يكاد يبدي لسعدى غيب ما أجد – الشاعر البحتري

يكادُ يُبْدي لسعدى غَيْبَ ما أجِدُ،
تَحَدُّرٌ منْ دِارَكِ الدّمْعِ مطّرِدُ
خَبْلٌ من الحُبّ لم يزْجُرْ سفَاهَتَهُ
حِلْمٌ، وَلمْ يَتَدارَك غَيَّهُ رَشَدُ
ما أُنفِقُ الدمعَ إسرَافاً كَذي كَلَفٍ
تَرْفَضُّ عَبْرَتُهُ عن لوعَةٍ تَقِدُ
إنْ أخَلَقَتْ حُرُقاتٌ منْ صَبابَتِهِ،
تَرَادفَتْ حُرُقاتٌ بعْدَهَا جُدُدُ
أضْحَتْ معاهِدُ ذاكَ الحزن مُقْويَةً،
وَأقْفَرَتْ منهُمُ العَلْياءُ وَالسّنَدُ
وَحْشٌ تأبّدَ في تِلك الطّلولِ، وَقَدْ
تكُونُ أُنّاسَهُنّ الأنَّسُ الخُرُدُ
لقد كفانا اعتِسافَ البِيدِ أوْبُ فَتىً،
جاءَتْ مطاياهُ أرْسالاً بِهِ تَخِدُ
زَارَ العِرَاقَ، فقالَ الآهِلُونَ لَهُ:
أهْلاً، وَرَحّبَ منْ أُنْسٍ بهِ البلَدُ
زِيارَةٌ من عَمِيدٍ لمْ يَزل رَغَباً،
يَزْدارُ في شَرقهِ الأقصى، وَيعتمِدُ
إنْ ساحَ فيْضُ يديه لم يكُنْ عجَباً
أن يُسرَفَ الظّنُّ فيهِ، وَهْوَ مقتصِدُ
أوْ ضَمّن اليوْمَ من جدوَاهُ مَرْغَبَةً
كانَ الكَفِيلَ عَلَيْها بالوَفاءِ غَدُ
يُمِيلُ وَزْنَ القَوَافي بالنّوَال، وَلَوْ
راح النّوَالُ، وَفي مِيزَانِهِ أُحُدُ
وَالشّكْرُ أن يُخْبِرَ الوُرّادُ سائِلَهُمْ
عنْ فَضْلِ مُخْتَبَرِ العِدّ الذي وَرَدُوا
يبين بالفضل اقوام ويفضلهم
موحد بغريب الذكر منفرد
تَوَحّدَ القَمرُ السّاري بشُهْرَتِهِ،
وَأنْجُمُ اللّيْلِ نَثْرٌ، حَوْلَهُ، بَدَدُ
أحْيَتْ خِلالُ أبي لَيْلى أبا دُلَفٍ،
وَمِثْلُهُ أوْجَدَ الأقْوَامُ ما افتقَدُوا
ماانفَكّ صائبُ غَزْرٍ من سحائبه،
تُضَامُ فِيهِ الغَوَادي ثُمّ تُضطَهَدُ
نعْمَ المُفَرِّقُ في الإمحَاءِ ذو لِبَدٍ،
أبْطالَهُ، بِصَفِيحِ الهِندِ، يجتَلِدُ
وَشاغَلَ الدّهرُ حين الدهر من كَلَبٍ
خَصْمُ لَنَا مَعَهُ الإلْطَاطُ وَالَّلدَدُ
مُستكرِهٌ لِعُرُوض البيضِ إنْ قصُرَتْ
طِوَالُ خَطِّيّةٍ، خُرْصَانُها قِصَدُ
لَمْ يُحص عِدّةُ ما أوْلاهُ من حسنٍ
وَسَيّدُ النّيْلِ ما لمْ يْحصِهِ العددُ
مَوَاهِبٌ قُسّمَتْ في الخابِطينَ فَما
تَخْلو الرّفاقُ إلى جُمّاتها تفِدُ
يُطالِبُ الأرحبيُّ العَودُ سُهْمَتَهُ
فِيها، وَتَرْزَؤهُا العَيْرَانَةُ الأُجُدُ
عَفْوٌ من الجودِ لمْ تَكْذِبْ مخيلَتُهُ،
يُقصَّرُ القَطْرُ عنْهُ، وَهْوَ مُجتَهِدُ
إنْ قَصّرَتْ هِمَمُ العافِينَ جاشَ لهُم
جِحافُ أغْلَبَ في حافاتِهِ الزّبَدُ
لا تحْقُرَنّ صَغِيرَ العرفِ تبذله،
فَقَدْ يُرَوّي غَليلَ الهائِمِ الثَّمَدُ
وَيَرْخُصُ الحَمْدُ، حتى أنّ عارِفَةً
بذلُ السّلامِ، فكيْفَ الرّفدُ وَالصّفَدُ
ما استغرَب النّاسُ إفْضالاً ولا اشتهَرُوا
منْ حاتِمٍ، غير جود بالّذي يَجِدُ
كمْ قَدْ عجِلْتَ إلى النَّعماءِ تصنعها
مُبادِراً، وَبَخيلُ القَوْمِ مُتّئِدُ
وَكمْ وَعدْتَ، وأنتَ الغيْثُ تعرِفُهُ،
مُذْ حالَفَ الجُودَ يُعْطي فوْقَ ما يعدُ
إنْ لمْ تُعِنّي على رَجْعِ الحبِيبِ، فلنْ
يُرْجى، لعَوْني عليْهِ منهمُ، أحَدُ
وَإنْ ملكْتَ اعتِبادي بارتِجاعِكَتهُ،
فالحُرُّ يُمْلَكُ بالنُّعمَى، وَيُعتَبَدُ
وَخَيْرُ وأيَيْكَ إنْ ميّلْتَ بيْنهُما،
ما قِيدَ عنْهُ، وَوَافانا بِهِ العَتَدُ
والبَغْلُ، ينتزف الغادي عُلالتَهُ،
خِيارُ ما يُمْتَطَى منها، وَيُقْتَعَدُ
إن أنتَ أفقَدتني ظهْرَيِهما، ظهَرَتْ
نَفَاسَةٌ من قلوب القوْمِ، أوْ حسدُ