرْتُ فُرْقَتَهُ
إِلاَّ يَرَى القَلب حَاشِداً شَجَنُهْ
ومَنْ رَضَِيتُ السُقَامَفِي بَدَنِي
مِنْهُ إِذَا كَانَ سَالِماً بَدَنُهْ
ومَنْ كَأَنَّ القَضِيبَ قَامَتُهُ
والبَدْرَ يَحْكِي ضِيَاءَهُ سُنَنُهْ
وَمَنْ بِخَدَّيْهِ رَوضَتانِ ، وَمَنْ
يَنْفُثُ سِحْراً مِنْ طَرْفِهِ فِتَنُهْ
إِذا رَنَا خِلْتَ أَنَّهُ ثَمِلٌ
يَكسِرُ أَجْفَانَ لَحْظِهِ وَسَنُهْ
لَقَدْ حَاَبْتُ الزَّمانَ أَشْطُرَهُ
طَبًّا بِمَا تَنتَحِي لهُ مِحَنُهْ
فَمَا نَأَى المُسْتَقِيمُ مِنْهُ ، وَلاَ
عَلَيَّ أُعْيَتْ جَهَالَةً أُبَنُهْ
وأَعْلَمُ النَّاسِ بالزَّمانِ فَتًى
أَهْدَى أَعاجِيبَهُ لهُ زَمَنُهْ
لِسَيِّىءٍ مِنْهُ نُصْبَ مُقْلَتِهِ
ومَا بَعِيدٌ عَنْ لَحْظِهَا حَسَنُهْ
فَمَا فُؤَادِي بِجَازِعٍ أَسَفاً
مَا أَخْلَفَتْ ذَا مَطَامِعٍ ظِنَنُهْ
غَنِيتُ باللهِ فاسْتَرَحْتُ مِنَ الْــ
ـــمُوفِي عَلَى نَزْرِ مَنِّهِ مِنَنُهْ
وَمِنْ بَخِيلٍ بُرُوقُ زِبْرِجِهِ
كَخُلَّبِ البَرْقِ خَانَهُ مُزُنُهْ
مُتَسِعِ الصَّدْرِ لِلْمَقَالِ ، وإِنْ
رَامَ فَعَالاً فَضَيِّقٌ عَطَنُهْ
والحُرُّ لا يَرْأَمُ الصَّغَارَ إِذا
سِيمَ الأَذَى أَو نَبَا بهِ وَطَنُهْ
لكِنَّهُ يَخْرِقُ الخُرُوقَ ولا
يَسْتَصْعِبُ الصَّعْبَ مُهْوِلاً عَنَنُهْ
حَلِيفُهُ المَشرِفِيُّ لَيْسَ لَهُ
خِلٌّ سِوَى المَشْرِفيِّ يَأْتَمِنُهْ
صَاحِبُ صِدْقٍ تَكْفِيهِ بَدْأَتُهُ
عَوْدَ شَفِيعٍ نَبَتْ لَهُ أْذُنُهْ
إِذا انْتُضِي فالرُّؤُوسَ مَغمَدُهُ
يَأْمَنُ مِنْهُ المُلُوكَ مُمْتَحِنُهْ
طَلائِعُ المَوْتِ فِي تَلأْلُؤِهِ
يَعُوقُهَا لِلشَّقَاءِ مُرْتَهِنُهْ
كالْبَرْقِ يَفْرِي الطُّلَى كأَنَّ بِهِ
ذَحْلاً عَلَى المُقْصَدِينَ يَضْطِغِنُهْ
فالْوَفْرُ بالنَّصْلِ يُسْتَفَادُ إِذَا
ضَاقَتْ عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ مُدُنُهْ
وإِنَّما العَارُ أَن يُرَى حَذِراً
يُزَيِّنُ الفَقرَ عِندَهُ خَنَنُهْ
يُقَلِّبُ الرَّأيَ دَهرَهُ فِرَقاً
لا خَفْضُهُ دَائِمٌ ولا حَزَنُهْ
فَذَا قَريبٌ يَأْوِي إِلى سَكَنٍ ،
وذاكَ نَاءٍ يَهْوي لَهُ سَكَنُهْ